الإثنين 25 نوفمبر 2024

شرم الشيخ فى انتظار «الفرج السياحى»

  • 16-2-2017 | 10:01

طباعة

بقلم –  أحمد أيوب

تحزنك مدينة شرم الشيخ بسبب ما وصل إليه حالها، وانتظارها الفرج السياحى، الذى تأخر أكثر من اللازم، رغم أن كل ما هو مطلوب من إجراءات تأمينية تم توفيرها وربما بأكثر مما هو متوقع، لدرجة تشعر البعض بالغضب منها أحيانًا، لكن حتى الآن كل هذه الإجراءات لم تؤت ثمارها ولم تعد السياحة، وأصبحت المدينة الساحرة بجوها وموقعها فى انتظار عودة الغائب

 

الطريف أن الفنادق فى تلك المدينة تمنى نفسها كإدارات وعاملين بالعودة القريبة ويترقبون كل ما يعلن من أخبار العودة، التى ينتظرونها حتى وإن كانت شائعات أو أخبارًا غير مؤكدة، فحبال الأمل عندهم لا تنقطع ترقبًا لصباح يشرق عليهم بالمفاجأة، التى يحلمون بها، وهى عودة السياحة الروسية، التى يؤكد الجميع فى شرم الشيخ أنه لا غنى للمدينة عنها، فهى الأهم والأفضل بالنسبة لهم، بل وأكثر من هذا فالروس هم ترمومتر الرواج والأمان فى شرم الشيخ، إن عادوا فلن تحتاج الدولة بذل مجهود فى عودة السياح الآخرين، لأن الجميع ينتظر عودة الروس ليعودوا على دربهم، فعودة الروس ستعقبها فورا عودة الإنجليز والإيطاليين وباقى الجنسيات ووقتها سيعود الرواج والخير. 

على مدى خمسة أيام قضيتها فى شرم الشيخ لمست بنفسى حجم المعاناة والحزن البادى على شوارع المدينة بسبب الهجرة الإجبارية لعشاقها من السياح، وكيف أن الحل لهذه المشكلة له عنوان واحد هو روسيا..

سمعت هذا من كل من قابلتهم فى رحلتى إلى شرم الشيخ، الذين وإن أعادت إجازة نصف السنة بعض الحياة لمدينتهم، بسبب رحلات المصريين سواء كأسر أو جروبات شركات ووزارات ومؤسسات، لكنها رواج وهمى، أو حياة مؤقتة سرعان ما انتهت بانتهاء الإجازة، فعاد معدل الإشغال من الخمسين بالمائة إلى العشرين بالمائة أو أقل مرة أخرى، لكنهم لم يفقدوا الأمل فى قرب الانفراجة بعد كل الأخبار، التى يتابعونها يوما بعد الآخر عن قرار روسى وشيك بعودة رحلات الطيران مجددا إلى شرم الشيخ،

الروس بالتأكيد ليسوا هم الأغنى بين السياح القاصدين لشرم الشيخ، لكن يعوض هذا كثرة عددهم لدرجة تجعل المدينة مزدحمة ومعدل الشغل فيها مرتفعا من الإشغال الفندقى إلى المحلات والمطاعم إلى التاكسيات، التى تسمع من سائقيها أهم تحليل للوضع الحالى فى شرم، فيلخصه أحدهم بأنه غير مسبوق، ورغم وجود بعض السياح الأوكرانيين، لكنهم لا يرضون طموح الفنادق والتاكسجية فى شرم لأنهم سياح فقراء ومعدل إنفاقهم ضعيف، بجانب قلة عددهم، فلا مقارنة أبدا بينهم وبين الروس.

صحيح أن العرب موجودون فى شرم، لكن بنسبة ضئيلة لا تكاد تذكر، وأغلبها رحلات فردية وعائلية لا تسد رمق الفنادق الكثيرة التى ضخت فيها استثمارات بعشرات المليارات وتعانى الآن من الفراغ، وبعضها اضطر للإغلاق حفاظًا على ما تبقى من أموال لدى أصحابها، على أمل أن يفتحوا أبوابهم مع أى مبشرات خير قادمة، فالأرقام التى نسمعها فى قلب شرم أن نحو ٤٥ فندقا فضل الإغلاق تجنبًا لكارثة الإفلاس، وفنادق أخرى تدهورت أحوالها بسبب عدم القدرة على الصيانة.

حال شرم الشيخ جعل العاملين بها ينتظرون ما تجود به عليهم شركات السياحة ووكلاؤها من أفواج معدودة وبأعداد قليلة، لكنها أفضل من لا شيء، فمطار شرم الشيخ الضخم لم يعد يعرف الزحام، كما كان، وإنما يعانى من الهدوء الشديد، الذى لا يرضى أحدا..

