ناقشت الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني اليوم، قضية الزيادة السكانية، حيث أكد مقرر المحور المجتمعي بالحوار الوطني المهندس خالد عبد العزيز أن اللجنة ستكون حريصة على استيعاب كل وجهات النظر، دون تدخل لضمان الشمولية في تناول القضايا المختلفة، التي ستكون على أجندة المحور المجتمعي.
وحول خروج مقترحات وتوصيات سريعة من المحور المجتمعي، أشار عبد العزيز - خلال الجلسة - إلى أن قضايا الأسرة والزيادة السكاني كانت على رأس المقترحات التي استقبلها الحوار، مشيرا إلى أن الفن والدراما يلعبان دورا كبيرا في تقديم وشرح هذه المشاكل وأسبابها بشكل أوسع؛ فأصبح الرأي العام على دراية كاملة بأبعاد هذه المشاكل؛ مما سيكون له أثر كبير على سرعة الاستجابة لهذه التوصيات و الخروج بنتائج وتوصيات إيجابية.
وبهذه المناسبة، تستعرض "دار الهلال" التجارب العالمية الناجحة التي أدت لحل مشكلة الزيادة السكانية في بعض البلدان:
الصين
حققت التجربة الصينية نجاحات واضحة فى الحد من الزيادات الكبيرة وتخفيض معدل النمو السكاني، فالصين تُعد من أكبر دول العالم من حيث المساحة والسكان، و90% من السكان يعيشون على 16% من الأرض.
كما أن الزيادة السكانية في الصين أدت إلى حالة من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وزاد معدل الجريمة والفساد والبطالة، بالإضافة للتفاوت الطبقي، وتشير الإحصاءات إلى أن 100 مليون فلاح كانوا بدون عمل عام 1990، وتحول حوالى 7 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية لأراضي ملحية وقلوية والتصحر بسبب الضغط السكاني المتزايد على الأرض، وقُدرت الخسائر بمبلغ 20.6 بليون دولار، أي حوالي 7.3% من الناتج المحلى الإجمالى في الصين، والخسائر الصحية قدرت بـ9.3 بليون دولار في عقود السبعينيات والثمانينيات، وهناك الكثير من الآثار السلبية التي عانت منها الصين بسبب الانفجار السكاني.
وتبنت الحكومة الصينية سياسة صارمة للحد من الزيادة السكانية، فعملت على سياسة الطفل الواحد، للوصول للنمو السكانى صفر%، وقدمت الحكومة الصينية عدة حوافز ووسائل للعائلة لالتزامهم بمولود واحد، فقدمت زيادة الدخل وامتيازات مادية ومعنوية، وتوفير فرص عمل للمولود عندما يبلغ سن العمل، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم لمولود واحد مجانًا.
ونتيجة لهذه السياسات انخفض معدل النمو السكانى بشكل كبير ومستمر من عام 1970 فوصل من 2.3% إلى 1% عام 1994، و4.% عام 2009، وبرغم أن عدد السكان المقدر فى عام 2010 للصين بمليار و85 مليون نسمة، لكن بفعل هذا السياسات وصل معدل النمو السكاني للصين فى 2010 إلى مليار و40 مليون نسمة، ما خفف من الضغوط السكانية على اقتصاديات الصين.
ماليزيا
لم تختلف التجربة الماليزية كثيرا عن تجربة الصين، حيث عملت الحكومة على عدة محاور للتوعية بخطورة الزيادة السكانية، كان أهمها توجيه الإعلام وشن الحملات للتوعية أحيانا والترهيب أحيانا، كما وضعت قانون صارم وملزم للحد من النمو السكانى، ووفرت الرعاية الصحية للأم والطفل للوصول إلى صحة جنسية وإنجابية، كما قضت على الفقر والبطالة السببان الأكبر فى الزيادة السكانية باستخدام سياسة الدمج الاجتماعى
ففى الستينيات من القرن الماضى بلغ عدد سكان ماليزيا 8.16 مليون مما زاد تدريجيا إلى 10.91 مليون فى عام 1970، وفى عام 1980 ارتفع عدد السكان الماليزيين إلى 13.83 مليون، وبعد ذلك حدثت زيادة هائلة ووصل عدد السكان 20.21 مليون فى عام 1994، ووصل معدل السكان 28.86 مليون فى عام 2011، وبفضل السياسات الحكيمة للحكومة الماليزية فمن المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 40 مليونا بحلول عام 2042.
