الخميس 23 مايو 2024

بيـزنس كوميديا السذاجة يجتـــاح السينما «الكنز» و»الخلية» ينقذان موسم العيد

16-9-2017 | 18:05

بقلم – سامح فتحى

عكست موجة أفلام عيد الأضحى حال السينما المصرية التى صار الجيد فيها أقل القليل النادر، والرديء هو المسيطر المهيمن، فلم ينجو من رداءة هذه الموجة سوى عملين اثنين، وصلا إلى حد الجودة وإن لم يصلا إلى حد التميز، وهما فيلما «الكنز» تأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج شريف عرفة، وبطولة محمد رمضان، ومحمد سعد، ومحيى إسماعيل، وهند صبري، وروبى، وأحمد رزق، وأمينة خليل، وسوسن بدر، وعباس أبوالحسن، وعبد العزيز مخيون، وفيلم «الخلية» بطولة أحمد عز، والممثل السورى سامر المصري، ومحمد ممدوح، وعائشة بن أحمد، وأمينة خليل، وتأليف صلاح الجهيني، وإخراج طارق العريان، وعكس شباك التذاكر فى فترة العيد ولمدة خمسة أيام استقبال الجمهور لهذه الموجة، وتقييمه لأفلامها، وكان فيلم «الخلية» فى الصدارة، فحقق فى خمسة أيام فقط نحو اثنين وعشرين مليونا.

 

وجاء فيلم «الكنز» فى المركز الثانى محققا نحو اثنى عشر مليون جنيه، ثم جاء فيلم «خير وبركة» لثنائى نجوم مسرح مصر على ربيع ومحمد عبدالرحمن فى المركز الثالث، محققا إجمالى إيرادات بلغ نحو خمسة ملايين جنيه، وجاء فى المركز الرابع فيلم «أمان يا صاحبي» من بطولة سعد الصغير، ومحمود الليثى، ونرمين ماهر، من تأليف سيد السبكى، وإخراج هانى حمدي، ووصل إجمالى ما حققه الفيلم نحو ثلاثة ملايين جنيه، وجاء فيلم «شنطة حمزة» من بطولة حمادة هلال ويسرا اللوزي، وبيومى فؤاد، وتأليف أحمد عبدالله، وإخراج أكرم فاروق، فى المركز الخامس بإجمالى إيرادات بلغ حوالى مليونى جنيه، فيما حقق المركز السادس فيلم «بث مباشر» بطولة سامح حسين، ومحسن منصور، ومحسن محيى الدين، تأليف طارق رمضان، وإخراج مرقس عادل، بما يقارب من مليون جنيه، وجاء فيلم «هروب مفاجئ» من بطولة أشرف مصيلحي، ونرمين ماهر، وشيماء سيف، وساندي، وعايدة رياض، ومن تأليف سامح فرج، وإخراج إبرام نشأت فى المركز الأخير بما يقارب من ثلاثمائة ألف جنيه، ومن الواضح أن أفلام النجم محمد رمضان أصبحت تتراجع فى شباك التذاكر تراجعا ملحوظا، فلم تحقق هذه الأفلام الصدارة فى عيد الفطر السابق، كما أن فيلمه «الكنز» لم يحقق الصدارة فى عيد الأضحى وتراجع لصالح فيلم «الخلية».

كما أننا نلاحظ زيادة جرعة الكوميديا فى موجة الأفلام، لكنها فى الغالب كوميديا بسيطة أميل للسذاجة ولا تشبع نهم المشاهد، الذى صار يحتاج لجرعة مكثفة من الكوميديا اللاذعة حتى يضحك ويتفاعل مع العمل، وضمن الكوميديا البسيطة جاء فيلم «خير وبركة» الذى تدور أحداثه حول شقيقين يحاولان البحث عن فرصة عمل، وخلال رحلة البحث يواجهان العديد من المواقف الكوميدية عندما يعملان فى مهن لا يعرفان عنها شيئًا، وفيلم «أمان يا صاحبي»، الذى يدور حول مطربين شعبيين يحاولان الخروج من حالة الفقر لحالة الثراء بالزواج من فتاتين ثريتين، لكنهما يقعان فى مشكلات متنوعة ، وفيلم «شنطة حمزة» الذى تنصب أحداثه حول نصاب محترف يحب فتاة كانت تعمل مع إحدى العصابات، وفيلم «دعدوش» للمخرج عبدالعزيز حشاد، وﺗﺄﻟﻴﻒ ساهر الأسيوطي، ومن بطولة هشام إسماعيل، وميرهان حسين، ومدحت تيخا، وتدور أحداثه فى إطار كوميدى حول ما يحدث داخل معسكر إرهابي، منذ الإيقاع بالشباب وإقناعهم بالانضمام للجماعة، والقيام بالعمليات الإرهابية، وفيلم «بث مباشر» الذى تدور أحداثه حول الضابط الموقوف عن العمل، الذى يجد نفسه يتورط فى حوادث مختلفة يتم بثها عبر السوشيال ميديا والقنوات المختلفة، وتنجح فى تحقيق نسبة مشاهدة عالية جدا.

