تحقيق: راندا طارق
عدسة: سارة جاد
هنا فى فى منطقة النزهة بمصر الجديدة شارع مختلف ليس كغيره من الشوارع.. لا فوضى ولا عشوائية ، كل شئ منظم ومرتب ، يستحق أن يطلق عليه شارع البهجة والسعادة.
شارع مصر، هو التجربة التى يجب أن نراها فى كل مكان، البداية كانت حلما لمكان يجمع الباعة الجائلين وعربات الأكل التى تنتشر فى منطقة مصر الجديدة، وبدأت الفكرة بعد فيديو فتاة عربة البرجر ياسمين وإشادة الرئيس عبد الفتاح السيسى بكفاحها ومطالبته الأجهزة التنفيذية بمساعدة الشباب أصحاب عربات الأكل والباعة الجائلين وأصحاب المشروعات الصغيرة.
فكان شارع مصر الذى يوفر أماكن مخصصة للشباب أصحاب عربات الأكل والباعة الجائلين، الشارع مصمم على طراز أوربى حديث كل شىء فيه يدعو للإعجاب ويثير البهجة ويفتح النفس .
فى «شارع مصر» كل شاب يرتدى زيا يناسب مشروعه، وأكلات ومشروبات ساخنة وعصائر وحلوى ومشغولات يدوية ونظافة وأمن وكاميرات مراقبة.. فالشباب يعمل وفق تصاريح بعربات مجهزة وبكافة المرافق من السادسة مساءً ويستمر الإقبال حتى الرابعة فجرًا.
أزمة «ياسمين» كانت هى الشرارة الأولى لانطلاق مشروع شارع مصر، فكانت تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسى لمحافظ القاهرة والرقابة الإدارية برعاية الشباب ومشروعاتهم وتقديم الدعم اللازم لهم دون الإخلال بالقانون، وذلك بتوفير مساحة أراض فضاء وإعدادها لتجميعهم بها بمكان لائق جاذب للراغبين فى الشراء مع تحقيق كافة عوامل الأمان لهم.. النجاح الذى شهده الشارع دفع المسئولين لدراسة تعميمه فى ٨٢ منطقة بمحافظة القاهرة، ومن ثم تطبيقه فى كافة المحافظات.
«المصور» زارت الشارع لتسرد تفاصيل المستقبل الجديد بأيدى الشباب.. فى بداية الشارع نجد عربة ياسمين «فتاة البورجر» وصديقتها. «ياسمين» بدأت حديثها بشكر الرئيس السيسى لاهتمامه بأزمتها وبتقديمه حلًا جذريًا لمعاناة الشباب أصحاب عربات الأكل. «ياسمين» فتاة جميلة حسنة المظهر حاصلة على مؤهل عال فى تخصص إدارة الأعمال، تقول: بدأت مشروعى الصغير بالشارع منذ عشرة أشهر بمساكن الشيراتون أمام المشروع مباشرة قبل تأسيسه، إلا أننى أشكر الظروف التى جعلت من أزمتى طاقة أمل للشباب لتأسيس المشروع. مؤكدة أن «شارع مصر» أفضل بكثير من الوقوف خارجه، لأنه نظيف ويوفر المرافق والكهرباء، فيتمكن زبائنى من مشاهدتى وأنا أعد الطعام، كما يضمن الشارع سلامة عرباتنا وأدواتنا التى كانت تتعرض للكسر بالخارج. «ياسمين» تحلم أيضًا بتأسيس مطعم عالمى خاص بالبرجر فقط الذى تقوم بإعداده. ولا تستبعد أن تكون بداية هذا الحلم من داخل شارع مصر
بجانب «ياسمين»، يقف محمد حمدى وهو شاب حاصل على ليسانس حقوق يقدم حلواه المتنوعة «تشيز كيك.. والوافل» وغيرها من الحلوى، «حمدي» ترك مهنة المحاماة واتجه لتأسيس مشروعه الصغير من الشارع، وذلك قبل أن يتم تأسيس المشروع لينتقل إليه، ويحلم أن يكون مشروعه الصغير نقطة البداية لتحقيق حلمه بتأسيس مطعم متكامل.
