الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

محمود شكوكو فنان الشعب.. وفيلسوف الغلابة


  • 16-5-2023 | 17:31

محمد الشافعى

طباعة
  • محمد الشافعي

● بعد شهر واحد من إذاعة مونولوجاته فى الإذاعة تحول شكوكو إلى حديث الشارع المصرى بعد أن استطاع من خلال موهبته الفطرية الشعبية أن يفرض نفسه بالجهد والعرق والدموع
● بدأ شكوكو رحلته مع الفن بتقليد أصحاب الأصوات الجميلة التى كانت مشهودة فى ذلك الوقت.. ولكن طبيعته المرحة غلبت على شخصيته.. وأدرك أن لن يصبح مطرباً ينافس عبدالوهاب أو فريد الأطرش
● جاءت شهرة شكوكو فى توقيت شديد الأهمية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الطبقة الشعبية فى مصر تبحث عن بطلها الذى يمكن أن يكون سفيرها فى عالم الفن، فاختارت شكوكو ليكون هذا البطل
● بدأ شكوكو مشواره مع السينما فى بداية الأربعينيات، حيث وجد صناع السينما فيه نموذجاً مبهراً، استطاع أن يرسم شخصيته الفنية بنفسه، تلك الشخصية التى كانت عنصر جذب قوى لجماهير الطبقة الشعبية 
● قام أحد الفنانين الشعبيين بصناعة تمثال من الفخار للفنان محمود شكوكو، إعجاباً وتقديراً من الطبقة الشعبية بما يقدمه شكوكو فى التعبير عن كل تفاصيلها، وانتشر هذا التمثال فى كل ربوع مصر كالنار فى الهشيم
● اشترت عائشة هانم فهمى كل تذاكر المسرحية لرغبتها  مشاهدة العرض وحدها، فغضب شكوكو وطلب من مدير المسرح أن يعيد لها أموالها وقال "أنا مابشتغلش قدام كراسى فاضية"

شاكوش الكوميديا.. الذى راح طوال أكثر من نصف قرن.. "يدق" بحرفية وفن.. على رؤوس "مسامير الهموم".. حتى كادت أن تتلاشى.. و "منشار الفكاهة".. الذى شق قلوب "ألواح الأمس".. وصنع منها أشكالاً عجيبة من "أرابيسك المرح".. و "فارة الفرفشة".. التى عملت بدأت على إزالة البروزات والنتوءات من النفوس المتعبة.. حتى صارت مثل "حرير البهجة".. إنه نجار الفنانين وفنان النجارين محمود شكوكو.. الذى استطاع تضفير العصامية بمواهبه الفطرية.. ليحفر اسمه على جدران الخلود.. كواحد من أهم "صناع البهجة".. فى تاريخ الفن العربى.. كما استطاع وضع لمساته السحرية على "الشكل المضمون".. ليصبح عنواناً للتميز والتفرد.. فلا يشبه أحداً.. ولا يشبهه أحد.. فاختاره الغلابة والبسطاء.. الذين يكونون "الطبقة الشعبية".. ليكون مندوباً عنهم فى عوالم الفن.. يغزل لهم من خيوط المعاناة.. أنواب البهجة والمرح.. إنه محمود شكوكو العبقرية الفطرية.. التى لم تأخذ حقها حتى الآن من البحث والدراسة.

