الجمعة 28 يونيو 2024

الدولار هل يستمر فى الانخفاض.. أم يعاود الصعود؟!

16-2-2017 | 11:15

بقلم –  عبدالقادر شهيب

بعد أن اقترب من مشارف العشرين جنيها، اتجه الدولار الأمريكى إلى الانخفاض فى السوق النقدية المصرية إلى ما دون السبعة عشر جنيها.. والسؤال الآن هل يستمر الدولار فى الانخفاض، كما يحدث منذ أسابيع قليلة، أم يتوقف عن هذا الانخفاض ويعاود الارتفاع مجددا؟.. وهذا السؤال مهم جدا لأنه يرتبط ارتباطا وثيقاً ليس فقط بكل شئون وشجون الاقتصاد المصرى، وإنما يرتبط أيضا بمستوى معيشة الأغلب الأعم من المصريين الذين تعثروا من انفلات سعر الدولار صعودا بعد قرار تعويم الجنيه فى بداية شهر نوفمبر من العام الماضى، حينما انفلت عيار التضخم وارتفعت الأسعار - كل الأسعار للسلع والخدمات - بمعدلات غير مسبوقة تجاوزت فى الشهر الماضى (يناير ٢٠١٧) نحو ٢٩٪، ويتوقع وزير المالية تجاوزها هذا المعدل حتى نهاية الربيع القادم قبل أن تبدأ فى الانخفاض!

وقد اختلفت الإجابة على هذا السؤال من الخبراء الاقتصاديين، رغم أنهم كلهم ساندوا وأيدوا الخطوة التى اتخذها البنك المركزى بتعويم الجنيه المصرى، بل ورأوا فيها خطوة تأخر اتخاذها، وكان يتعين القيام بها قبل ذلك بسنوات، وتحديدا بعد يناير ٢٠١١ !

فهناك من يرون أن هذا الانخفاض فى سعر الدولار الأمريكى تجاه الجنيه المصرى فى السوق النقدية المصرية هو انخفاض طارئ لن يستمر طويلا، وسرعان ما سيعود الدولار مجددا للارتفاع مرة أخرى، بل لعل ارتفاعه هذا الذى يتوقعونه سوف يكون أكبر من ارتفاعه السابق الذى شهدناه أو بالأصح عانينا منه بعد قرار تعويم الجنيه.. بينما هناك على الجانب الآخر من يرون أن الدولار الأمريكى بدأ رحلة الهبوط فى السوق النقدية المصرية بعد أن ارتفع على أثر تعويم الجنيه، وأن هذه الرحلة لن تتوقف، حتى ولو شهدت بعض التوقف أحيانا، أى ثبات مؤقت لسعر الدولار، وأن هذا الانخفاض لن يتوقف إلا بعد أن يصل إلى السعر الحقيقى له هو والجنيه فى السوق المصرية.

ويعلل الذين يتوقعون عودة الدولار إلى الارتفاع بأن أسباب الانخفاض الحالى الذى يتعرض له الدولار هى أسباب غير دائمة أو مؤقتة ولن تستمر طويلا من بينها السندات الدولارية التى طرحها البنك المركزى ولاقت قبولا دوليا، والاتفاق النقدى مع الصين والذى يقضى باستخدام العملات المحلية فى التعاملات التجارية والاقتصادية بين الصين ومصر، وانكماش الاستيراد من الخارج والذى أثمر عن انخفاض وارداتنا من الخارج بنحو سبعة مليارات دولار خلال عام.. غير أن هؤلاء يتجاهلون أن حصيلة السندات الدولارية والتى تبلغ نحو ستة مليارات دولار، أضيفت إلى الاحتياطيات فى النقد الأجنبى التى يحتفظ بها البنك المركزى، ولم تطرح فى السوق النقدية للتأثير فى سعر العملة المصرية، كما كان يحدث قبل تعويم الجنيه من خلال طرح البنك المركزى عطاءات دورية متتالية للبنوك والمصارف المصرية تستخدمها فى تلبية طلبات عملائها من النقد الأجنبى، كما أن الاتفاق النقدى مع الصين ليس طارئا بل سوف يستمر تنفيذه، فضلا عن أن الانخفاض فى الاستيراد ليس انخفاضا طارئا بل الأغلب سوف يستمر لفترة ليست بالقصيرة، نظرا لأنه لم يحدث نتيجة إجراءات إدارية يمكن مراجعتها أو العدول عنها، وإنما حدث نتيجة انخفاض الطلب على الكثير من السلع المستوردة من الخارج نتيجة لاضطرار القطاع الأوسع من المصريين لتخفيض استهلاكهم نظرا للضغوط التى يعانون منها من جراء انفلات التضخم وارتفاع الأسعار، فى ظل محدودية الزيادة فى المرتبات والأجور والدخول.