بينما نجد أفلاما أخرى قليلة فى إطار درامى اجتماعى مثل «هروب مفاجئ»، الذى تدور أحداثه حول طيار يتقاعد، بسبب قضايا اختلاس متورط فيها والده، ويبدأ ذلك الطيار رحلة بحث عن حبيبته التى يعتقد أنه تم اختطافها، وفيلم «الخلية» الذى سنتناوله بشيء من التفصيل، أو إطار فنتازيا اجتماعية وتاريخية كما فى فيلم «الكنز» الذى سنتناوله كذلك، وعندما نتعرض لفيلم «الكنز» أجدنى أذكر جملة تأتى فى كثير من الإعلانات وهى « ليه تدفع تذكرة فى فيلم واحد لما من الممكن أن تدفع تذكرة فى ثلاثة أفلام»، فعندما تشاهد فيلم الكنز فأنت فى الحقيقة تشاهد ثلاثة أفلام وليس فيلما واحدا، وإن اجتهد السيناريو فى ربط الأفلام الثلاثة بفكرة الكنز التى لم تظهر واضحة فى الجزء الأول من الفيلم، على اعتبار أن للفيلم جزءا ثانيا سيكمِّل ذلك الجزء الأول.

وقبل أن نتعمق فى الفيلم نتوقف بداية عند عدم اكتمال الفيلم فى جزئه الأول على اعتبار أن له جزءا ثانيا، فقد حرص المخرج لظروف توسعه مع السيناريست بطريقة غير طبيعية، وليست صحيحة، فى اقتحام التفاصيل الخاصة بكل قصة من القصص الثلاث التى تناولها الفيلم؛ مما جعل مدة الفيلم تطول بشكل مبالغ فيه، حيث بلغ زمن الجزء الأول ثلاث ساعات، والله وحده يعلم كم سيكون زمن الجزء الثاني، فكانت التفاصيل الدقيقة لكل قصة هى السبب فى ذلك التطويل، كما كانت السبب فى أن المخرج لم يستطع أن يعالج كل القضايا العالقة بالقصص الثلاث، ويترك نهايتها مفتوحة للجزء الثاني، أو يجد المشاهد نفسه لا يعرف بعضا من الحوادث أو أسباب ما يحدث أحيانا أمامه، وليعرف ذلك عليه الانتظار للجزء الثاني، فعلى سبيل المثال وجد مشاهد «الكنز» نفسه لا يعرف هل «حسن» هو ابن بشر من زوجته الأولى الأربعينية، أم ابن زوجة أخرى، ليست «نعمات» بالطبع لأنه يتحدث عنها بصفة «الست نعمات» وليس باعتبارها أمه، أم هو طفل تبناه بشر من أحد الملاجئ ورباه وأعطاه اسمه؟، كما لا يعرف المشاهد سبب محاولة عم حسن تهريبه للخارج خوفا عليه، وتنفيذا لوصية والده بأن يدرس علم المصريات، فما هو سبب هذا الخوف؟ ونجد أن السيارة التى كانت تقل الطفل بصحبة أحد الخواجات تتعرض لإطلاق نار، فيفتح الخواجة الباب للطفل الذى يفر، وتنفجر السيارة بالخواجة، فهل مات الخواجة؟ وكيف وصل الطفل لأوربا؟.