ولد محمود شكوكو إبراهيم إسماعيل موسى فى الأول من مايو 1912.. فى منطقة الكحكيين فى حي الدرب الأحمر.. لأب يعمل نجاراً.. ينتمى إلى عائلة من النجارين.. تمتلك ورش النجارة فى منطقة الرويعى بالقرب من شارع محمد على.. وقد أصر الجد على أن يطلق على حفيده اسم شكوكو.. وأن يتم تسجيل هذا الاسم فى السجلات الرسمية.. وذلك لأن هذا الجد كان من هواة "مصارعة الديوك".. ويرى مجموعة من الديوك الرومى.. وبين هذه الديوك ديك له صيحة غريبة ومميزة يقولها بحروف فصيحة "شكوكو".. وكان الجد معجباً بهذا الديك وبصيحته المميزة.. وتحولت هذه الصيحة إلى جزء من اسم الحفيد.. الذى شب وسط 14 أخاً.. ولكنه كان شديد الشقاوة.. اشتهر بتقليد كل الأحداث.. الطيور.. الحيوانات نداءات الباعة الجائلين.. أفراد عائلته.. أصدقاءه.. وقد تشرب الفتى كل فنون النجارة من والده وجده.. فاستغرقته هذه الصفة تماماً.. ولم يتلق أى نوع من التعليم.. وفى روشة النجارة كان يتعامل مع أدواتها "الشاكوش – المنشار – الفارة" وكأنها آلات موسيقية.. وذلك لأنه يمتلك أذنا موسيقية.. دفعته وهو فى سن السابعة ليحضر حفل زفاف أقيم فوق سطح بيت الجيران.. وأحيته المطربة زينب المنصورية.. والتى أبهرته بصوتها.. وحفظ كل أغانيها مثل "بافتكرك أكثر ما انت فاكرنى – ما انحرمش من ضحكتك.. إلخ.. دراج يتابع هذه المطربة فى كل الأفراح.. حتى خطفته "نداهة الفن".. وكان فى مواجهة ورشة أبيه مقهى شعبى.. اتخذه بعض الفنانين مقراً لبروفات أغانيهم الشعبية.. وكان صاحب المقهى لا يذيع إلا أغانى سيد درويش وسلامة حجازى وداود حسنى.. فكان هذا المقهى مدرسته الفنية الأولى.. وعندما جذبته أضواء الفن.. وكان يترك سريره فى كل ليلة بعد أن يضع "المخدة" مكانه.. ومن الإعجاب بالفن إلى ممارسة الغناء بعد أن كبر يتداخله الهواية.. فراح يشارك فى إحياء الأفراح مجاناً.. لمدة أربع سنوات.. يعمل نجاراً بالنهار.. ويغنى فى الأفراح ليلاً.. وكان يتردد خلال هذه الفترة على مقهى شعبى يجتمع فيه عدد من فنانى شارع محمد على.. نحفظ الكثير من أغانيهم.. واشترك معهم فى الغناء بالمقاهى والكازينوهات.. بعد سنوات من الهواية.. بدأ يحصل على أجر كان عشرة قروش.. ثم عشرين قرشاً.. وعندما علم والده بإغماس ابنه فى عالم الفن طرده من الورشة.. وبدأ شكوكو رحلته مع الفن بتقليد أصحاب الأصوات الجميلة التى كانت مشهودة فى ذلك الوقت.. ولكن طبيعته المرحة غلبت على شخصيته.. وأدرك أن لن يصبح مطرباً ينافس عبدالوهاب أو فريد الأطرش أو عبدالمطلب.. فتوقف عن تقليد المطربين.. واتجه إلى المونولوج.. والتحق بفرقة أحمد المسيرى.. الذى قدم له أول مونولوجين.. وفى هذه الفرقة قرر شكوكو بالتشاور مع المسيرى اختيار الشكل المميز والمتفرد الذى اشتهر به طول حياته.. الجلباب والطرطور والعصايا.. ليكون معبراً عن شخصية ابن البلد خفيف الظل.. وجاء اختيار شكوكو الجلباب والطوطور.. لأكثر من سبب.. الأول أن الجلباب كان هدية والده فى الأعياد.. وكان يفرح كثيراً عندما يرتدى الجلباب الجديد..

أما السبب الآخر فهو إعجاب شكوكو بشخصيته شارل شابلن وملابسه المتميزة التى اشتهر بها.. فأراد أن يقلده ولكن على الطريقة المصرية.. فاختار الجلباب والطرطور والعصايا.. ليعبر عن الطبقة الشعبية التى ينتمى إليها.. وليؤكد أنه لن يقدم إلا الفن الشعبى.

