الخميس 16 مايو 2024

الناقدة العراقية نادية هناوي: تصور وجود قطيعة بين الأجيال الشعرية أوهام

غلاف الكتاب

ثقافة28-4-2023 | 23:00

محمد الحمامصي

الأجيال الشعرية موضوع من موضوعات التاريخ الأدبي بوصفه شكلاً من أشكال الكتابة التاريخية "الهستوغرافيا"، التي تجمع الحوليات والمذكرات والأخبار والتراجم ومنها التسجيل الوقائعي والتوثيق التفصيلي لتلك الوقائع سواء كانت يومية أو شخصية أو عرضية غير مباشرة، وليس ببعيد أن تكون موضوعة الأجيال الشعرية ذات صلة بالنظرية الأدبية، هذا ما يتناوله كتاب "الوهم والحقيقة في تجييل الشعر العراقي" للناقدة العراقية د.نادية هناوي، وصدر مؤخرًا عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر بأربعة فصول تطبيقية ونظرية مع مقدمة وتمهيد وخاتمة.

وركزت مقدمة هناوي في كتابها على تأكيد تفاوت المعايير المعتمدة في دراسة الأجيال والمفاهيم الموظفة في رصدها وكيف أن الايديولوجيا كانت هي اللاعب الخطير في توثيق تاريخ الشعر المعاصر.
 

وترى المؤلفة أن أهم مأخذ يوجه للتجييل العقدي هو أن يغدو الشاعر مؤرخا لشعر أقرانه مرة بإعلاء من يماثلهم الرؤية والولاء ومرة أخرى بالمبالغة في العداء والتنكيل والكيل بمكيالين تجاه من يخالفونهم الايديولوجية أو من لهم معهم مواقف شخصية سلبية أو عدائية.

وتذهب هناوي إلى أن خطورة هذا الفهم اللانقدي للجيل تجعل دلالته متضادة مع الدلالة الاصطلاحية إذ كيف يمكن لشعراء يجمعهم عقد واحد/ ستيني وليسوا ذوي مشتركات أدبية واحدة بل هم مختلفون في النشأة والمرجعيات أن نطلق عليهم "جيلاً ستينيا" وتكون هذه الجيلية مقياساً لفحص الأجيال الأدبية الأخرى؟!.

وتقول "على الرغم من عدم صلاحية التجييل العقدي مقياسا للفحص النقدي؛ فإن بعض شعراء (الستينيات) استمروا يقولون الشعر في العقود اللاحقة وظلوا في صدارة المشهد النقدي كما أن النقد العراقي اعتمد العقدية مقياسا في تصنيف ما أعتبره أجيالا شعرية، وظل (الجيل الستيني) هو الأكثر إفادة من هذا المقياس كعقد له الأولوية في التميز على عقود القرن العشرين كلها، واستمر هذا الحال في العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين بسبب القناعة النقدية بهذا التجييل للشعر العراقي".

وتطرح هناوي في كتابها سؤالا مركزيا هو كيف يمكن لشاعر أن يقيّم نتاجه بنفسه ويرسم خارطة لعشرات الشعراء من خلال تجربته الشخصية، ومن دون أدنى اعتبار للتفنن والتجريب وأساليب التطوير والتنويع؟!! وهو ما أجابت عنه فصول الكتاب ومباحثه متصدية لأوهام التجييل العقدي التي معها غدت التسمية اصطلاحا لا غبار عليه بل هو لا يثير اية إشكاليات أو تعقيدات.

وترى أنه "من تلك الأوهام تصور وجود قطيعة بين الاجيال الشعرية، وحددت المؤلفة طبيعة هذه القطيعة من خلال التمثيل بنماذج واسماء وكتب، مؤكدة أن من غير المنطقي ان ينهض جيل بلا سابق إنذار لوحده كالمارد بيد ان ذلك عمل عليه الشاعر المدافع عن التجييل بوصفه ذائدا عن حياض الشعراء (الشباب) وله اليد الطولى في إثبات حقهم بين الأجيال التي لا شأن لها يقارن بشأن شبابيتهم، وتتكرر مفردة الشباب عنده وكأنها وصفة سحرية لنهوض الموهبة أي أن من لم يشهد نهوضا للموهبة في شبابه فلا نهوض إبداعيا له في كهولة أو طفولة، وهو ما تراه المؤلفة تصورًا فكاهيًا غير صحيح لأن الإبداع ليس له عمر محدد ولو كان صحيحًا لما بدأ تولستوي تجربته الروائية في سن الخمسين ولما ظل أدونيس يقول الشعر وهو في التسعين ولما كتب السياب هذا المنجز الكبير وعمره لم يتجاوز الأربعين.

