كانت سريهاريكوتا، وهي جزيرة حاجزة على ساحل الهند الشرقي، المرادف الهندي لقاعدة كيب كانافيرال الأميركية منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ تُطلق منها وكالة الفضاء الهندية عشرات المركبات الفضائية التي يصل مداها إلى القمر والمريخ.
لكن في نوفمبر، ظهر طرف ثانٍ في الأفق، وهو "أغنيكول كوزموس"، الشركة الناشئة، التي تتخذ من مدينة تشيناي مقراً لها على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من سريهاريكوتا وتخطط لاستخدام منصة خاصة بها على الجزيرة لتباشر أول إطلاق لها في مايو أو يونيو.
وتهدف الشركة - حسب تقرير لوكالة (بلومبرج) - لإنجاز أربع إطلاقات على الأقل في 2024، مستغلة إقبال الدولة الجديد على شركات الفضاء الناشئة.
وقال سريناث رافيتشاندران، المؤسس المشارك في "أغنيكول": "يتيح ذلك المجال أمام الهند لتصبح بمثابة بوابة للاعبين من الشركات الخاصة للانطلاق إلى الفضاء".
وبحسب التقرير، لا تعتزم "أغنيكول كوزموس" منافسة شركات عملاقة مثل "سبيس إكس" التابعة لإيلون ماسك، التي تعمل على مركبة فضائية يمكنها نقل حمولة توازي ست شاحنات نصف مقطورة. تقول الشركة إن صاروخ "أغنيبان" الخاص بها بإمكانه تقديم خدمات للعملاء الذين يسعون لإطلاق حمولات تزن 100 كيلوغرام.
ومع توقعات ارتفاع عدد الأقمار الصناعية في المدار حول الأرض إلى 10 أضعاف، أي لأكثر من 60 ألفاً، بحلول 2030، يقول رافيتشاندران إن الشركات الخاصة مثل شركته قد تزدهر من خلال تلبية احتياجات العملاء المهتمين بالأسعار. يضيف رافيتشاندران: "هناك ما يكفي من المهام للجميع".
ويمثل الترويج لقطاع الفضاء في الهند جزءاً من استراتيجية رئيس الوزراء ناريندرا مودي لطرح بلاده بديلاً عن الصين لتكون مصدراً لمنتجات تتنوع بين أجزاء السيارات وأجهزة "أيفون".
مثلما هو حال عدد من القطاعات الأخرى، تأخر دخول الشركات الناشئة في الهند لقطاع الفضاء، مقارنةً مع نظيراتها الصينية، التي أُتيح لها الانضمام للمجال منذ نحو عقد وتمكنت من إطلاق عدة مركبات إلى المدار. لم تبدأ الهند في تحرير القطاع حتى 2020.
ويقول العديد من الهنود إن "عزلة" روسيا التي تلت حربها لأوكرانيا العام الماضي، مع تنامي التوترات بين الصين والولايات المتحدة، تجعل الهند خياراً ذا جاذبية متزايدة للشركات الغربية التي تسعى للحصول على خدمات ومكونات للصناعات الفضائية.
وقال أنيل كومار بهات، المدير العام لجمعية الفضاء الهندية، وهي مجموعة تحشيد لدعم القطاع، إن عقوداً من تعهد الخدمات في قطاع التقنية بأسعار منخفضة نسبياً ستساهم في تعزيز وضع الهند.
وأضاف: "ستنتقل المصداقية التي يتمتع بها قطاع تقنية المعلومات الهندي إلى قطاع الفضاء".
وأصدرت "بيكسل"، وهي شركة ناشئة في مدينة بنغالور، في فبراير أول صور واضحة من شبكة أقمار صناعية تعتزم أن تبلغ 24 قمراً قادراً على التقاط صور عالية الدقة لاستخدامها في الزراعة والتعدين والتنقيب عن النفط.
كما أطلقت شركة "سكايروت إيروسبيس"، أول صاروخ هندي من تطوير شركة خاصة في نوفمبر.