وجاءته الفرصة ليقف على مسرح اليوسفورى فى ميدان رمسيس.. وكانت المرة الأولى التى يفعل فيها مسرحاً حقيقياً.. فخرج على الجمهور بالجلباب والطوطور المخطط دائرياً والعصايا.. فأبهر الناس ونال إعجابهم الكبير. ومن فرقة المسيرى انتقل إلى فرقة على الكسار.. نجم الكوميديا المنافس الأول لنجيب الريحانى فى ذلك الوقت.. وهناك روايتان لكيفية التحاقه بفرقة الكسار.. الأولى أن فنان المونولوج الذى يقدم مونولوجاته بين فصول المسرحيات تغيب فجأة.. فاقترح أحد أعضاء الفرقة على الكسار.. أن يأتيه بشاب موهوب جداً.. وجاء شكوكو ليلقى مونولوجاته من خلف الستارة كنوع من التجربة.. حتى إذا فشل يقال إنه مجرد هاد.. ولكن الجمهور تفاعل معه بشدة.. لتكون هذه الليلة بدايته مع الشهرة والنجومية.. أما الرواية الأخرى فتؤكد أن الكسار استمع إليه فى إحدى الحفلات.. فأعجبته الحالة التى يقدمها من حيث الشكل والمضمون.. فاتفق معه على تقديم فقرة بين فصول مسرحياته.. على مسرح كازينو ليلاس فى روض الفرج.. وبدأ بأجر عشرين قرشاً فى الليلة.. لينطلق إلى عالم الشهرة والنجومية.. خاصة بعد أن ذهب الإذاعى محمد فتحى "كروان الإذاعة".. لمشاهدة إحدى مسرحيات الكسار "سرقوا الصندوق".. وفوجئ بين فصول المسرحية بما يقدمه شكوكو.. خاصة مونولوج "ورد عليك".. وبعض المواويل المرحة.. فأعجب به ودعاه لزيارته فى مبنى الإذاعة فى اليوم التالى.. وذهب شكوكو ليجد فتحى قد أعد له عقداً مع الإذاعة.. مقابل أربعة جنيهات.. وكانت المفاجأة فى إخراج شكوكو "الختم" من جيبه ليوقع على العقد.. حيث لم يكن يعرف القراءة والكتابة.. وقد أعطى شكوكو أول أربعة جنيهات.. يحصل عليها من الإذاعة لأحمد المسيرى.. الذى ألف ولحن له أول مونولوجين.

ولفت شكوكو الأسماع.. وبعد شهر واحد من إذاعة مونولوجاته فى الإذاعة.. تحول إلى حديث الشارع المصرى.. بعد أن استطاع من خلال موهبته الفطرية الشعبية.. أن يفرض نفسه بالجهد والعرق والدموع والمعاناة الطويلة.. حيث تفرد باللون الشعبى "الكاريكاتوري".. من خلال الشكل المنفرد "الجلباب والطرطور".. كما اشتهر بالإخلاص لفنه.. وحبه لعمله.. وفهمه العميق لما يقدمه.

وجاءت شهرة شكوكو فى توقيت شديد الأهمية.. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.. حيث كانت الطبقة الشعبية فى مصر.. تبحث عن بطلها الذى يمكن أن يكون سفيرها فى عالم الفن.. فاختارت شكوكو ليكون هذا البطل البسيط.. الذى يتسم بالشهامة والرجولة والجدعنة.. والذى يمكن أن يتحول إلى فهلوى أيضاً.. وقد امتلك شكوكو كل الصفات الحميدة فى الطبقة الشعبية.. كما أن خلفيته فى العمل بالنجارة.. جعلته مؤهلاً لأن يؤدى كل الحرف والمهن الشعبية.

وقد وجد صناع السينما فى محمود شكوكو.. نموذجاً مبهراً.. استطاع أن يرسم شخصيته الفنية بنفسه.. تلك الشخصية التى كانت عنصر جذب قوى لجماهير الطبقة الشعبية.. وقد بدأ شكوكو مشواره مع السينما فى بداية الأربعينيات.. حيث شارك فى فيلم حسن وحسن معد محمد الكحلاوى والراقصة حورية محمد.. ثم فيلم شارع محمد على مع عبدالغنى السيد وحورية محمد.. وجاء فيلمه الثالث "أحب البلدي" مع أنور وجدى وتحية كاريوكا من إخراج حسين فوزى.. وتوالت بعد ذلك مشاركات شكوكو فى السينما من خلال عشرات الأفلام ومنها "ست البيت – شباك حبيبى – الأسطى حسن – خد الجميل – بائعة الخبز – قلبى دليلى – ليلة العيد.. إلخ" وقد اتسمت علاقة محمود شكوكو بالسينما بكثير من الغرابة وإثارة التساؤلات.. فرغم أنه النموذج الذى تطلبه الطبقة الشعبية بإلحاح.. مما جعل المخرجين يتهافتون عليه.. ليقدم فى أول عشرين عاماً من مسيرته الفنية أكثر من مائة فيلم.. ولكن البطولات المطلقة فى هذه الأفلام قليلة جداً وأشهرها "عنتر ولبلب".. وقد بدأت البطولات المطلقة مصادفة فى عام 1946.. عندما رفض المنتج الطلبات المادية للمطرب محمد الكحلاوى فى فيلم "عودة طاقية الإخفاء".. فجاء شكوكو بديلاً ونجح الفيلم.. الذى أخرجه محمد عبدالجواد.. ثم جاء فيلم "البريمو" مع بشارة واكيم وإخراج كامل التلمسانى – ثم فيلم بنت المعلم مع سعاد مكاوى وإخراج عباس كامل.. ثم حدوة الحصان عام 1949 مع سعاد مكاوى أيضاً.. وأخيراً عنتر ولبلب مع سراج منير وإخراج سيف الدين شوكت.. والذى عرض فى أبريل 1952.. وقد نجح فى هذا الفيلم كثيراً.. وذلك لأنه رغم بساطته الشديدة.. يتسم أيضاً بكثير من الإيحاءات السياسية.. حيث كان صراع مصر مع الاحتلال الإنجليزى على أشده.. فمصر الدولة الصغيرة.. استطاع أبطالها من الفدائيين.. أن يضربوا جنود الإمبراطورية الإنجليزية فى منطقة القناة ضربات موجعة.. وكان الفيلم يعبر عن ذلك بخفة ظل وفكاهة جميلة.