ويقول إن والدته تقوم لتساعده بتحضير كافة أنواع الحلوى يوميًا ثم يذهب بها لعربته ويقوم بالبيع، ويؤكد أن القيمة المادية التى يتحملها الشاب نظير تأجير مكان بشارع مصر ليست بكثيرة، لاسيما وأنه يحقق للشباب امتيازات كثيرة، منها توفير المكان الثابت لهم، فضلًا عن توفير كافة المرافق من كهرباء ومياه، كما تجنبهم مضايقات الحى والبلدية، وتحفظ سلامة وصلاحية طعامهم.
وخلال الجولة الميدانية رصدنا محمد عهدى وهو طالب بكلية التجارة، يبيع التابلوهات وساعات اليد، ويساعده صديقه وشريكه بالمشروع أحمد حمدى طالب كلية الحقوق وبجوارهم يقف ثلاثة أطفال أشقاء أعمارهم لا تتعدى الـ ١٥ عاما وهم «شادى وفادى ومازن» يبيعيون اكسسوارات يدوية وتساعدهم الأم التى قالت إنها شجعت أولادها لاستغلال موهبتهم فى تصنيع الأكسسوارات اليدوية بعد أن لاحظت تفوقهم فيها، وقيامهم بالبحث على الإنترنت للوصول لأحدث الابتكارات وتصنيعها، ومن ثم عرض أعمالهم على أصدقائهم بالمدرسة والنادي، فما كان منها ومن والدهم إلا معاونتهم لأنهم يرون أن ذلك أفضل لهم من الجلوس أمام شاشات هواتفهم على «الفيس بوك» والإنترنت والمقاهى خاصة وأنهم في عمر خطر يحب التطلع.
تصطحب الأم أولادها يوميًا وتعاونهم فى عرض تصميماتهم، وتعطى نصائحها لهم بكيفية التعامل مع الجمهور، ثم تنصرف وتعود نهاية اليوم للرحيل كما تتولى تنسيق أوقاتهم ما بين الدراسة والتمرين والمشروع.
وعلى خطى والدة الثلاثة نجد «عاصم» الخمسينى فى الذى يساعد ابنته «مريم» فى مشروعها الصغير فيقدما «الأكلات البيتي» مريم تخصص دراستها نظم ومعلومات وتساعدها شقيقتها الصغرى أيضًا ووالدتها بإعداد الطعام المنزلى الطازج.
أما المهندس «أحمد» صاحب أول عربة سوشى بشوارع مصر كما يلقب نفسه، فهو حاصل على بكالوريوس هندسة، يعمل بالنهار مهندسا أما ليلًا فهو بائع السوشي، عبر عن سعادته بانتقاله بعربته من الشارع ومطاردات البلدية له لشارع مصر، مؤكدًا أن «مصر فيها حاجة حلوة».
أما مصطفى وعبد الله يقدمان أغرب الأكلات منها «بانيه بالكنافة.. وكنافة بالجمبري» وبجانب عربتهما شواية يقدمان عليها وجبات كثيرة.. لخصا فكرة مشروعهما فى جملة واحدة «بنأكل الناس اللى بنفكر نأكله بكره»، «مصطفى» حاصل على بكالوريوس إعلام وبعد تعثره فى الحصول على عمل، قرر تأسيس فكرته بالشارع وتعاونه والدته بتجهيز الوجبات ويتولى هو الطهى، وبجانبه صديقه «عبد الله» طالب الحقوق، وسورى الأصل يقدم أكلاته السورية معه لحين حصوله على عربته بالمرحلة الثانية.
