الإثنين 13 مايو 2024

في ذكرى ميلاد «فرويد».. أبرز محطات وآراء مؤسس علم النفس الحديث

سيجموند فرويد

تحقيقات6-5-2023 | 18:47

نور الدين نادر

تحل اليوم 6 مايو ذكرى ميلاد سيجموند فرويد، أحد أبرز العقول التي تقوم عليها الكرة الأرضية، خاصة في مجال علم النفس، فهو طبيب نمساوي الذي أسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث وأحدث نقلة تاريخية في فهم سلوكيات الإنسان ومسببات الهيستريا، كما اختص بدراسة الطب العصبي، واشتهر بنظريات العقل واللاواعي.

ولد فرويد في 6 مايو 1856،  في أسرة أقل من متوسطة، تنتمي إلى الجالية اليهودية في بلدة بريبور (التابعة للإمبراطورية النمساوية آنذلك)، وكان والده تاجر صوف -شأنه شأن والد العالم الإيطالي جاليليو جاليلي- وفي عام 1857، خسر والد فرويد تجارته، وانتقلت العائلة إلى لايبزيغ قبل أن تستقر في فيينا.

مسار الدراسة التقليدي

وفي عام 1865، دخل فرويد مدرسة بارزة وهي مدرسة «كومونال ريل جيمنازيوم» الموجودة في حي اليهودي «ليوبولدشتات»، وكان فرويد تلميذًا متفوقًا وتخرج في ماتورا في عام 1873 مع مرتبة الشرف.

وخطط سيجموند لدراسة القانون، لكن بدلًا من ذلك انضم إلى كلية الطب في جامعة فيينا للدراسة تحت إشراف البروفسور «كارل كلاوس» الذي كان مولعًا بنظريات داروين، ما أثر عليه في منهجية البحث العلمي، ولم يكن فرويد تلميذًا متفوقًا بالمعنى التقليدي، ولم يشأ أن يصبح طبيبًا؛ إذ أنه ظل في كلية الطب (التي تستغرق 4 سنوات) لثمان سنوات كاملة، لكنه اتخذ من كلية الطب مسارًا للانغماس في الأبحاث العلمية.

تأثر فرويد بأستاذه «كلاوس» وكان يأمل أن يصبح عالمًا في التشريح، حتى أنه نشر عددًا من البحوث العلمية في هذا المجال وسرعان ما أدرك أن التقدم في مدارج العلم ومراتبه سيكون بطيئًا بحكم انتمائه العرقي وإدراكه، فضلًا عن حاجته إلى المال، فتخصص في الأعصاب.

أبرز محطات فرويد العلمية

قابل فرويد «جوزيف بروير» أبرز أطباء فيينا في ذلك التوقيت، وكان ناصحًا وصديقًا له، حتى أنه كان يقرضه المال، ثتأثر به وأعجب بطريقته الجديدة لعلاج الهستيريا، وهي طريقة «التفريغ»، والتي تعتمد على الإيحاء التنويمي في معالجة مرضاه لتذكر أحداث لم يستطيعوا تذكرها في اليقظة مع المشاعر والانفعالات الخاصة بالحدث، مما يساعد المرضى على الشفاء عن طريق التنفيس عن الكبت.

بداية من عام 1881 حصل فرويد على الدكتوراه، وعمل في معمل إرنست بروك، ثم عمل في مستشفى فيينا الرئيس، ونشر أبحاث عديدة في الأمراض العصبية، ثم عين محاضرًا في علم أمراض الجهاز العصبي، وتسلم فرويد منحة صغيرة أتاحت له أن يسافر إلى باريس ويدرس في جامعة «سالبتريير» مع طبيب نفسي فرنسي مشهور هو «جان مارتان شاركو»، الذي كان يستخدم التنويم المغناطيسي في علاجه للهستيريا.

زيارة باريس الفارقة

أثناء زيارة باريس تعلم ممن شاركوه أنه من الممكن علاج الهستيريا كاضطراب نفسي وليس كاضطراب عضوي، وكان فرويد يستخدم في ممارساته العلاج الكهربائي أي يوجه صدمة كهربائية مباشرة إلى العضو الذي يشكو منه المريض كالذراع المشلولة مثلًا، ومنذ ذلك التوقيت ولى فرويد أهميته بالجانب النفسي.

