تحليل يكتبه: أحمد النجمى
وكأن «إسماعيل يس» أسطورة الكوميديا التى لا يمحوها الزمن، كان فى حاجة إلى هجوم الممثل «محمد رمضان» عليه، لكى تنفجر محبته فى القلوب كلمات وصورا على «الفيس بوك»، ليحتل تسجيل عبارات المحبة له، المرتبة الأولى فى الـ posts فى اليومين الأولين من هذا الأسبوع، مهاجمة رمضان لسمعة بقسوة، كشفت حجم محبة إسماعيل يس لدى الجمهور المصرى والعربى، وكشفت جوانب وطنية شديدة الأهمية فى شخصية النجم- الأسطورة- الراحل إسماعيل يس، لم يكن بعض عشاقه يعرفونها بالأساس.. لقد رفع المصريون أوائل هذا الأسبوع شعار «يعيش إسماعيل يس»!.
هاجم رمضان «أسطورة الكوميديا» إسماعيل يس.. من حيث كان يجب ألا يهاجمه.. والمشاهد حر، هذه قاعدة تعلمناها ونحن نغادر مرحلة الطفولة إلى المراهقة، المشاهد يكره من يشاء ويحب من يشاء، حتى لو كان المشاهد هذا ممثلاً يهاجم ممثلاً آخر، كما أن فكرة الهجوم على جيل قديم من الفنانين ليست مرفوضة فى ذاتها، وأنت- كمتابع للفنون- تلتمس الأعذار لمن يشاهدون الأعمال الفنية من باب التسلية وتزجية الفراغ، ومن يتحمسون لهذا النجم أو ذاك لأسباب لا علاقة لها بقدرة هذا النجم الفنية.. وهناك نجوم لا علاقة لهم بفن التمثيل- مثلاً- رفعهم حب الجمهور إلى أعلى مراتب النجومية.. حدث هذا فى كل المراحل التاريخية لفن التمثيل فى مصر.. وما ذكرناه «ثوابت» تندرج تحت باب «حرية التذوق الفنى»، حتى إذا كان هذا التذوق فى غير محله!
لكن، إذا كان المتحدث فناناً، بل يمارس نفس الفن الذى كان يمارسه الفنان الذى يهاجمه، فيجب هنا أن نتوقف! فمحمد رمضان- بصرف النظر عن تقييمنا الشخصى لما يقدمه من أفلام!- ممثل له جمهوره العريض من المتفرجين والمحبين، هؤلاء الذين إذا صرّح بتصريح أو أدلى برأيه فى شيء، اعتنق هؤلاء المعجبون ما قاله بسهولة! من هنا كان يجب أن يتروّى حين تكلم عن إسماعيل يس.. لاسيما إذا كان رأيه هذا هو الخطأ بعينه!
لقد قال محمد رمضان فى تصريحات صحفية إن أفلام إسماعيل يس التى قدمها حول الجيش المصرى أساءت إلى الجندى المصرى، بسبب المظهر الذى كان يطل به إسماعيل يس وتصرفاته المضحكة التى ليس لها أى علاقة بالجندية المصرية.. وما إن قرأ الناس هذا التصريح حتى اندلع هجوم كاسح ضد محمد رمضان، فتراجع عما قاله عبر فيديو قام بنشره على حسابه الرسمى فى الفيسبوك أكد فيه أن إسماعيل يس أكثر ممثل يضحكه، لكنه تابع رمضان كلامه إذا قدم أفلاماً عن القوات المسلحة المصرية فسوف يقدم أفلاماً حول هيبة الجندى المصرى ومدى التزامه وحبه للبلد..!
رمضان حر فى أن يحلم بأفلام تسجل صفحات من مجد قواتنا المسلحة الحاضر، وتخلد تضحياتها غير المحدودة فى حفاظها على الدولة المصرية فى مواجهة الإرهاب و»قوى الشر» المختلفة المحيطة بمصر التى تستعصى عليهم بسبب قوة جيشها، لكن أن يتهم رمضان «الأسطورة إسماعيل يس» فى أهم أعماله السينمائية، التى أسهم بها إسماعيل يس فى صنع حالة شديدة الخصوصية- فنية ووطنية- فهو الأمر المرفوض تماماً.. تماماً.. ونقول لرمضان: لا.. وألف لا لما تقول، ومهما قدمت من تراجعات فى الرأى واعتذارات عما قلت، فتراجعاتك واعتذاراتك غير مقبولة..!