وبين تسوية «الكبدة والسجق» يقف «عماد» الحاصل على بكالوريوس سياحة وفنادق، ويقول: بعد أن تخرجت سافرت للعمل بالخليج وأوربا ثم عدت لمصر، وبدأت بفكرة بسيطة وهى وضع عربة صغيرة مكونة من شعلة واحدة «بشنطة سيارتى الملاكي» هذه العربة قمت بتوصيلها بأنبوبة غاز صغيرة من خلالها أقدم مشروباتى «شاى وقهوة وكابتشينو»، وأبيعها لأصدقائى بعد علمى بأماكن تجمعاتهم. ثم جاءت فكرة تأسيس عربة «الكبدة والسجق» بعدما وجدت طفلين يقطنون معى بعمارتى التى أسكن فيها يقومان بشراء الفاكهة من الشارع وتقطيعها فى أطباق بلاستيكية وبيعها للمارة كـ»فروت سلاط» رغم أن عمرهما لا يتعدى الـ٧ أعوام، وعندما سألتهما عما يفعلانه، فكان جوابهما الصادم «بنقلدك يا عمو«، فكانت هذه هى الدفعة لى لتأسيس عربة بعد أن وجدت نفسى نموذجًا وقدوة.
وعلى مسافة غير بعيدة ، وجدنا «هتلر» الشاب الذى حضر من دهب وعاش بالقاهرة، وكان يقوم «برص حجر الشيشة للزبائن فى الشارع دون مقهى»، لكنه بعد أن انتقل لشارع مصر لم يتسن له تقديم الشيشة لأنه مكان للعائلات، فقدم هتلر مشروبات «شاى وقهوة على الفحم»، فضلا عن النسكافية والعصائر.. وتحمل عربته اسم «قهوة ع الماشى».
بداية الحلم
القائمون على مشروع «شارع مصر» لهم دور كبير فى تذليل العقبات للشباب، أحمد السيد المشرف العام على المشروع يقول إن أغلب شباب «شارع مصر» من حاملى المؤهلات العليا، والفكرة جاءت بعد أن تدخل الرئيس السيسى لمساعدة الشباب، فكانت المرحلة الأولى للمشروع بمساكن الشيراتون على أرض كانت أشبه بالأرض البور وتم تنظيفها ووضع الشباب عرباتهم بالتنسيق بين رئاسة الحى والمحافظة والرقابة الإدارية والشركة المنفذة للمشروع.
مضيفًا: تحولت عربات الشارع لمشروعات صغيرة متطورة، وأصبح المواطنون يتناولون طعامهم وهم جالسون، طعامًا صحيًا تشرف عليه وزارة الصحة والرقابة، وأمام الزائرين مسرح يقدم حفلات ترفيهية وعروضا للأطفال والشباب، لافتًا إلى أن المشروع حافظ على روح الشارع المصرى داخل مكان تم ترخيصه، ليصبح خاليًا من المضايقات ولعبة «القط والفأر» بين الإشغالات والبلدية، فأصبح الشارع مكانًا حضاريًا به حمامات وأحواض لغسيل الأيدى.. ويضم شبابا يعملون على مشروعاتهم الصغيرة دون التعرض لمضايقات من أحد، مقابل إيجار رمزى لوضع عربته وحصوله على كافة المرافق من ماء وكهرباء وهو ١٤٥٠جنيهًا.
ولفت «السيد» إلى أن القائمين على المشروع والشباب كل هذا النجاح للمشروع بعد قدوم أعداد كبيرة يوميا للجلوس وتناول الطعام، وهو الأمر الذى دفع المحافظة والجهات الأخرى لإجراء استعدادات خاصة لأي مناسبات أو أعياد ولأنه من المتوقع أن يستقبل المكان خلالها أكبر عدد من المواطنين مثلما حدث فى عيد الأضحى.
ونوه إلى أن عربات «شارع مصر» متنوعة فى مشروعاتها بين مأكولات ومشروبات ومشغولات يدوية وتابلوهات ولوحات، وهناك مرحلة ثانية للمشروع بطريق الأوتوستراد وتم تخصيص الأرض من قبل المحافظة وهى أرض خلف المرحلة الأولى مباشرة، وذلك لتوسيع عدد العربات بأكثر من ١٤ عربة، كما تم تخصص مكان لسيارات من يأتى لشارع مصر. كاشفًا إلى أن «شارع مصر» سيتم تعميمه وتطبيقه فى ٨٢ منطقة بمحافظة القاهرة، ومن ثم تطبيقه على كافة محافظات الجمهورية.