دراسات في الهستيريا

حجر الأساس الأول لنظرية التحليل النفسي

وبعدما عاد فرويد من باريس قابل الطبيب المعروف يوزيف بروير، صاحب الاكتشافات أساسية في الفيزيولوجيا العصبية، ثم قاما بنشر أبحاث عدة، من ضمنها: بحث مؤثرًا في العوامل النفسية للهستيريا، وفي عام 1895 نشر فرويد وزميله بروير كتاب «دراسات في الهستيريا» وكان نقطة تحول في تاريخ علاج الأمراض العقلية والنفسية.

وكان هذا الكتاب بمثابة حجر الأساس لنظرية التحليل النفسي، ويتناول الكتاب أهمية الحياة العاطفية في الصحة العقلية اللاشعورية، واقترحا أن كبت الميول والرغبات يحولها عن طريقها الطبيعي إلى طريق غير طبيعي، فينتج الأعراض الهستيرية.

واختلف فرويد فيما بعد مع زميله يوزيف، في محاولات تفسير العوامل النفسية المسببة للهستيريا، ورأى فرويد أن أن الانحلال العقلي هو نتيجة صراع بين الميول وتصادم الرغبات، بينما أرجعه بروير إلى انقطاع الصلة بين حالات النفس الشعورية، وزاد الخلاف بينهما والتفت فرق طبية حول هذا وذلك، حتى أصبح كلاهما صاحب منهج في تفسير العوامل المسببة للهستيريا.

التداعي الحر

حجر الأساس الثاني لنظرية التحليل النفسي

واكتشف فرويد «نظرية التداعي الحر» بعد أن وجد طريقة لتفريغ بعض العيوب، منها أن نجاح العلاج يتطلب استمرار العلاقة بين المريض والطبيب، فلجأ إلى أن يحث المرضى بطريق الإيحاء وهم في حالة اليقظة، وقام بتطوير هذه الطريقة إلى أن اتخذت مسمى التداعي، وهي أن يطلب من المريض أن يطلق العنان لأفكاره لتسترسل من تلقاء نفسها دون قيد أو شرط، فيتكلم بأي شيء يخطر بباله دون إخفاء تفاصيل مهما كانت تافهة أو مؤلمة أو معيبة.

وكشفت له هذه الطريقة الكثير من الحقائق، فمثلًا عرف لماذا يكون تذكر بعض الحوادث والتجارب الشخصية الماضية أمرًا صعبًا، حيث أنها قد تكون مؤلمة أو مشينة للنفس ولذلك تنسى، وبالتالي تذكرها مرة أخرى أمر شاق نتيجة المقاومة التي تحول دون ظهور هذه الذكريات في الشعور، ومن هذه الملاحظات كون فرويد نظريته في الكبت التي يعتبرها حجر الأساس الثاني في بناء التحليل النفسي.

في عام 1909 دعت جامعة كلارك بالولايات المتحدة الأمريكية فرويد وكارل يونج عالم النفس الشهير، وأحد أبرز تلاميذ فرويد، للاشتراك في احتفال الجامعة بمناسبة عشرين عامًا على تأسيسها، وتم استقبالهما بصورة رائعة، وقُوبلت محاضرات فرويد الخمس والمحاضرتان اللتان ألقاهما يونج مقابلة جيدة.

أبرز مؤلفات فرويد

تفسير الأحلام: يقدم الكتاب نظرية فرويد في اللاوعي فيما يتعلق بموضوع تفسير الأحلام، كما يناقش أيضا أولا النظرية التي عرفت فيما بعد باسم عقدة أوديب. قام فرويد بتنقيح الكتاب ثماني مرات على الأقل، وأضاف قسما شاملا في الطبعة الثالثة يتعامل فيه مع رمزية الحلم بشكل حَرْفي، حيث يظهر عليه تأثير فيلهلم شتيكل. قال فرويد عن هذا العمل، «بصيرة مثل هذه تقع في يد المرء مرة في العمر.