وهذا الأمر لا يحدث سوى فى المسلسلات التى تتوقف كل حلقة فيها عند حافة تثير فضول المشاهد للحلقة التالية، ولا تكتمل الدراما والنهاية سوى مع الحلقة الأخيرة، فهذا من أصول فن الدراما التليفزيونية والإذاعية المبثوثة فى مسلسلات، لكن أبدا لم نرَه فى الأفلام لطبيعة التغاير بين الفيلم والمسلسل فى زمن العرض وطبيعة المعالجة، لكن يبدو أن المخرج شريف عرفة أراد أن يلغى - من خلال هذا الفيلم- الحدود الفاصلة بين المسلسل والفيلم، فأخرج «الكنز» على أنه مسلسل قدم منه الحلقة الأولى وينتظر الجمهور الحلقة الثانية، وهذا أمر مستغرب وغير فنى أو صحيح، وذلك لأن مشاهد الفيلم يريد أن يخرج منه بجرعة تامة نفسيا واجتماعيا، وقد لا يستطيع أن يرى الحلقة الثانية للفيلم، فهو مشاهد من نوعية خاصة قد تختلف أحيانا مع مشاهد المسلسل الذى يمتلك الصبر والفضول لمتابعة حلقات المسلسل، أما مشاهد الفيلم فإنه يذهب لدار العرض وفى ذهنه الجرعة التى سيأخذها سواء كوميدية أو تراجيدية أو مزيجا من الدراما، إلخ...، فإن يرى حلقة وتعده بالتالية ليستكمل الدراما والنهاية فهذا ليس فى حسبانه مطلقا.

وفى الأفلام السينمائية التى يكون لها أجزاء نجد أن كل جزء من هذه الأجزاء مكتمل تماما، ومن الممكن أن يكتفى به المشاهد دون بقية الأجزاء، وهذا من قواعد الفيلم السينمائي، وحتى فى الأفلام المصرية التى عالجت ثلاث قصص مثل فيلم «ثلاث قصص» ١٩٦٨ ، وفيلم «البنات والصيف» ١٩٦٠، وفيلم «٣ لصوص» ١٩٦٦، فإن الفيلم كان يعالج ثلاث قصص بطريقة تامة، فكل قصة تمثل فيلما وحدها، وأحيانا يخرجها مخرج مختلف بحيث نجد فى الفيلم ثلاثة مخرجين مختلفين، وبعد أن نشاهد الفيلم نخرج بالجرعة الفنية المناسبة، لكن أن نشاهد فيلما مثل «الكنز» وينتهى دون أن نعرف النهايات الفنية، أو الحوادث الدرامية المختلفة، أو نصل إلى لحظة التنوير الدرامى بحجة أن للفيلم جزءا ثانيا، فهذا أمر غريب.

وتدور أحداث الفيلم عام ١٩٧٥ إذ يعود حسن (أحمد حاتم)، الذى درس المصريات فى الخارج إثر استدعاء من عمه الذى يرقد فى فراش الموت، وبالفعل يموت العم، ويقرر حسن بيع قصر العائلة والعودة من حيث أتى، ويطلب ذلك من محامى العائلة (أحمد رزق)، والذى كان مساعدا لوالده فيوافق رزق على البيع، لكنه يطلب من حسن الانتظار ريثما تتم الإجراءات المختلفة، ويكشف أحد خدم القصر واسمه قادم (محمد السنى) لحسن سرًّا تركه له والده الراحل بشر باشا (محمد سعد) قائد البوليس السياسى فى مرحلة ما قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، ليجد فيديو مسجَلا من والده يخبره عن كنز يخبئه له، ولكى يصل إليه عليه متابعة الفيديو وعدد من البرديات وكتب التاريخ، فيبدأ فى قراءة البرديات، وهنا يدلف المشاهد إلى العصر الفرعونى قبل تولى حتشبسوت (هند صبري) للمُلك، والصراعات التى حدثت بينها وبين رئيس الكهنة (محيى إسماعيل) الذى خشى من توليها الملك؛ لأنها درست على يد معلمها (عبدالعزيز مخيون)، وفهمت منه خداع الكهنة، وإن تولت فسيختفى دور الكهنة؛ لذا اقترح رئيس الكهنة أن تتزوج حتشبسوت من أخيها تحتمس الثانى الذى لم تكن أمه من سلالة الملوك، فوافقت وتزوجته رغم حبها للمهندس المصرى من العامة سننموت (هانى عادل)، وظلت مؤامرات رئيس الكهنة ضدها، كما يقرأ حسن فى بعض الصحف التاريخية القديمة التى تركها والده، فيتعرف على قصة على الزيبق (محمد رمضان) الذى كان يعيش مع والده حسن رأس الغول، ووالدته فاطمة (سوسن بدر) فى دمشق زمن العثمانيين، وحسن وفاطمة مصريان، وقد ذهب حسن وهو فى رتبة عسكرية لحماية دمشق، لكن صلاح الكلبى (عباس أبو الحسن) وهو فى رتبة عسكرية أكبر دبر قتله، وقبل أن يموت حسن مباشرة أوصى فاطمة بالعودة للأقصر لتعيش فى بيت حدده لها، وتربى على الزيبق على يد زملاء والده ليكون قويا ويأخذ بثأر أبيه، فواجه السلطة ووجه صلاح الكلبي، ووقع فى حب ابنته زينب (روبي)، كما يحكى بشير لابنه حسن عن قصته هو – أى بشير – الذى كان ضابطا كبيرا فى البوليس السياسى وقت الملك فاروق، وكان شقيقه (هيثم زكى) يؤرقه لأن هذا الشقيق مدمن مخدرات، فكان بشر يلقى القبض عليه، ويخاف من استغلال خصومه لهذا الأمر، وأحب بشر مطربة فى تياترو تدعى نعمات (أمينة خليل)، وكاد يتزوجها لولا خوفه على منصبه.