وتواصل السينما مواقفها الغريبة مع محمود شكوكو.. حيث لم يقدم فى العشرين عاماً الأخيرة من مشواره الفنى إلا خمسة أفلام فقط.. بدأت بفيلم اللص والكلاب عام 1963.. وانتهت بفيلم شلة الأنس عام 1976.. ورحل ذلك الفنان العبقرى وفى حلقه غصة من السينما وصناعها.

وإعجاباً وتقديراً من الطبقة الشعبية.. بما يقدمه شكوكو فى التعبير عن كل تفاصيلها.. قام أحد الفنانين الشعبيين بصناعة تمثال من الفخار للفنان محمود شكوكو.. وانتشر هذا التمثال فى كل ربوع مصر كالنار فى الهشيم.. بل تحول إلى تمثال من الحلوى يباع مع العروسة والحصان فى المولد النبوى.. كما تم نشر صور شكوكو على "علب الكبريت".. وانتشر نداء "شكوكو بقزازة" فى كل مصر.. حيث يتم شراء التمثال بالزجاجات الفارغة.. ويؤكد بعض الذين عاصروا هذه الفترة.. أن هذه الزجاجات كانت تذهب إلى الفدائيين فى منطقة القناة.. ليتم تحويلها إلى "قنابل مولوتوف".. لمهاجمة قوات الإنجليز.
وقد اتسم شكوكو بكثير من الذكاء الفطرى.. الذى جعله دائم التطوير لنفسه.. وقد نجح فى أن يعلم نفسه القراءة والكتابة.. بطريقة شديدة الصعوبة والابتكار.. حيث كان يقف أمام أسماء المحلات الكبيرة.. ويطلب من أحد المارة أن يقرأ له الاسم.. ثم يطبع الاسم والحروف فى ذهنه.. ويذهب إلى البيت محاولاً نقش تلك الحروف وخطفها كما سمعها. وهكذا بعد فترة ليست قصيرة تعلم القراءة والكتابة.. بل تعلم الكثير من الإنجليزية على يد زوجته السيدة سعاد أبوسالم "أم أولاده".
وهذا الحرص على تطوير الذات جعله ينشئ فرقة استعراضية.. يقدم من خلالها استعراضات غنائية مرحة مع سعاد مكاوى وثريا حلمى.. وقد استأجر فى البداية سينما كليير فى شارع فؤاد "26 يوليو".. وحولها إلى مسرح يحمل اسم "فرقة شكوكو الاستعراضية".. ثم قدم عروضه على مسرح الأزبكية.. وعمل معه عبدالعزيز محمود وسميحة توفيق وتحية كاريوكا، وكان هذا البقرى المعجون بالفن أول من أدخل فن العرائس إلى مصر.. وأنفق عليه من ماله الخاص آلاف الجنيهات.. وعمل معه فى هذا المجال الكثير من أداروا وشاركوا فى مسرح العرائس بعد أن أقامته الدولة.. والغريب أن شكوكو لم يُدعى أبداً إلى هذا المسرح.. وقد عاش طوال حياته على أن يتم إطلاق اسمه على مسرح العرائس اعترافاً بريادته.. ويحسب لشكوكو أيضاً إحيائه لفن الأراجوز.. والحفاظ عليه من الاندثار.. وكان يسعد كثيراً بالمشاركة فى إحياء أعياد ميلاد الأطفال وقد عمل معه فى مسرح العرائس "السيد راضى – يوسف شعبان – حمدى أحمد – صلاح السقا.. إلخ".. وقد تعلم حرفة الأراجوز على يد على محمود أبرع فنانى الأراجوز فى مصر.. والذى صاحبه بعد ذلك فى كل عروضه. وقد نجح شكوكو فى أن يطوف بعرائسه الخشب الكثير من دول العالم.. وكان الأراجوز أحد أهم عناصر فرقته للعرائس والتى كان يقدم عروضها على مسرح متروبول فى فترة الستينيات.. ومن هذه العروض السندباد البلدى – الكونت دى مونت شكوكو – شكوكو فى كوكب البطيخ.. وقد كبدته هذه العروض خسائر مادية كبيرة.. ولكنه كان يردد دوماً مسرح العرائس من "عندى زى الكيف".. وبعيداً عن كل هذا استطاع ذلك العبقرى أن يترك بصمات شديدة الخلود على فن المونولوج.. ذلك الفن الذى كان موجوداً قبل شكوكو.. وبرز من فنانيه حسن فايق – يوسف وهبى – عقيلة راتب – عمر الجيزاوى – حسن المليجى – منير