الأنا والهو: هي ورقة بحثية نشرت عام 1923 تقدم دراسة تحليلية لنفسية الإنسان تحدد نظرياته من الديناميكا النفسية للهو، والأنا والأنا العليا.

قلق في الحضارة: طبق فرويد في هذا الكتاب نظريات علمه على الظواهر الحضارية المختلفة كالزواج واختراع الآلات وافتقاد السعادة.

يرى فرويد أن

اللاوعي: أهم منطقة سيكولوجية نستطيع بموجبها أن ندرس سلوكاتنا سواء منها السوية أو الشاذة. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول بأن الشخصية في تصور فرويد بمثابة «جبل الجليد»: أي أن ما هو خفي (العقل الباطن) أضخم بكثير مما يظهر (العقل الظاهر).

العقل: مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي، المعرفة، التفكير، الحكم، اللغة والذاكرة، ويقول عنه: لسنا واعين به، ولا يمكن التحكم فيه، كما لا يمكن الدخول إليه إلا عن طريق التحليل النفسي.

الكبت: صراع بين رغبتين متضادتين، وأن هناك نوعان من الصراع: واحد في دائرة الشعور تحكم النفس فيه لإحدى الرغبتين وتترك الثانية وهو الطريق الطبيعي للرغبات المتضادة دون اضرار النفس. بينما النوع الآخر هو المرضي؛ حيث تلجأ النفس بمجرد حدوث الصراع إلى صد وكبت إحدى الرغبتين عن الشعور دون التفكير وإصدار حكم فيها، لتستقر في اللاشعور بكامل قوتها منتظرة مخرج لانطلاق طاقتها المحبوسة.

الشخصية مكونة من ثلاثة أنظمة هي الهو، والأنا، والأنا الأعلى، وأن الشخصية هي محصلة التفاعل بين هذه الأنظمة الثلاثة.

الكوكايين: ذو أثر إيجابي في شفاء النفس، فقام بعلاج أحد مرضاه باستخدام الكوكايين ولكنه توفي جراء ذلك.

إصابة فرويد بالسرطان

اكتشف فرويد إصابته بمرض الصداف في فبراير عام 1923، وهو ورم حميد مرتبط بالتدخين المفرط. لم يخبر أحدًا في البداية، ولكنه أخبر إرنست جونز في أبريل عام 1923، وأخبره أيضًا بأن الورم قد استؤصِل. استشار فرويد طبيب الأمراض الجلدية ماكسيميليان شتاينر، الذي نصحه بالإقلاع عن التدخين ولكنه كذب بشأن جدية الورم، وقلل من أهميته. رأى فرويد لاحقًا فيليكس دويتش، الذي رأى أن الورم كان سرطانيًا، ولكنه لم يخبر فرويد بأنه مصاب بالسرطان بسبب خوفه عليه من الانتحار.

وفاة فرويد

سيطر الحزب النازي على ألمانيا في يناير عام 1933، وأحرقوا كتب عديدة من بينها مؤلفات مهمة لفرويد، سخر فرويد من الحزب النازي، قال فرويد لإرنست جونز: «ما هذا التقدم الذي نحققه! كانوا سيحرقونني لو كنت في العصور الوسطى، ولكنهم راضون اليوم عن حرق كتبي فقط».

واستمر فرويد في التقليل من شأن التهديد النازي المتزايد، وظل مصممًا على البقاء في فيينا حتى بعد الضم (عملية أنشلوس) في 13 مارس عام 1938، الذي ضمت فيه ألمانيا النازية النمسا، واندلعت فيه معاداة السامية العنيفة التي تلت ذلك، وذهب جونز، رئيس جمعية التحليل النفسي الدولية آنذاك، من لندن إلى فيينا عبر براغ في 15 مارس مصممًا على إقناع فرويد بتغيير رأيه والسعي إلى المنفى في بريطانيا.

وبدأت عائلة فرويد في الرحيل من فيينا على مراحل خلال شهري أبريل ومايو عام 1938، لكنه بقيَ حتى توفي في 23 سبتمبر 1939 بسرطان الحنجرة.

Dr.Radwa
Egypt Air