وقد حاول كل ممثل أن يؤدى ما هو مطلوب منه، ونجد أن البعض قد أجاد فى ذلك تماما، يأتى على رأس هؤلاء رئيس الكهنة محيى إسماعيل الذى أدى دوره بفهم عميق للشخصية، فكأنه كاهن قد خرج لتوه من المعبد، ولم يكن باقى الكهنة على وعى بدورهم، فكانوا نقطة ضعف لمحيى إسماعيل نفسه، حيث بدا أداؤه غير منسجم مع أدائهم رغم أنه هو الذى يعطى الشخصية كل حياتها، وهم الذين يميتون شخصيات الكهنة بأدائهم الضعيف، واستطاع محمد سعد أن يؤدى دوره بصورة جديدة عليه، وإن شابها أحيانا روح الحناوى فى فيلم «كركر»، لكن هذه بداية جيدة له ليثبت قدرته التمثيلية التى تمكنه من الخروج من عباءة اللمبي؛ لأداء نوعية أخرى مميزة من الشخصيات، وتمكن عباس أبوالحسن من أداء دور صلاح الكلبى بفنية وحرفية عالية، ونظرات تعكس ما يعتمل فى صدر الشخصية من حقد وغلبة للشر وخيانة للوطن، وتمكن محمد رمضان من أداء دور حسن رأس الغول ببراعة وفهم عالٍ، مما يدل على تمكنه من تنوع أدواره، لكنّ أداءه لشخصية على الزيبق لم يكن على المستوى المطلوب، وبدا مقلدا لشخصية زورو الأجنبية، وبهتت عليه أحيانا شخصياته الشعبية التى تميزها البلطجة، ولم يستطِع أن يؤدى دور المحب لزينب كما ينبغي، كما بدا التصنع فى تنكره فى ثياب الدرويش، وأجاد هيثم أحمد زكى فى دور مصطفى الكتاتنى بكثير من تعبيرات الوجه عن الدهشة وعن الحب والعطف، وتتبع مراحل الشخصية العمرية بفهم ووعي، كما أدى عبد العزيز مخيون أدوار الحكيم اني، والشيخ على الله «اللطيف»، والشيخ السجين فى فترة الأربعينيات بكل اقتدار، وإن كان الأداء متشابها مع الشخصيات الثلاث، وكانت أمينة خليل نجمة مجيدة فى دور المغنية نعمات، ولم يستطِع هانى عادل أن يؤدى دور «سننموت» الذى تميز بالرومانسية والحب العذرى للملكة، حيث طبيعة تكوينه ونظرات عينيه أقرب إلى مصارع أو محارب قديم، ولا تتوافق مع الرومانسية بحال من الأحوال، وأدى باقى الممثلين ما هو مطلوب من الدور دون تميز، مثل سوسن بدر فى دور فاطمة الفيومية والدة الزيبق، ولبنى محمود فى دور أم بشر باشا، ومحمد السنى فى دور «قادم» خادم منزل بشر باشا، و»روبي» فى دور زينب ابنة الكلبى وحبيبة الزيبق.