وتساءلت المؤلفة: أهؤلاء الشعراء المجيلين للعقدية يتعمدون هذه القطيعة؟ وإذا كان هو وأقر أنه ( الشباب) يشكلون (جيلا) عمره عشر سنوات فهل ظلوا شبابا من بعد انتهاء العقد يقولون الشعر أم صاروا كهولا أو شيوخا فتركوا الشعر لأن قطار العمر مر وأخذهم معه؟!".

وأجابت هناوي: "إن وبال هذه القطيعة وخيم، لا على الشعرية وحدها بل النقد الأدبي أيضًا، لبطلان فنية معيار الزمان العقدي ولأن الاستمرار في الخطأ ومحاولة مناكدة السابق والتميز على اللاحق أفضت إلى شيوع مقولة( الشعراء الشباب ) وفتحت منتديات ومهرجانات باسم الشعراء الشباب وهذا ما يتعارض مع قانون الإبداع الذي ليس له عمر أو سن محدد ولكن له آثار تتضح في النصوص وليس في قائليها .. وما شأننا بشاعر مخضرم أو مخمور أو صعلوك أو صريع أو مخبول لكن شأننا بشعره وجماليات شاعريته!)

ولا تنكر هناوي أهمية التأرخة الأدبية للأجيال لكن بشرط ألا تكون على أساس القطيعة مع الأجيال السابقة واللاحقة، وفي ستينيات القرن الماضي تجارب شعرية مهمة فردية لكنها كانت امتدادا للمرحلة التي سبقتها ومنها تجارب الشعراء الرواد وتجارب من جاء بعدهم، وبعض شعراء هذا الجيل استمر يجرِّب في القصيدة في العقود اللاحقة لكنه ظل أما منتسبا بفردية تميزه الإبداعي إلى سياقات التجييل أو كان خارج تلك السياقات أصلا.

وتؤكد أن هذا الاحتمال الأخير ينطبق على تجربة حسب الشيخ جعفر الشعرية نظرا لقوة موهبته ولهوسه الدائم بالتجريب التي انتهت به إلى كتابة نوع شعري طوعه عربيًا هو السونيت الشكسبيري فضلا عما جربه في كتابة المسرحية والسيناريو والسيرة الذاتية والرواية مضيفا بذلك إلى تجربته تميزا وفرادة، وبسبب هذا التميز وتلك الفرادة اختلف في تصنيفه جيليا لاسيما بعد رحيله، وهو ما حرك مياها راكدة حول إشكالية التجييل كما أعاد مقولة الجيل الستيني إلى الواجهة، فالكثير من المهتمين عدوا "حسبا" من هذا الجيل والقليل رأوا الأمر ليس كذلك كمدرسة شعرية ذات فرادة وخصوصية بما اصطنعه واشتغل عليه وتمرس فيه حتى انتسبت القصيدة إليه وعُرفت به، شأنه في ذلك شأن التجارب الشعرية العربية الفريدة.

وتخلص هناوي إلى أن من المهم والضروري أن يتحمل النقد العراقي المعاصر مسؤوليته النقدية فلا يتهاون في أمر تصحيح الفهم الخاطئ لمعنى التجييل عموما والتجييل الشعري تحديدا وأن يتعامل معه على وفق شرائط تبتعد عن الأهواء والأمزجة والأيديولوجيات والمصالح الشخصية مع التأكيد على أهمية التقارب والتواصل والتفاعل بين الأجيال الذي به تدوم عجلة الإبداع وتستمر بالتأصيل والتجريب معًا.