مراد.. وبرز أيضاً من جيل شكوكو إسماعيل يس وسعاد مكاوى وثريا حلمى.. وتؤكد بصمات شكوكو على أنه المجدد الأكبر فى فن المونولوج.. بداية من الشكل التقليدى مثل "ورد عليك".. ثم فنانياته الجميلة مع سعاد مكاوى "حمودة فايت يا بنت الجيران".. ثم المونولوجات الفرانكو أراب مثل "حبيبى شغل كايرو – أشوف وشك تومورو".. ثم وصل إلى قمة التجديد من خلال معارضاته الفكاهية.. لأشعى القصائد والأغانى.. التى يشدو بها كبار المطربين.. فقد عارض أغنية انت عمرى.. التى كتبها أحمد شفيق كامل وغنتها أم كلثوم ولحنها محمد عبدالوهاب.. فى مونولوج شهير يقول "يا أغلى من أيامى ... ياللى ساكن قدامى.. إنزل وحياتك إنزل... بلاش غرام فى المنزل" وعارض قصيدة يا ناعس الطرف "يا ناعس الطرف لاذقت الهوى أبداً أهل الهوى أخرته حرمه وكان ولدا" وكان يساعده فى هذا الشعر الحلمنتيشى فتحى قورة وعبدالغنى النجدى.
كما عارض قصيدة أيظن التى كتبها نزار قبانى وغنتها نجاة الصغيرة ولحنها محمد عبدالوهاب.. قائلاً: "حتى فساتينى التى أهملتها.. رحت السوق وهناك بعتها" وأيضاً مونولوج "سمحت بإرسال الدموع مما جرى.. لما حبيت القلب خد بعضه وجري" وقد نجح شكوكو من خلال نجاحاته الباهرة فى عالم المونولوج.. أن يقنع كبار الملحنيين والشعراء.. بأن يتعاملوا معه.. فكتب له الشعراء بيرم التونسى ــ مأمون الشناوى – فتحى قورة – ابن الليل – حسين السيد – حسيب غباشى – عبدالغنى النجدى.. إلخ.. ولحن له محمود الشريف – زكريا أحمد – محمد عبدالوهاب – عزت الجاهلى – منير مراد – رؤوف ذهنى.. إلخ.. ولأن شكوكو "كوكتيل مواهب".. فقد كتب ولحن لنفسه العديد من المونولوجات.. وقد ترك تراثاً عظيماً بلغ أكثر من 400 مونولوج من أشهرها "ورد عليك – واد يا حدقة – السح ادح امبو – يا جارحة قلبى بإزازة – كنت زمان أركب كارو – إدينى نفرش لب – سكوكو دادا – عيون الحسود فيها عود وكمنجة – جرحونى وقفلوا الأجزاخانات".. وكان أقرب مونولوج إلى قلبه "الحب بهدلة".. وإذا كان أديب مصر العالمى نجيب محفوظ.. قد أبرع الكثير من أعماله عن الحارة المصرية مثل "زقاق المدق – خان الخليلى .. إلخ".. فالعبقرى محمود شكوكو استطاع أن يصعد بالحارة المصرية على المسرح.. وأن يضعها فى قلب السينما المصرية.. من خلال شخصية ابن البلد.. الذى يحرص على ارتداء الجلابية.. وكان شكوكو أكثر السعداء بقرار ثورة يوليو إلغاء الملابس الرسمية غريبة الهوى "الروينجوت – السموكن – ملابس التشريفة" حيث رأى فى هذا القرار انتصاراً لكل ما هو شعبى وأصيل.. ونابع من صميم أولاد البلد.. ورغم شهرة شكوكو التى فاقت شهرة أى فنان آخر.. والتى جعلت متابعيه العرب والأجانب يطلقون عليه لقب "شارلى شابلن العرب".. والتى دفعت الفنان حسن حشمت إلى صنع تمثال من الخزف لهذا الفنان العبقرى.. والتى جعلت أهل الإسكندرية يطلقون على محطة ترام المسرح القومى فى كامب شيزار اسم محطة شكوكو.. رغم كل ذلك لم يفكر التليفزيون مع بدايته فى الاستفادة من الاسكتشات الاستعراضية الفكاهية التى قدمها شكوكو "الكونت دى مونت شكوكو – السندباد البلدى – شكوكو فى كفر البطيخ – ارقص يا خيل".. ولم يفكر مسؤلو التليفزيون فى أن يشارك شكوكو فى الفوازير.. أو حتى يقدمها بمفرده.. وتم اللجوء إلى ثلاثى أضواء المسرح "سمير وجورج والضيف".