وتمكن أنسى أبو سيف من تقديم ديكور مناسب مع القصص أو الحكايات الثلاث، وإن لم يكن فى قمة الروعة، خاصة عندما أظهر القاهرة أيام العثمانيين بصورة وكأنها الآن، فقد ظهرت الحوائط مهدمة وهذا لم يكن وقتها بل كانت فى أبهى رونقها، كما كان المعبد الفرعونى بسيطا غير ملائم لفخامة المعابد وقتها، ولكن يظل الديكور معبرا جيدا عن روح العصور المختلفة التى مثلها الفيلم، وكان الماكياج غير ملائم فى أحيان كثيرة، فلم يكن موفقا مع بقاء صورة صلاح الكلبى وفاطمة الفيومية على ما هى عليه فى مرحلة طفولة على الزيبق ومرحلة شبابه، وكأنهم لم يكبرا فى السن مثله، وسننموت وحتشبسوت والكاهن الأكبر والحكيم انّى أيضا لم يكبروا رغم بداية الحكاية وحتشبسوت فى التاسعة عشرة من عمرها، وانتهائها بموت تحتمس الثالث وهى فى الرابعة والثلاثين، وكانت موسيقى هشام نزيه أكثر من رائعة فى العمل، حيث لاءمت الأزمنة المختلفة وبعثت البهجة والسرور وقت الفرح والشجن والحزن وقت الألم من خلال الاعتماد على الوتريات، وصوت الراوي، والغناء الكلاسيكى.

وعلى طريقة الأفلام الأمريكية التى يقدرها العريان قدم لنا فيلم «الخلية»، الذى يحمل فكرة بسيطة لكنها جاذبة لقطاع عريض من الناس، وهى فكرة المواجهة بين الأمن والإرهابيين، فتلك الفكرة تحمل عنصر النجاح فى طياتها؛ لأن المشاهد الذى تحوطه يوميا أخبار الإرهابيين وقتلهم للأبرياء، ومواجهتهم الإجرامية مع رجال الأمن، يريد أن يقترب من عالم هؤلاء الإرهابيين والتعرف عليهم عن قرب، ومعايشتهم لعله يفهم أسباب اندفاعهم نحو الإرهاب وإزهاق الأرواح دون أى شعور بالندم أو الألم، والأدهى أنهم يتمسحون فى الدين لتبرير أفعالهم تلك، فالمشاهد عندما يرى فيلما يقترب من هذا العالم يود من باب الفضول مشاهدته، وهو ما يفسر أن فيلم «الخلية» رغم بساطته حقق أرباحا أعلى بكثير من فيلم «الكنز» الذى يحوى أبطالا عديدين محبوبين من الجماهير، وإنتاجا ضخما، ففيلم «الخلية» بداية هو فيلم واحد وقصة واحدة بسيطة يفهمها المشاهد، ويستمتع بها، وليس مثل «الكنز» الذى يحوى ثلاث قصص متشابكة قد تربك المشاهد وتجعله أحيانا ينفصل عن جو العمل، كما أن فيلم «الخلية» يسير فى إطار درامى واضح من البداية ثم المشكلة حتى النهاية السعيدة، التى تعطى الجرعة الفنية للمشاهد مكتملة» بينما فيلم «الكنز» يسير من البداية وحتى المشكلة لكنه لا يعالجها ولا يعطى للمشاهد ما يريده من تفسيرات» ويتركه حائرا على أمل مشاهدة الجزء الثانى من العمل؛ مما يجعل المشاهد ينصرف عن «الكنز» إلى «الخلية».

