الإثنين 25 نوفمبر 2024

بؤرة توتر جديدة فى العلاقات بين روسيا وأمريكا فرض عقوبات على إيران سيكون أول فشل للرئيس ترامب

  • 16-2-2017 | 09:46

طباعة

بقلم –  د. نبيل رشوان

متخصص فى الشئون الروسية

ألقى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بحجر فى البركة الراكدة، وهاهو بركان إيران يثور من جديد، والعداء الأمريكى الإيرانى على رأس اهتمام وسائل الإعلام فى العالم، تسخين الملف الإيرانى بدأ عندما أعلن الرئيس الأمريكى أثناء حملته الانتخابية أنه لا يعترف بالاتفاق النووى الإيرانى واتهم بعد أن تولى الرئاسة إيران بأنها الدولة الإرهابية رقم واحد فى العالم، وأنها توزع السلاح والأموال على الجماعات الإرهابية، ثم يأتى أس العداء عندما قال إنها ـ أى إيران ـ لا تحترم بلاده، ووصف ما أسماه بالصفقة النووية بقوله إنها «أسوأ صفقة عرفها على الإطلاق»

إنها الصفقة التى ما كان يجب حتى مجرد مناقشتها على الإطلاق، ووصفها ترامب بالصفقة «العار على إدارة أوباما»، لكن ورغم الوصف الشنيع للاتفاق النووى مع إيران الذى أطلق عليه الرئيس الأمريكى الصفقة، إلا أنه فى سؤال عما إذا كان سينسحب من الاتفاق قال «سننتظر ما سيحدث» وأضاف كان من الممكن أن أسلم بالاتفاق مثلا «إذا قالوا (إيران) أوكى نحن الآن معاً» لكن ما حدث العكس. وقال الرئيس الأمريكى إنهم يتتبعون طائراتنا ويحيطون بسفننا بواسطة قواربهم الصغيرة، وفقدوا احترامهم لنا لأنهم لا يستطيعون تصديق أنه يوجد أغبياء لهذه الدرجة بحيث يوقعون معهم صفقة كهذه (الاتفاق النووى) حسب قول الرئيس ترامب.

٥ فبراير الجارى نشرت صحيفة وول ستريت جورنال نقلاً عن مصادر عليمة أوربية وعربية أن البيت الأبيض يرغب فى إعاقة التعاون الدبلوماسى والعسكرى بين روسيا وإيران تحت شعار مكافحة الإرهاب المتمثل فى «تنظيم الدولة»، ويذكر أن السبب الأساسى للتصعيد ضد إيران جاء بعد تجربة إيران لصاروخ باليستى يوم ٢٩ يناير الماضى مما دفع بالولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على إيران .واعتبرت الولايات المتحدة أن التجربة الصاروخية خرق للاتفاق النووى مع إيران، رغم أن قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٣١ بهذا الشأن لا يمنع إيران من إجراء هذا النوع من التجارب، وإن كان لا يحبذ ذلك.

من وجهة نظرى هذه الزوبعة الأمريكية تهدف بالدرجة الأولى، إلى تأمين إسرائيل والحديث عن إيران الإرهابية يهدف بالدرجة الأولى إلى أن تتخلى إيران عن حزب الله، والتجربة الصاروخية جعلت الأمريكيين يخشون من وصول هذه الصواريخ لحزب الله، وهم بلا شك يتذكرون حرب ٢٠٠٦ ومدى صواريخ الحزب التى وصلت لحيفا وأبعد من ذلك، والأمر الثانى هو الحصول على مكاسب اقتصادية من دول الخليج ومن غير المستبعد محاولة الحصول على إتاوة من هذه الدول مقابل الحماية من العدو الجديد، إيران، خاصة وأن بعض دول الخليج بدأت تستعد للجوء لإسرائيل لهذا الغرض وهى الآن على استعداد للجوء للولايات المتحدة وعلى دفع ثمن الحماية، أوليس ترامب هو الذى قال إن على دول الخليج دفع ثمن تحرير بلاده للكويت، وبالنسبة لدول الخليج الحماية الأمريكية فيها حفظ لماء الوجه أمام الشعوب العربية، خاصة وأن كثيرين فى دول الخليج يسعون لفك الارتباط فى العلاقات الروسية ـ الإيرانية بمقابل اقتصادى ومادى لروسيا، وكأن روسيا مقاول فاز بمناقصة وسيأخذ عرقه ويذهب، حسب التعبير المصرى، ويبدو أنهم لم يفهموا روسيا بعد. من المعروف أن إيران تعهدت أثناء توقيع الاتفاق النووى بعدم التعرض لإسرائيل، لكن على ما يبدو بالنسبة للرئيس الأمريكى الجديد كان هذا غير كاف خاصة بعد إجراء التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة ، والتى اعتبرها تهديداً لإسرائيل حتى وإن لم يذكر ذلك صراحة. وضع التصعيد الأمريكى تجاه إيران العلاقات الروسية ـ الأمريكية على المحك، وأصبح على روسيا أن تختار بين علاقات الشراكة المتجذرة مع إيران وبين تسوية علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ورفع العقوبات وإنعاشها من جديد، وإن كانت الشواهد حتى الآن تشير إلى أن موسكو سيكون من الصعب عليها الموافقة على التوجه الأمريكى الجديد، وسارعت إلى عقد لقاءات وصفتها بالسرية الشديدة حيث عقد نائب وزير الخارجية الروسى الذى شارك فى مفاوضات الاتفاق النووى ممثلا لروسيا سرجى ريابكوف مع نظيره الإيرانى عباس ارتشاجى واتفقا على خطة مشتركة شاملة، وثمّن الجانب الروسى هذه الخطة كأحد عناصر السياسة الخارجية الروسية. وتعتبر روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين فى المنطقة طالما التزمت بالاتفاق النووى.

