السبت 20 ابريل 2024

عقدة الخواجة

مقالات15-5-2023 | 22:34

شيزوفرينيا الشخصية المعاصرة بين تفاخرها بماضيها وحضارة أجدادها، وبين رفض واستنكار حاضرها أزمة يعاني منها المجتمع الحديث تتجسد في الإقبال علي كل ماهو أجنبي في عقدة تسمي الانجذاب لكل ماهو آت من خارج حدود الدولة، عقدة الخواجة تلك العقدة التي تظهر ضعف الثقة والاتكال علي الغير وخاصة الخواجة الذي يمثل الغرب ويبعث في نفوس أبناء الشرق الشعور بالعجز أحياناً والغثيان أحياناً أخري رسخ في أذهان السيكولوجيات الشرقية أنه الأقوى الأجمل والأعلى بالعالم بكل الأمور يمتلك شهادة حسن سير وسلوك ومعرفة وتفكير وقوة.
تجد أمامك الكثير من الأشخاص تقلده فيما تستطيع من حركاته وسكونه قوله وفعله متلاشيين ثقافتهم وأصولهم وقيمهم ضاربً بهويته وتربيته عرض الحائط فارض نفسه علي مجتمع لا يشبه فيبدو كالطفيل غريب الأطوار.


في حين أجد كثيراً من الغربيون يعجب بثقافة وروحانيات الشرق لكنه ليس كمن أصابه لوث أو تمكنت منه عقدة بحيث يبدو طفيلياً في مجتمع لا يشبهه، وعلي غرار الأقاويل التي تسرد بدء نشأة تلك العقدة وترجعها لوصول نابليون مصر فبالنظر إلي تواريخ الشرق تجدها مترسخة منذ أكثر من ألف سنة خاصة عند العرب الذين من عاداتهم احتضان الغرباء والاعتزاز بهم خاصة في المجتمعات الريفية والغير متمدنة فيعيش الخواجات والغرباء معززين مكرمين في أوساط المجتمع بمكانة خاصة وهذا ما يحكيه التاريخ بمختلف حقبه، وعلي الرغم من المقارنة بين الأجنبي والمصري في العلوم المختلفة ليست منصفة للاجنبي إطلاقا فأمهر العلماء بطابع محلي واشطر المفكريين والأدباء والكتاب مصري فلا أجد مبرر للانبهار والانبطاح على حياة الغربيون، وهنا لا استنكر الإعجاب او التعلم فقد يعجب المرء بتقاليد حياة أو أسلوب عيش أو تجارب فكر أو تصرفات مجتمع لكن عندما يتحول ذلك الإعجاب إلى مرض نفسي يقوم على نقاط ضعف تفقد الإنسان ماهيته وهويته بل ولغته فتجد كثيراً من يتحدث إليك ولا يخلو كلامه من إضافة بعض الكلمات بلغة أجنبية ليظهر مثقفاً أم الغير أو تجده يفضل منتجاً أجنبياً علي منتجاً محلياً بنفس الجودة ولكنها يفضل الأجنبي ذات السعر الأعلى بلا مبرر غير عدم الثقة في منتجها المحلي.

ومثل هذه العقدة تستوجب معالجتها والوعي بها ينبغي أن يأخذ طابع التفكير المضاد والوعي المضاد ولا مانع في أن يكون الخواجة استناداً أو مرجع مساعد لكن بشرط أن نأخذ ونعطي معه نتبادل الحوار والرؤية لكن أن يغدو الخواجة كشخصية ماردة ومقدسة ومثالية وجوهرية في كل هذا الوجود إلي الحد الذي يجعل بعض الأمهات تسافر عبر حدود قارات لتنجب طفل يحمل جنسية أخري لظنها أنه محمي ومحصن بعقدة أجنبية أن المسألة حقاً ليست هكذا فالخواجة ليس شخصاً خارقاً ليترسخ في وعيناً كل هذه الصور والمعتقدات حوله وعلينا الاعتراف أن للغربي والشرقي تكوينهم المختلف كلياً من تربيتهم وثقافتهم وتعليمهم والذي به في كثيراً من الأحيان يتفوق الشرقي إن هاجر إلي بيئات الغرب واكتساب مهارات فائقة تؤهله أن يكون بدرجة خواجة.