الهند
بلغ عدد سكان الهند مليارا و407 ملايين نسمة، فهى الدولة الثانية فى العالم من حيث عدد السكان، وأدى التضخم السكانى المتزايد إلى وجود فجوة بين الدخل القومى العام للهند ومعدل الزيادة السكانية.
وبرغم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى فى الهند، لكن فوائد وثمار ذلك النمو لا تتدفق لمعظم الهنود، والأغلبية يكافحون لتأمين الاحتياجات اليومية الأساسية، حيث يعيش ما يقرب من 60% من الهنود تحت خط الفقر، والذى يُقدر بمبلغ 3.2 دولارًا فى اليوم، وذلك ما أكدته الباحثة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سهير الشربينى، فى بحثها عن "الاقتصاد والسكان...".
كما أن أكثر من 30% من الهنود تتراوح أعمارهم بين 15 و35، وأدت الزيادة السكانية فى الهند إلى أن الهنود لا يجدون فرص عمل مناسبة لهم، نتيجة لضعف برامج التعليم والتدريب، وأدى ذلك بدوره إلى أن عشرات الملايين من الشباب أصبحوا عمالة غير ماهرة، وهو ما اضطر العديد من الهنود للسفر والعمل بالخارج فى وظائف متدنية، والقبول بمرتبات قليلة بحثًا عن لقمة العيش.
ولكن فشلت الهند فى خلق موائمة لاستغلال النمو السكانى المتزايد وأيضا النمو الاقتصادى للدولة، ما أجبر الدولة على اللجوء إلى عمليات غير أخلاقية لتحديد النسل، فقامت بتعقيم السيدات، ما يحرمهن من حق الإنجاب، ونشأت عن هذه السياسة مشكلات اجتماعية كبيرة، برغم أن الحكومة احتالت بمنح السيدات الموافقات على التعقيم تعويضات مادية كبيرة، بالإضافة إلى مكافآت مثل الأجهزة الكهربائية أو سيارات لتشجيع الأسر على قبول هذه العمليات.
سنغافورة
وجدت سنغافورة نفسها بعد خروجها من الاتحاد الماليزي، غارقة في مشكلات اجتماعية واقتصادية كثيرة، علاوة على البطالة وتدني مستوى التعليم والإسكان غير اللائق، وانعدام الموارد الطبيعية وصغر المساحة، فعمدت إلى تطبيق برنامج وطنى لتغيير سلوك الشعب ومن ضمنه قوانين تحديد النسل.
وخلال الستينيات من القرن الماضي ، طبقت حكومة فيتنام سياسة للنمو السكاني ، شددت على ضرورة أن تحد الأسر الفيتنامية من أسرتها التي تضم طفلاً أو طفلين فقط.و يتم إدارة برامج تحديد النسل في فيتنام تحت إشراف المكتب العام للسكان وتنظيم الأسرة.
وفى عام 2008 شددت من عقوبات التهاون فى تنظيم الأسرة بحرمان موظفي الحكومة الذي ينجبون طفلاً ثالثاً من زيادة الراتب والترقيات·
إندونيسيا
يبلغ عدد سكان إندونيسيا حاليًا ما يقرب من 280 مليون نسمة، وهى أكبر بلد إسلامى من حيث عدد السكان، وبرغم أن الاقتصاد الإندونيسى يحتل المكانة الأولى كأكبر اقتصاد فى جنوب شرق آسيا، والرابع آسيويا بعد كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ويحتل المركز السادس عشر على مستوى العالم.
لكن الزيادة السكانية تمثل تحديا للحكومات الإندونيسية أمام محاولاتها للحفاظ على وحدة إندونيسيا، والتأكيد على قومية المشكلة السكانية، وعلى ضرورة اعتبارها من المشكلات الحاكمة التى لا يمكن قصر مسئولياتها على قطاع أو وزارة بعينها، بل تقع المسئولية على كافة الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية وغير الحكومية، من خلال الحد من الزيادة الطبيعية للسكان، وتفعيل إقبال السكان على استعمال وسائل تنظيم الأسرة، والقضاء بشكل مستمر على الشائعات التى تؤثر على انتشار هذه الوسائل.
وبالرغم من وجود خلل فى توزيع السكان فى إندونيسيا، لكن ارتفاع عدد السكان لم يشكل عائقًا أمام عملية التنمية الاقتصادية، بل استفادت الحكومات المتعاقبة من عدد السكان الكبير فى خلق سوق محلية ضخمة؛ لزيادة دوران حركة رأس المال، وحماية المنتجات الإندونيسية من تبعات الأزمة الاقتصادية، حيث استفادت إندونيسيا من الكثافة السكانية كقوة بشرية فاعلة فى نموها الاقتصادى.