وهذا ما يراهن عليه من يعولون على استمرار ذلك الانخفاض الحادث الآن فى سعر الدولار، فضلا عن أسباب أخرى تتمثل فى توقعاتهم الخاصة بزيادة مواردنا من النقد الأجنبى، خاصة من السياحة الأجنبية، ومن الاستثمارات الأجنبية أيضا، وكذلك تحويلات العاملين بالخارج، التى بدأت تسجل زيادة قدرت رسميا بنحو ١٧٪ خلال الشهور الثلاثة الأخيرة بعد تعويم الجنيه.. فهؤلاء ومنذ وقت مبكر يرون أن ما يسمونه بالسعر العادل أو السعر الحقيقى للجنيه المصرى يتراوح ما بين ١١ - ١٣ جنيها فى ظل أوضاعنا الاقتصادية الراهنة، ولذلك يتوقعون أن يستمر الدولار فى الانخفاض الذى بدأه منذ أسابيع قليلة حتى يصل إلى هذا السعر ويستقر عندها لفترة طويلة من الوقت، حتى يحدث تغيير استراتيجى فى أوضاعنا الاقتصادية تزيد من مواردنا من النقد الأجنبى بمعدلات كبيرة.. ويذكرنا هؤلاء بأن كل الدول التى قامت بتعويم عملاتها تعرضت لما تعرضنا له فى البداية، وهو اتجاه سعر عملتها للانخفاض الكبير خلال المرحلة الأولى، ولكن فيما بعد عوضت عملاتها هذا الانخفاض وعادت للارتفاع حتى وصلت إلى قدر من الاستقرار مثلما هو حال روسيا الآن، رغم ما تتعرض له من إجراءات اقتصادية عقابية من أمريكا وأوربا، فضلا عن تراجع مواردها من النقد الأجنبى الناجم عن الانخفاض الكبير فى الأسعار العالمية للبترول.

على كل حال.. فإن استمرار الدولار فى الانخفاض الذى يعتريه الآن مرهون ببعض الشروط الأساسية.. مرهون باستمرار الزيادة فى مواردنا من النقد الأجنبى، ومرهون أيضا بانخفاض إنفاقنا من النقد الأجنبى.

وبالنسبة لزيادة مواردنا من النقد الأجنبى فإن هذا مرهون أولا بزيادة إنتاجنا، خاصة من تلك المنتجات التى تحل محل الواردات والتى تجعلنا نستغنى عن عدد من السلع المستوردة.. وثانيا بزيادة مواردنا من السياحة الأجنبية، وهو ما يقتضى ليس فقط استعادة السياحة الروسية والبريطانية والإيطالية التى كانت تشكل النسبة الأكبر والغالبة من السياحة الأجنبية لنا، وإنما تقتضى فتح أسواق سياحية جديدة واستثمار كل مقاصدنا السياحية (من ترفيهية وثقافية وعلاجية مع سياحة المؤتمرات)، وقبل ذلك كله تقتضى يقظة أمنية كبيرة لتوفير أكبر وأقصى حماية ممكنة للسائحين الأجانب الذين يزورون بلادنا، حتى لا يستغل عمل إرهابى فى تطفيش السائحين الأجانب أو يكون مبررا لحكومات أجنبية لتتخذ قرارات بمنع مواطنيها من زيارة بلادنا.. وثالثا لزيادة مواردنا من النقد الأجنبى نحتاج مع زيادة صادراتنا للخارج زيادة أيضا الاستثمارات الأجنبية المباشرة لبلادنا التى تقيم مشروعات واستثمارات تسهم فى زيادة الناتج القومى وترفع من معدل النمو الاقتصادى.. ورابعا نحتاج فى نشاطنا الاقتصادى التركيز على تلك الأنشطة التى تحقق لنا عائدا كبيرا وعاجلا من النقد الأجنبى، مثل أنشطة تكنولوجيا الاتصالات، خاصة أن لدينا بعض الخبرات الأولية فى هذا الصدد إذا تسلحنا بالجدية يمكننا الاستفادة بها والبناء عليها لمراكمة خبرات أكبر، وبالتالى زيادة مواردنا من النقد الأجنبى، بعيدا عن الأعمال التى لا تتجاوز النطاق الدعائى فقط!

أما بالنسبة لتخفيض إنفاقنا من النقد الأجنبى فإنه فى المدى القصير، والعاجل يقتضى اتخاذ إجراءات بتقليص بعض وارداتنا، خاصة من السلع غير الأساسية مثل الجمبرى والشكولاتة، والتفاح، والمستلزمات المنزلية وأدوات التجميل وغيرها.. وذلك يمكن أن يحدث إما بحجب التمويل لاستيرادها أو باتخاذ قرار بعدم استيرادها بعد الحصول على موافقة منظمة التجارة العالمية التى تبيح ذلك فى الظروف الطارئة، مثل تلك الظروف الاقتصادية التى نعيشها.. أما فى المدى البعيد فإن تخفيض إنفاقنا من النقد الأجنبى لن يتم إلا إذا نجحنا فى توفير سلع وخدمات أساسية للمستهلكين فى مصر بسواعدنا، أى بإنتاجنا، أو بزراعتها وصناعتها.. وإذا كنا نعول الكثير على تدبير كل احتياجاتنا من الغاز الطبيعى وتحقيق الاكتفاء الذاتى منه، بل وتصدير ما يفوق احتياجاتنا للخارج فى نهاية العام المقبل (٢٠١٨)، فإننا يمكننا أن نحاكى ذلك فى العديد من السلع الأساسية التى ترهقنا فواتير استيرادها من الخارج مثل القمح والزيت والسكر والأرز والدواجن وغيرها من السلع الأساسية التى نعتمد على الخارج فى توفيرها.

وهكذا.. بأيدينا نحن يمكن أن يستمر الدولار الأمريكى فى الانخفاض وأن يسترد الجنيه المصرى قيمته الضائعة وهيبته التى اهتزت .. بأيدينا أن نمد أرجلنا بما يسمح به طول لحافنا، وأن ننفق على قدر مواردنا، وأن نزيد هذه الموارد بإنتاجنا حتى نزيد إنفاقنا.