التصعيد الحادث بين واشنطن وطهران وضع بالفعل روسيا فى موقف صعب، فمن ناحية تعتبر موسكو طهران حليفا فى عدد من قضايا الشرق الأوسط الملتهبة (خاصة الملف السورى)، ومن ناحية أخرى علاقات روسيا بالإدارة الأمريكية الجديدة وعلى رأسها دونالد ترامب بدأت منذ فترة قصيرة، وإذا كان الخلاف الأمريكى مع إيران، سيكون ثمنه التخلى عن الشراكة مع طهران وهى لن تفعل هذا، ومن ثم سيكون على روسيا التخلى عن آمال أن تصبح شريكا لواشنطن،فى الملف الرئيسى الذى أعلن عنه ترامب وهو القضاء على الإرهاب وبالتحديد تنظيم الدولة، فى المستقبل القريب،بل ومن الممكن نسيان الأمل فى تخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، والتى كانت روسيا تعلق آمالا كبيرة عليه بوصول ترامب للسلطة، بالإضافة طبعا لرفع العقوبات.

روسيا لا تريد المخاطرة بقطع علاقاتها مع إيران أحد أهم شركائها فى المنطقة، خاصة أن الولايات المتحدة لم تقترح على روسيا حتى الآن مقابل ذلك شيئا مغريا ذا قيمة كبديل يعوضها برود العلاقات مع إيران فى حالة تخلى موسكو عنها، على سبيل المثال أن تعترف الإدارة الأمريكية فى المقابل بمصالح الكرملين فى فضاء الاتحاد السوفييتى السابق، وتنازلات أمريكية فيمنا يتعلق بالملف الأوكرانى، أو تخفيف العقوبات، حتى لم يحدد ترامب مقاييس أى صفقة، وبالتالى ليس هناك ما يغرى روسيا لأن تغير موقفها من التحالف مع طهران،ورغم ما تردد عن احتمال تغيير الإدارة الأمريكية لموقفها من الأزمة الأوكرانية واستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، عندما صرح أحد خبراء السياسة الأمريكيين عن بعض الحلول التوافقية التى تبقى القرم تحت السيادة الروسية والاعتراف بذلك عندما قال يمكن إعادة الاستفتاء فى القرم إذ أن الدول الغربية لم تعترف بالاستفتاء الذى أجرته روسيا، وتعويض أوكرانيا عن بعض الممتلكات الأوكرانية فى شبه جزيرة القرم، والاستثمار المشترك للرصيف القارى أمام وحول القرم.غير أن هذا مجرد كلام وتصور لحلول ممكنة من خبراء سياسة أمريكيين ولم يصدر عن أى مسئول حتى الآن، لكنه يعكس اهتماما أمريكيا بتسوية القضية.

لكن فى نفس الوقت هناك سبب جوهرى لكى لا تغير موسكو موقفها الرافض للعقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة على طهران فى الجدل الدائر حول البرنامج النووى الإيرانى، فعلى مدى المفاوضات الماراثونية التى جرت حول ملف طهران النووى ومن خلال مجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن + ألمانيا) لعبت روسيا دوراً محورياً فى هذه المفاوضات، وكان ذلك أثناء تولى محمود أحمدى نجاد الذى يمثل الجناح المحافظ فى الإدارة الإيرانية (٢٠٠٥ ـ ٢٠١٣) أمكن المحافظة على مجموعة التفاوض بهذا الشكل فى شكلها الذى بدأت به، كما لعبت روسيا دور الوسيط بين طهران والغرب، وحتى فى الوقت الذى كانت موسكو تتعرض لانتقادات عنيفة من جانب إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى عديد من القضايا، إلا أن هذه الإدارة أشادت بدور موسكو الإيجابى فى مفاوضات الملف النووى الإيرانى.

