كتب : أحمد سعيد
وراء كل أغنية من أغنيات العبقري بليغ حمدي قصة وحكاية عجيبة تكشف عن مدي اصرار هذا الجيل من المبدعين علي أن يظهر العمل الفني للجمهور في أحسن صورة، ونلمس من خلال تلك الحكايات الجهد المبذول في العمل وأنهم من الممكن أن يقتنصوا فكرتها من جملة بسيطة لإنسان بسيط.
حب إيه
أغنية حب إيه لأم كلثوم لها قصة غريبة فقد كانت تربط بليغ صداقة قوية بعبدالوهاب محمد، مؤلف الأغنية، وتعرف بليغ علي محمد فوزي الذي أعجب بموهبته وكان فوزي من أصدقاء أم كلثوم ورتب سهرة فنية جمعت بليغ بأم كلثوم وعبدالوهاب محمد في منزل أحد الأطباء المشهورين وجلس بليغ علي الأرض كما هو معتاد عندما يلحن، وأمسك بالعود فنظر الحاضرون إلي بعضهم في استغراب «ىعني إيه الملحن اللي قاعد زي مقرئي القرآن ده» ونظر فوزي لأم كلثوم وهو يشير بما معناه سيبوه علي راحته، وغني وقتها بليغ أغنية «حب إيه» وهو ما دفع أم كلثوم أن تجلس معه علي الأرض إعجابا باللحن ومن يومها بدأ تعاونه مع أم كلثوم ويعتبر بليغ هو الوحيد الذي غفرت له أم كلثوم تأخره عن البروفة وفي أثناء بروفة «بعيد عنك حياتي عذاب» نزلت أم كلثوم من غرفتها فوجدت الفرقة ولم تجد بليغ وكانت مواعيد أم كلثوم مقدسة وبعد دقائق اتصل بها وقال «أنا جاي في السكة» لكنه سافر إلي بيروت وبعد عودته اتصل بها عدة مرات فلم ترد عليه ثم ردت عليه بصوت غاضب ممزوج بالحنان وقالت له أنا مسمحاك المرة دي علشان هاتكون آخر مرة تلحن لي ومن يومها التزم بليغ التزاما تاماً بمواعيد أم كلثوم.
لكن أكبر خلاف نشب بينهما في أغنية «بعيد عنك حياتي عذاب» عندما صمم بليغ أن تتلو أم كلثوم كلمات الأغنية قبل الدخول في اللحن ورفضت أم كلثوم قائلة:
إيه الجنان ده.
وازداد تصميم بليغ..وحاول مؤلف الأغنية مأمون الشناوي أن يقنعها بوجهة نظر بليغ وقال إنت عارفة إن بليغ عنده «حتة جنان» وإنت بتحبي فيه الجنان ده ليه ما تجربيش التجربة دي؟
استفتت أم كثلوم من تثق في رأيهم وظلت مترددة إلي أن وافقت علي طلب بليغ وسجلت كلمات الأغنية بصوتها.
فات الميعاد
وفي أغنية «فات الميعاد» لم يحضر بليغ حفلة أم كلثوم وترك لها مهمة ضبط آلات الموسيقيين بدلاً منه وذهب إلي منزل أحد أصدقائه وأمضي السهرة هناك بعد أن حرق الشريط الذي سجل عليه الأغنية بصوته وعلل ذلك بأن جهاز التسجيل الخاص به لم يكن يمسح الشريط كما أنه يجب أن يسمع أم كلثوم وحده كما أنه كان يبكي وهي تغني طالت ليالي الألم .. واتفرقوا الأحباب .. وكفاية بقي.. تعذيب وشقي.
عدي النهار
عندما بدأ بليغ في تلحين أغنية «عدي النهار» كلمات عبدالرحمن الأبنودي جلس عبدالحليم وبليغ والأبنودي في جلسة عمل وكان حليم متأثرا بالأغنية أشد تأثير لدرجة أنه كان يحلم بنفسه محمولا علي اكتاف الجماهير وهو مرتدي جلبابا أبيض ويغني الأغنية في ميدان التحرير وقد كانت كلمات الأغنية الأصلية كما كتبها الأبنودي...
يا هل تري الليل الحزين
أبو النجوم الدبلانين
يقدر ينسيها الصباح
أبو شمس بترش الحنين
وعندما قرأ بليغ الكلمات توقف أمامها واستعصت علي التلحين فترة.. فسأله الأبنودي:
فيه إيه يا بليغ؟
فأجابه : حاسس إن فيه حاجة ناقصة في الكلام عايزك تزود لي شطر بعد أبوالنجوم الدبلانين، فقال الأبنودي أزود شطر إزاي ياعم بليغ.. النص طلع مرة واحدة وخلاص
فقال له: لا .. لازم تزود الشطر
وانضم عبدالحليم إلي بليغ وقال:
فكر شوية يا أبنودي.. وشوف لها حل .. ريحه واكتب له الشطر اللي هو عايزه.