المطار نفسه شاهد على معاناة شرم والعاملين بها، فكل الإجراءات التأمينية، التى طلبها الروس والإنجليز وشركات السياحة من مصر طبقت بحذافيرها فى المطار، فالإجراءات وبشكل غير مسبوق لم تعد تستثنى أحدًا، بداية من رجال الشرطة أنفسهم، الذين لا يدخلون أماكن عملهم بالمطار إلا بعد الخضوع لإجراءات التفتيش النموذجية، مرورا بأطقم الطائرات وصولا إلى المسافرين، والذين لم يعد هناك فارق بينهم لا فى السن ولا الاسم ولا المنصب، فالكل يخضع لنفس الإجراءات، حتى الأطفال والرضع لم يعد من المقبول استثناؤهم من التفتيش أو المرور من البوابات الإلكترونية، وإنما يخضعون لنفس الإجراءات بما فيها التفتيش الذاتى، وخلع الأحذية الذى أصبح فرضًا على كل من يقترب من البوابات الإلكترونية، حتى أصبح التعليق الدائم بين أغلب الركاب المصريين على سبيل الفكاهة «اخلع نعليك فأنت أمام البوابة»..

ناهيك طبعًا عن مراجعة الحقائب مرة واثنتين وعدم الاكتفاء فى أحيان كثيرة بالتفتيش الإلكترونى لها، وإنما تفتيشها يدويًا أيضًا وعدم التهاون مع أى محظورات.

بالطبع لا تمر هذه الإجراءات التفتيشية المشددة بسهولة خاصة على المصريين، فالغالبية يقابلونها بحالة من التأفف والغضب والسخرية، وبعضهم يتعجب من هذا التشدد بدعوى أنه لا داعى لهذه الإجراءات، شاهدت بنفسى اعتراض كثير من المصريين وخضوعهم للإجراءات مجبرين وغير مقتنعين، وهو بصراحة أمر لم أجد له مبررًا، فالمفترض أن يساعد المصريون رجال الأمن على إثبات التزام مصر بالإجراءات المطلوبة لعودة السياحة وإعادة الحياة لملايين الأسر، لكن كالعادة غالبية المصريين لا يعجبهم الالتزام ولا يقبلون تطبيق القانون ولا يستجيبون بسهولة لتعليمات الأمن ولا يقتنعون بأهميتها، ودائما معترضون، وظهر هذا من عدد ليس قليلا أمامى فى مطار شرم الشيخ، وكأن ما حدث من كارثة الطائرة الروسية وما تبعه من مؤامرة على مصر كانت نتيجتها التراجع الرهيب فى معدلات السياحة، لم يكن بسبب تساهل أمنى، لكن المطمئن أن رجال المطار لا تؤثر عليهم هذه الاعتراضات ويتعاملون معها بابتسامات وإصرار على إتمام كل الإجراءات دون تنازل ومبررهم أنهم جميعًا مراقبون بالكاميرات وأى تخاذل سوف يعاقب من تسبب فيه..

الإجراءات الأمنية لا تقف عند أبواب المطار ولا على مداخل المدينة والطرق المؤدية إليها من خلال أكمنة الشرطة، وإنما داخل شرم الشيخ تشتد التأمينات وتنتشر الأكمنة، لكن الجميل أن السياح أو زوار المدينة سواء من المصريين أو الأجانب لا يشعرون بها، ولا يتعرضون لمضايقات أمنية.

فى الفنادق كل وسائل الإرضاء للسياح يتم توفيرها فحفلات «الشو» الليلية لا تتوقف وإن كان يسيطر عليها «الشو الروسى» وتسهيلات الحجز والإقامة المخفضة قدر الإمكان متاحة حسب الظروف، ولأن العمالة السياحية جربت الركود وكوارثه فهم لا يفرطون فى أى زائر دون تفرقة بين مصرى وأجنبى، طالما أنه يشغل غرفة بالفندق، فالجميع فى خدمة «الجيست»

بالتأكيد أغلب الفنادق والقرى اضطرت إلى تقليل عدد العمالة فلم تعد الظروف تتطلب الأعداد، التى كانت تعمل قبل الأزمة، وهو نفس ما حدث فى المحلات والمقاهى السياحية، فالمترددون قلة حتى من يجلسون على المقاهى فطلباتهم قليلة ولا تحتاج زحمة عمال، فمناطق كثيرة فى قلب شرم الشيخ كانت تزدحم بالسياح لدرجة أنك قد لا تجد فيها أماكن إلا بالحجز المسبق، أصبحت الآن تبحث عن الزبائن.

 

    أخبار الساعة