وأشار المشرف على المشروع إلى أنه على كل شاب يحلم بمشروعه الصغير التقدم بأوراقه للمحافظة، لافتًا إلى أن هناك عددا كبيرا من الشباب قرابة ٤٠ شابا يتقدمون يوميا بأوراقهم بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة للحصول على أماكن بالمراحل الأخرى، موضحًا أن كل من تقدم سيحصل على مكانه الخاص حال توفرت به الشروط ولا مجال للوساطة، فما على الشاب، إلا الذهاب للمحافظة، وتوافر الشروط أهمها ألا يقل عمر الشاب عن ٢١ ولا يزيد عن ٣٥ عامًا.
«السيد» قال إن المشروع يقدم للشاب المكان وهو من يأتى بعربته ومن ضمن الشروط أيضا ضرورة تنوع المشروعات، فلم يتم الموافقة لأكثر من عربة بتقديم نفس نوعية الأكل أو الحلوى بمكان واحد، لأنهم يريدون توفير كافة الخدمات للزائرين. لافتًا إلى اهتمام الرئاسة بالمشروع، فيما تتولى الرقابة الإدراية المشروع بالكامل مع وزارة التنمية، فهم يتواصلون مع الشباب الجدد الراغبين فى حجز أماكن، ويراقبون المكان نفسه والمشكلات وكذلك تتولى وزراة الصحة متابعة الطعام.
من جهته، قال أحمد مصطفى رئيس مجلس إدارة الشركة المنفذة للمشروع، إن «شارع مصر» يقتصر كمرحلة أولى على قاطنى محافظة القاهرة فقط، ولكن سيتم تطبيقه على كافة المحافظات فى المراحل الأخرى، فهو مشروع قومى وليس مجرد حل لأزمة منطقة فقط، مضيفً: أن الرقابة الإدراية تنظر للمشروع على أنه المستقبل وسيتم تعميمه على كافة المحافظات بل كافة الأحياء.. فـ«شارع مصر» ليس هدفه وضع حل لأزمة الباعة الجائلين، بل حل أزمة البطالة، موضحًا أنه يمكن للباعة الجائلين أيضا التقدم طالما توفرت الشروط التى وضعتها المحافظة والرقابة الإدارية.
ولفت «مصطفى» إلى أن التحديات التى كانت تواجه المشروع قليلة، خاصة أن جميع الأطراف القائمة على المشروع متعاونة، وتم إزالة كافة العقبات التى كانت تؤرق الشباب، فكانت العقبة الأساسية متمثلة فى إقناع هؤلاء الشباب بالدخول لشارع مصر، بعد أن كان حرًا طليقًا بالخارج ولا يدفع مقابلا، ولكن فى الناحية الأخرى الشباب كانوا أكثر نضجًا فهم يعلمون أنهم كانوا عرضة للخطر، هم وعرباتهم من رئيس الحى أو البلدية.
ولفت إلى أن عدد عربات المرحلة الأولى ١٣عربة ومن المتوقع أن تضم المرحلة الثانية ١٦ عربة، أو ما يزيد حسب المساحة المخصصة، والجهات القائمة على المشروع تعقد اجتماعات دائمة لتدوين الأخطاء والملاحظات ليتم تصحيحها، لافتًا إلى أن هناك مقترحا سيتم مناقشته وهو مطالبة البعض من الشباب برفع العمر لما يزيد على الخامسة والثلاثين، واشترط تقديم الشهادة الصحية لأن هناك إشرافا دائما من وزارة الصحة وفرقا صحية للتفتيش عن جودة الأطعمة فى أى وقت.
والمؤكد أن هذا الشارع ليس نهاية المطاف، وإنما بداية لمشروع قومى كبير يجب أن ينتشر في كل مدن مصر حتى يمنح فرصاً للشباب ويعيد الشكل الجمالى لشوارع مصر.