بقلم : نبيلة حافظ
تستدعي ذاكرتي دائما الأمثال المأثورة التي توارثناها عن أجدادنا، وما أكثرها وأجملها لما تحمله من مواعظ ودروس وخبرة وحنكة الكبار الذين اكتسبوها بفعل تجارب عظيمة عايشوها فخرجوا منها بحكم وأمثال لتصبح لنا ميراثا ننهل منه طوال الحياة.
وفي وقت المحن والأزمات أجدني دون قصد أستدعي تلك الأمثال وأستمتع بكلماتها وأستخلص من بين طياتها المعاني الجميلة التي تحملها.
ووسط الأزمة الاقتصادية التي نعيشها وتطحن معها طبقة الفقراء ومتوسطي الحال، نجد ظواهر سلبية كثيرة كانت وراء تفاقم الأزمة واشتعالها رغم محاولات القيادة السياسية المستميتة لإنهائها وحلها، القيادة السياسية فقط هي من تحاول ـ وكما قلت باستماتة ــ أما باقي أجهزة الدولة فهم للأسف جزء أصيل من الأزمة المتفاقمة الآن!
نعم أجهزة الدولة ضلع من ضلوع الأزمة الاقتصادية الطاحنة والأسباب كثيرة، وليكن وأذكر لكم القليل منها والمتمثل في غلظة وقسوة قلب السادة المسئولين تجاه المواطن البسيط الذي يقع تحت وطأة ارتفاع جنوني للأسعار بعد تحرير سعر الصرف الأجنبي منذ عدة أشهر، وعندما آن واشتكي موظفي الدولة وقطاع الأعمال والقطاع الخاص من هذا الغلاء الفاحش وطالبوا بعلاوة عادلة تتوازى مع نسبة الغلاء، فإذا بالحكومة ترمي لموظفي الدولة بالفتات وتمنحهم علاوة فقيرة لا تغني ولا تثمن من جوع مبررة ذلك بأن ميزانية الدولة لا تسمح بأكثر من ذلك، وعلى الجانب الآخر تتجاهل العاملين بقطاع الأعمال والقطاع الخاص في مهب الريح دون النظر إليهم بعين الرحمة والشفقة، والأغرب والأدهى والأمر من ذلك نجد الحكومة ذاتها التي ترفض العدل والإنصاف لمحدودي الدخل نجدها تطالب بزيادة رواتب أعضائها، فالسادة الوزراء الذين يتقاضون مرتباتهم بعشرات الآلاف يطالبون بزيادة مرتباتهم هذه واحدة.. أما الأخرى فهي ما كشفت عنه ميزانية مجلس النواب والتي تضمنت أوجه إنفاق مبالغ فيها خصصت لشراء سيارات وصرف حوافز ومكافآت لأعضاء مجلس النواب بعشرات الملايين¬!
كل هذا يحدث والمواطن الغلبان يفترسه الغلاء وينهش جسده جشع وطمع التجار، كل هذا يحدث وأجهزة الدولة المعنية بحماية المواطن من كل الممارسات غير المشروعة تغض بصرها عن الأزمة وتترك الساحة مرتعا للتجار المتلاعبين بقوت الشعب دون حسيب أو رقيب، فالتاجر يشتري بضاعته ويبيعها بأكثر من ضعف ثمنها، ومن يملك المال يضطر ويدفع ومن لا يملك يعيش لحظات حزن وأسى وحسرة على الحرمان الذي يعيشه.
كل هذا يحدث والمواطن في واد والحكومة الموقرة في واد آخر، تعيش حياتها سخاء رخاء ولا تدري حجم معاناة المواطن البسيط، ولكن لأن ربك للمكسور جابر لم ينس بعض تجار مصر الشرفاء طبقة الفقراء والمحتاجين، فوسط قسوة الحياة ظهرت مبادرات قليلة من جانب هؤلاء التجار المخلصين، فهذا صاحب مطعم وجبات جاهزة خصص ساعة يومية يقدم فيها وجبات مجانية للمحتاجين، وآخر صاحب مخبز بلدي خصص ساعتين يوميا لتوزيع الخبز مجانا على المحتاجين وغيرهم الكثير من أهل مصر الخيرين.
ألم أقل لكم أن القلب على القلب رحمة!