وجلسوا معا ثلاثة أيام بلياليها يفكرون في الشطر الذي يريده بليغ بلا فائدة، وفجأة قفز حليم صائحا أبو الغناوي المجروحين مش هو ده كلامك ياعبدالرحمن؟
تخونوه
وفي أغنية «تخونوه» أعطي مؤلفها إسماعيل الحبروك الكلمات لبليغ وبدأ بليغ في تلحينها ثم اتصل المؤلف بليلي مراد وقال لها عندي غنوة حلوة تنفع لك فطلبت أن تسمعها ولما سمعتها أعجبت بها وقررت أن تسجلها علي حسابها وتهديها للإذاعة، وبالفعل بدأت البروفات وقبل دخول بليغ معهد الموسيقي لعمل باقي البروفات فوجئ بصلاح عرام علي الباب ويقول له عبدالحليم كان هنا وبيقولك هو عند رمسيس نجيب وعايزك تروح له ضروري جدا وبيقولك ما تدخلش البروفة.
فقال بليغ: إيه؟!
فقال له عرام أنا بقولك الرسالة اللي سايبها لك حليم بالضبط.
فسأله طيب ماسبش تليفون
فقال له: آه .. التليفون اهو
وكلم بليغ عبدالحليم فقال له:
تعال لي حالا بس 10 دقائق وبعدين ارجع تاني!
وذهب إلى مكتب رمسيس نجيب فوجد إسماعيل الحبروك هناك وسمعوا منه كلمات الأغنية وسمع حليم اللحن وتعلق به جدا وأصر أن يأخذ الأغنية لكن بليغ رفض وقال اللحن ده لليلي مراد لا يمكن أزعلها أبدا لأني بحبها جدا وطول عمري باموت فيها فلا يمكنني أن أتصرف في لحن لها.
فاتصلوا بليلي مراد وألح عليها حليم أن تعطيه الأغنية فوافقت وكلمت بليغ وقالت له بليغ أعطي اللحن لحليم معلش وتعالي لي بكره أشوفك.
وعندما ذهب بليغ إلي ليلي مراد شعر بالخجل لكنها قالت له معلش اعمل شغلك وأمسك بليغ بالعود وعزف «تخونوه» وغنت ليلي مراد الجزء الأول من الأغنية بكل جمال وروعة.
حاول تفتكرني
وفي أغنية «حاول تفتكرني» والتي كان يجهزها حليم لشم النسيم بدأ محمد حمزة كلماتها وبدأ بليغ في التلحين وكتب حمزة أنا اللي طول عمري بصدق كلام الصبر في المواويل.. وانسابت الكلمات علي لسان حمزة لكن حليم كان يبحث عن نهاية كلها أمل لغنوته وكان يسأل نفسه لماذا كل هذا الحزن والحياة حلوة ومليئة بالأمل فكتب حليم.
ليه نسلم نفسنا لليأس ونقول اتظلمنا ليه نقول إن الفراق مكتوب علينا والحياة قدامنا
واقتنع حمزة وكتب نداء الأمل لكن بليغ كان فص ملح وداب وبحث عنه حليم لكنه لم يجده فأمسك حليم بعود بليغ وأكمل اللحن.
قولوا لعين الشمس
أغنية قولوا لعين الشمس ما تحماشى كتب كلماتها الشاعر مجدي نجيب الذي كان يعمل صحفيا في «الكواكب» وتوجه لبليغ بصحبة الصحفي عبدالنور خليل وكانت كلماتها تقول:
قولوا لعين الشمس ما تحماشى
أحسن غزال البر صابح ماشي
وفي خلال ربع ساعة لحنها بليغ
وتحولت إلي
قولوا لعين الشمس ماتحماشي
أحسن حبيب القلب صابح ماشي
وغنتها شادية بأروع ما يكون.
والنبي وحشتنا
ومن بين المعلومات التي كشفت عنها أوراق بليغ أن خادمته وهي سيدة عجوز هي صاحبة فكرة أغنية «والنبي وحشتنا» التي غنتها شادية فعندما عاد بليغ ذات مرة من رحلة طويلة إلي الخارج بادرته الخادمة بعفوية شديدة «والنبي وحشتنا واحنا من غيرك ولا حاجة» وبحسه الموسيقي التقط الجملة وأدرك أنها تصلح مطلعا لأغنية جميلة فكتب الجملة بسرعة علي ورقة أمامه واتصل بصديقه الشاعر محمد حمزة ليبني عليها الأغنية فكانت والنبي وحشتنا.. في غيابك عننا .. دا احنا من غيرك ولا حاجة وناقصنا كام مليون حاجة.