إسماعيل يس قدم هذه الأفلام: إسماعيل يس فى الجيش، إسماعيل يس فى الأسطول، إسماعيل يس بوليس حربى، إسماعيل يس فى الطيران.. إيماناً منه ومن رفيق حياته فى التأليف «أبو السعود الإبيارى» بأهمية مؤسسة القوات المسلحة فى بناء الوطن والدفاع عنه، لاسيما فى هذه المرحلة التى تمت صناعة هذه الأفلام فيها- الخمسينيات- التى كان الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر ينشئ فيها القوات المسلحة على أسس حديثة، بعد تحرر مصر من الاحتلال البريطانى وتخلصها من الحكم الملكى الفاسد الذى كان ينظر للجيش بوصفه «تشريفة لجلالته» وحسب.. جاء عبدالناصر ليؤسس القوات المسلحة من جديد، وشعر إسماعيل يس بأهمية ما يحدث، فذهب- أولاً- إلى التبرع هو وصديق عمره أبوالسعود الإبيارى بألفى جنيه للمجهود الحربى فى أوائل العام ١٩٥٦، قبل العدوان الثلاثى بثمانية شهور تقريباً، أى أن إسماعيل يس- المواطن المصرى المتحمس وطنياً- ذهب من تلقاء نفسه هو والإبيارى ليتبرعا بألفى جنيه- بعملة ذلك الزمان، وهو رقم يعادل مائتى ألف جنيه على الأقل الآن- للقوات المسلحة، إنه رجل دفعته وطنيته إلى المساهمة بالمال أولاً فى العمل الوطنى، ثم ذهب يخلد هذا العمل الوطنى بأفلامه.. تلك التى عاشت ولاتزال وستبقى حية لدى عشرات الملايين فى مصر والعالم العربى..!
هذه الوثيقة التى ننشر منها صورة مع السطور التى نكتبها تبين تبرع إسماعيل يس وأبوالسعود الإبيارى للجيش.. لعل أحداً لم يشاهدها إلا حين هاجم رمضان «الأسطورة إسماعيل يس»، أما أفلام إسماعيل يس التى تحمل اسمه وتخلد مرحلة التأسيس الحديث لقواتنا المسلحة «علمياً تأسست ثلاث مرات.. الأولى فى عصر محمد على، والثانية فى عصر جمال عبدالناصر وصولاً إلى حرب الاستنزاف ثم انتصار ١٩٧٣، والثالثة فى هذه الأيام، فى عصر الرئيس السيسى..»، أما هذه الأفلام فهى علامة فنية- تاريخية بالغة الأهمية.. ولو كانت تهريجاً أو لو كانت تسىء لصورة الجندى المصرى كما قال رمضان- ثم عاد ليجمل كلامه!- لما سمح جمال عبدالناصر بعرضها ولا سمح المشير عامر- القائد العام آنذاك- بتنفيذها.. بل إن ما نعرفه يقيناً وما تبينه «تترات» البداية فى هذه الأفلام أن القوات المسلحة وقتئذ قدمت كل العون لهذه الأفلام لكى تخرج فى صورة واقعية، وأنها قد تم تصويرها فى المواقع الحقيقية لقواتنا المسلحة وتحت إشرافها الكامل.. أما كون إسماعيل يس قد صبغ هذه الأفلام بصبغته الكوميدية فهذا كان مطلوباً فى ذاته.. لماذا؟ كان الجيش محجوباً عن عامة الناس حتى قيام ثورة ٢٣يوليو١٩٥٢ المجيدة، وكان حجبه عن الجماهير جزءاً رئيسياً من سياسات الملك المخلوع فاروق والاحتلال البريطانى، ثم قام الجيش بالثورة فى ٢٣يوليو والتحم بالجماهير التى كانت مرحبة كل الترحيب بخلع الملك الفاسد، وبعد هذا الالتحام والتخلص من الاحتلال البريطانى والملك الفاسد ثم من الجماعة الإرهابية «١٩٥٤»، بدأ الجيش فى بناء نفسه على أسس حديثة، وكان مطلوباً ضمن ما هو مطلوب- وكان كثيراً ومتنوعاً- أن تتفهم الجماهير عملية بناء الجيش، ولم يكن هناك أفضل من إسماعيل يس النجم الأوسع شعبية ليقدم هذا العمل- أو الأعمال- التى تقرب الصورة للجمهور المصرى والعربى، بصورة تحمل الأمانة فى تسجيل عملية إعادة تأسيس القوات المسلحة وبلمسة كوميدية راقية تصل إلى الجمهور بسرعة ويتلقفها الناس.. ثم لا ننسى أن نسجل أن إسماعيل يس كان فى أفلامه الحربية هذه، يقدم- دائماً- قصة تحول المواطن المصرى البسيط إلى جندى مقاتل، يتخطى بالجندية بساطته وسذاجته التى كان إسماعيل يس يقدمها بعظمة فنية لا يختلف عليها اثنان، إلى رجل منضبط ومقاتل عظيم جدير بالجندية فى قواتنا المسلحة وهو ما لم يقصر إسماعيل يس فى تقديمه كذلك..!
هذا ما فات محمد رمضان.. فاته أيضاً أنه فتح الباب لـ «كلاب السكك» لكى تعوى على جيشنا فى الفيس بوك، فتنتهز الفرصة لتلفق القصص ويقول المعلقون على الفيس بوك- من كتائب «الإرهابية» الإلكترونية- إن إسماعيل يس قدم هذه الأفلام تحت التهديد وبالإجبار، ويبدون الشماتة فى جيشنا وما حدث فى ١٩٦٧ كأنه نتيجة طبيعية لأفلام إسماعيل يس.. ولا ينسون أن يسيئوا لقواتنا المسلحة طبعاً!
هذا هو الباب الذى فتحه محمد رمضان دون أن يدرى أو يحتسب، فضلاً عن إساءته لإسماعيل يس وهى الإساءة التى نرفضها تماماً، فتح الباب لكلاب الإنترنت لتهاجم القوات المسلحة فى الخمسينيات والآن أيضاً..! وفتح الباب لكلاب من يكره تجربة جمال عبدالناصر- وبعضهم ليسوا من «الإرهابية»- لكى يهيلوا التراب على هذه التجربة..!
أيضاً فات محمد رمضان أن أفلام إسماعيل يس وإن كانت تسىء للجندى المصرى- من وجهة نظره- إلا أنها لم تشوه وعى جيل كامل من المراهقين وصغار الشبان فى مصر مثل «عبده موتة» وغيره من أفلام محمد رمضان نفسه، والتى إن عاش عمره كله يعتذر للمصريين عن تقديمها، فلن يكفيهم اعتذاره.. ثم إن إسماعيل يس لم يتباهَ بالغنى- برغم أنه عاش معظم عمره غنياً- ولا بسياراته ولا بثروته.. وغيره تباهى، بالصور والكلام.. وقد كان هذا قريباً..!
لقد بكى إسماعيل يس جمال عبدالناصر فى جنازته «أول أكتوبر ١٩٧٠» ويمكن لكل من يحاول الإساءة لأفلام إسماعيل يس أن يشاهد هذا بالفيديو على «موقع يوتيوب»، وعاش جيلنا والجيل السابق له واللاحق به ندمن على مشاهدة أفلام إسماعيل يس الحربية، وعرفنا أمجاد جيشنا فى الخمسينيات والستينيات من خلالها، وأطلقنا- ولانزال- ملايين الضحكات الصافية منها.. ولم نشعر ولو لثانية واحدة بأنها أساءت لقواتنا المسلحة. بل على العكس تماما! يعيش إسماعيل يس الفنان الوطنى العظيم، وعلى من لا يفهم تجربته ألا يتكلم، الصمت أفضل فى بعض الأحيان..!