وقال باوان كومار تشاندانا، رئيس "سكاي روت" التنفيذي: "لدى الهند فرصة لتقليص الفجوة بينها وبين الصين في قطاع الفضاء على المستوى العالمي، وذلك لأنها في وضع أفضل سياسياً".
وحصلت شركات الفضاء الهندية على دعم من مؤسسات مثل صندوق سنغافورة السيادي وشركة "شيربالو فينتشرز"، ومقرها سيليكون فالي في كاليفورنيا.
وتضع حكومة الهند قواعد لتسهيل الاستثمار الأجنبي في مشروعات الفضاء، كما كشفت النقاب في أبريل عن سياسات تستهدف تشجيع مشاركة القطاع الخاص في أنشطة الفضاء.
وقال شيتال بال، وهو شريك في "غرو إكس فينتشرز": "بالنسبة لمودي، هذا بمثابة محور حملته بأكملها التي ترفع شعار الهند التقدمية".
"غرو إكس فينتشرز" هي شركة لرأس المال الجريء في مدينة دلهي استثمرت في "بيكسل" و"بيلاتريكس إيروسبيس"، وهي شركة ناشئة في بنغالور تُطوِّر أنظمة مركبات الفضاء والدفع. وقال بال عن مودي: "يريدنا أن نتمركز كأحد قادة قطاع تقنية الفضاء".
ما تزال أمام الهند طريق طويلة قبل أن تحقق ما حققته الصين. كان للهند 2.3% فقط من إجمالي الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض حتى عام 2020، مقارنةً مع 13.6% للصين، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وجذبت شركات الفضاء الناشئة الهندية استثمارات بلغ إجماليها 220 مليون دولار من أصحاب رأس المال الجريء منذ 2011، وفقاً لجمعية الفضاء الهندية. حصلت الشركات الصينية على نحو خمسة أضعاف ذلك في العام الماضي فقط.
وبيـّن سونيل إندورتي، مدير "أزيستا بي إس تي إيروسبيس"، أن قدرات الهند التقنية ما تزال بعيدة للغاية عن نظيرتها الصينية.
وتقول "أزيستا بي إس تي إيروسبيس"، وهي شراكة بين شركة تصميم ألمانية وشركة تصنيع هندية إن بإمكانها تصنيع نحو 50 قمراً صناعياً سنوياً.
وفقاً لإندورتي، يمكن للمشروع، الذي يعتزم إطلاق أول قمر للاستشعار عن بُعد في صاروخ تابع لشركة "سبيس إكس" في يونيو، أن ينتج مركبة فضائية بتكلفة تقل 20% عن منافسيه في مناطق أخرى.
وأوضح إندورتي أن قطاع الفضاء في الهند ما يزال أمامه كثير ليتعلمه حتى تصبح الدولة قادرة على المنافسة حقاً. وتابع: "لا يمكننا اللحاق بالركب بقفزة واحدة خلال عامين فقط".
ويُعوِّل المسؤولون التنفيذيون في القطاع على مساهمة منظمة أبحاث الفضاء الهندية، وهي وكالة تسيطر عليها الدولة، في تسريع تلك العملية. لدى المنظمة أكثر من خمسة عقود من الخبرة، وأرسلت مركبة فضائية لتدور في فلك المريخ في 2014.
وأطلقت "نيو سبيس إنديا"، الذراع التجاري للوكالة، 36 قمراً صناعياً إلى المدار الأرضي المنخفض في مارس لصالح "وان ويب"، وهي شركة مقرها لندن تتنافس مع "سبيس إكس" لإطلاق أقمار صناعية للاتصالات.
وقال عويس أحمد، رئيس "بيكسل" التنفيذي، إن شركته ومنافساتها في القطاع المتنامي ستستفيد من دعم الوكالة ومن المنشآت التي أقامتها في جزيرة سريهاريكوتا.
وأضاف: "هناك نحو خمس أو ست دول في العالم تملك مثل تلك البنية التحتية والخبرة التي يمكن التعويل عليها، والهند إحداها".