هذا الموقف تغير بصورة جذرية مع وصول ترامب بتوجهاته الجديدة إلى السلطة، لكن هذا بدا غير مقنع للكرملين لكى تقوم موسكو بتغيير موقفها من إيران بصورة حادة، غير أن تغيير موقف روسيا بصورة حادة سيكون مفاجأة غير طيبة لشركاء موسكو بالمنطقة، فعلى مدى الأزمة السورية تعود الجميع على مواقف روسيا الصلبة فى الحفاظ على المبادئ التى من أجلها تدخلت فى النزاع السورى، ومن ثم فإنها لن تقدم تنازلات حتى لو تعرضت لضغط شديد.

من هنا تستطيع طهران الرهان على الدعم الروسى غير المشروط، رغم أن التحالف الحالى المؤقت فى سوريا ليس بالقوة الكافية، حيث كثيراً ما يتبادل الجانبان لبعضهما انتقادات وغير متفقين تماما فيما يتعلق بالملف السورى، فعلى سبيل المثال طهران متمسكة بالحرب فى سوريا حتى النهاية لتحقيق نصر عسكرى، وبعد بسط الرئيس الأسد سيطرته على كافة الأراضى السورية التى تسيطر عليها المعارضة، بالإضافة إلى أن إيران وفق الروايات الروسية تنظر إلى الأزمة السورية باعتبارها صراعا بين السنة والشيعة، وتقف طهران حجر عثرة أمام أى تنازلات للمعارضة المكونة من مجموعات سنية مسلحة، وهى بالتالى ضد ضم تركيا منافستها التقليدية للعملية السياسية فى سوريا.

فى حين تحصر روسيا أهدافها فى تحقيق السلام فى سوريا بالشروط التى تقبلها دمشق، مع الأخذ فى الاعتبار مصلحة المعارضة المعتدلة، فهى مع بقاء الأسد على رأس السلطة بضمان من القوات الروسية الموجودة فى البلاد، ودائماً ما تتجنب موسكو الحديث عن تحرير كافة المناطق التى تسيطر عليها المعارضة، على خلاف ما تتحدث عنه طهران ودمشق، موسكو ترى تحرير الأراضى التى تسيطر عليها المعارضة من خلال اتفاق الحكومة السورية والمعارضة وعن طريق التفاوض على تقاسم السلطة.

وكما قلنا إن الاتفاق النووى الإيرانى وقعته الدول الخمس الأعضاء الدائمون فى مجلس الأمن وألمانيا، لم نعرف حتى الآن موقف الدول الأخرى التى وقعت على الاتفاق من فرض عقوبات من جانب أحد الأطراف الستة (الولايات المتحدة) على طهران، وماذا ستفعل فرنسا فى صفقة طائرات الإيرباص التى وقعتها مع طهران بقيمة ٢٠٠ مليار دولار لشراء مائة طائرة ركاب، وماذا عن عقود تنمية آبار النفط والغاز التى وقعتها إيران والتى رفعت إنتاجها لأكثر من ٣ ملايين برميل يومياً والمناقصة التى تطرحها إيران خلال فبراير الجارى وأيضاً لتنمية حقول نفط وغاز قيمتها مئات المليارات، فقد رفضت الولايات المتحدة صفقة إيرانية لشراء ٢٠ طائرة بوينج فهل لدى فرنسا ترف التخلى عن صفقة الإيرباص الضخمة، خاصة وأن ترامب يمكنه تعويض خسائره من أموال الخليج التى طالبها بسداد فاتورة تحرير الكويت، والقضاء على نظام صدام حسين. أتصور أن العقوبات الأمريكية الجديدة مآلها الفشل إذا قامت بذلك الولايات المتحدة منفردة أو على الأقل لن تكون مؤلمة بما يكفى لطهران، وأعتقد أن ذهاب الولايات المتحدة لمجلس الأمن لفرض عقوبات دولية محكوم عليه بالفشل، لأن روسيا والصين ستعترضان على مثل هذا القرار ولأسباب اقتصادية وهذا غير خاف على أحد فالصين من كبار مستوردى النفط الإيرانى، وروسيا تستعد لبناء محطة توليد الكهرباء بوشهر ـ ٢ وهو عقد بعشرات المليارات.

    أخبار الساعة