وقد تمكن المؤلف صلاح الجهينى من خلق عالم خاص بضابط البوليس يقرِّبه من المشاهد، ويظهره فى صورته الإنسانية التى يفتقدها فى أعمال كثيرة، يظهر فيها الضابط بجانبه الأمنى والمهنى فقط، لكن فى الفيلم ظهر الضابط بكل دقائق نفسه، وما يعتمل داخله من مشاعر، وكان أقرب للمشاهد، خاصة الضابط سيف (أحمد عز) الذى يرفض الزواج بعد تجربة فاشلة، ويعيش حياته الشخصية مع كلبه الضخم، ويتميز بخفة دمه ومداعباته لرفاقه، وحبه الشديد لصديقه الضابط عمرو (أحمد صفوت) المتزوج وله طفل يحبه سيف بشدة، كما يمثل لأسرة عمرو الصديق الوفى المقرب سواء من الزوجة أو صديقتها التى تحب سيف، لكنها لا تتحمل دعاباته وسخريته الدائمة منها، وكان الضابط الخاص بجمع المعلومات صابر (محمد ممدوح) متألقا فى أداء دوره الأمنى والاجتماعي، لكن يعيبه وزنه الزائد بشدة، والذى لا يليق مع ضابط مخابرات سريع الحركة، وقد أثر هذا الوزن على مخارج حروفه فكان أحيانا يخرج كلمات غير واضحة المعالم بسبب وزنه الزائد، ولا أعرف لماذا تم اختياره لأداء هذا الدور غير الملائم لوزنه الثقيل؟.

وفى الوقت الذى نجح فيه المؤلف من خلق عالم الضابط نجح كذلك فى خلق العالم المضاد وهو عالم الإرهابيين، فتمكن من إطلاع المشاهد على ما يدور فى أنفسهم وعقولهم من أفكار مغلوطة، أو تمثيل متقن للدين، وهم يستفيدون ماديا ومعنويا من ذلك، وكان اختيار الممثل السورى (سامر المصرى) لأداء دور الإرهابى مروان أثره الكبير على نجاح العمل، فقد أتقن سامر الدور بصورة غير مسبوقة لدور الإرهابى فى السينما المصرية، وجعل المشاهد ينتظر بفروغ الصبر الانتقام منه؛ لأن سامر نجح فى أن يجعل المشاهد يكرهه بشدة، وقد أجاد كشف شخصية الإرهابى من الداخل وما يكتنفها من غموض أحيانا، وعاب أداء أحمد عز الزيادة غير الطبيعية فى استخفاف الدم والدعابات الكثيرة، ولو قلل من ذلك لنجح نجاحا ساحقا.

وقد عاب السيناريو أن القصة بسيطة لم تتطرق إلى مفاجآت درامية تجذب المشاهد، الذى يعلم بداية الخطوات التالية للأبطال، وطبيعة سير الدراما، فهو يعلم علم اليقين أنه بعد موت عمرو سيستطيع صديقه سيف الانتقام من القاتل، وأن القاتل مهما فعل من حيل وألاعيب فسيستطيع سيف فى النهاية الانتصار عليه، حيث دائما ما ينتصر الخير على الشر فى النهاية، كما عاب السيناريو أحيانا عدم الاهتمام بمنطقية الأمور، فقد عبر سيف عن حزنه الشديد لمقتل عمرو، كما حزنت أسرته بشدة، لكن كل ذلك تلاشى سريعا وعاد سيف كما هو يضحك ويسخر، والزوجة سعيدة جدا فى حياتها الجديدة بعد موت زوجها، ولم يكن هناك مبرر درامى لأن يبقى الإرهابى على سيف وهم على شريط المترو، فكان الأوقع أن يقتله ويضع القنبلة ويمضي، لكن هذا لا يتوافق مع انتصار الخير فى النهاية والثأر، كما كان من الأوفق أن يفجر الإرهابى القنبلة مباشرة وهى مع سيف وحوله آلاف الناس ليحدث ما يريد من انتقام، لكنه طبعا لم يفعل للسبب السابق.

كما عاب الفيلم كثرة لجوء المخرج إلى مشاهد السينما الأمريكية ونقلها حرفيا فى فيلمه، فمشهد ممارسة الضابط سيف لرياضة «الكيك بوكس» هو مشهد أمريكى من الدرجة الأولى، كما أن مشهد المطاردات بالسيارات وتحطم سيارة البطل تماما هو كذلك مشهد أمريكي، كما أن استخدام البطل للعنف مع أحد أفراد تجارة المخدرات ليعترف دون أن يستمع لنصيحة صديقه مشهد ورد كثيرا فى الأفلام الأمريكية، ومشهد نجاة البطل فى اللحظات الأخيرة قبل انفجار القنبلة وعدم مقتله، وظهوره ممسكا بالقطار هو مشهد أمريكى بامتياز، وكان التصوير لمازن المتجول جيدا لحد كبير، فاستطاع أن يختار الزوايا التى يبرز منها طبيعة المطاردات، ويجعل المشاهد يتفاعل مع الشخصيات.