ورغم كل هذه الشهرة فقد عاش الفنان محمود شكوكو طوال حياته بشخصية ابن البلد الطيب.. صاحبة المروءة.. الذى يقف مع أصحابه.. ويخدم من دون مقابل.. ويرفض أن يجرح إحساس أى إنسان كما عاش يحب المثقفين ويحترمهم ويردد "هو ده اللى ناقص عندي".. والأهم من ذلك فقد عاش طوال حياته باراً بأهله.. فيقول "أبويا علمنى أخاف من أكل الحرام ومن أذية الناس ومن نقل الكلام".. وفى بداية حياته الفنية.. عندما بدأ يحصل على مقابل مجزى.. طلب من والده أن يستريح من عمل النجارة.. وكان يعطى والده كل ما يكسبه من الفن.. وبعد فترة فوجئ أن والده قد اشترى بتلك الأموال عمارة.. وأصر على أن يكتب العقد باسم ابنه محمود.. وبعد أن امتلك الفن كل وقته ترك ورشته للنجارة لأخيه الأصغر تلك الورشة التى كانت فى الرويعى بين القلعة والعتبة.. كما عاش فخوراً ومحباً لحرفة النجارة.. التى حقق فيها نجاحات كبيرة جعلت الشركات الكبرى فى ذلك الوقت مثل "شيكوريل – جاثينيو – شملا – بنزايون .. إلخ".. تطلب إنتاجه.. وقد أصر شكوكو على أن يضع أثاث منزل الزوجية بيده.. وحتى بعد أن أصبح مشهوراً ظل محتفظاً فى بيته بـ "عدة النجارة".. وكلما عاوده الشوق القديم.. يمارس الصنعة فى بيوت أقاربه وأصدقائه المقربين.. بل وفى بيته هو شخصياً.

وقد تعرض الفنان محمود شكوكو طوال مسيرته للعديد من المواقف الصعبة والطريفة فى ذات الوقت.. وسوف نتوقف أمام ثلاثة مواقف من هذه المواقف.. الأول عندما تعرض شكوكو لحملة شعراء من أفراد الأسرة المالكة "أحفاد محمد علي".. ومن أبناء العائلات الأرستقراطية.. لسبب غريب وهو أن شكوكو كان أول مصرى يركب السيارة الإنجليزية الفخمة "بانتيللي".. والتى لا يركبها فى إنجلترا إلا الأمراء واللوردات، وانفجرت الثورة من منطلق كيف لهذا الكوميديان أو بتعبيرهم "الأراجوز".. يركب مثل هذه السيارة.. التى لا يملكون مثلها.. وقد اضطر شكوكو تحت وطأة هذه الثورة العبثية إلى أن يبيع تلك السيارة والتى جعلته فى مرمى نيران عِلية القوم.

أما الموقف الثانى فأشد صعوبة وأقل طرافة.. حيث دخل شكوكو ذات ليلة إلى مسرح الأزبكية.. حيث يقدم عروض فرقته الاستعراضية.. فوجد لوحة مكتوب عليها "كامل العدد".. بمعنى أن المسرح "أرض كوبليه" كما يقول أهل المسرح.. ففرح جداً ولكن لفت انتباهه أثناء الاستعداد لبدء فعاليات العرض.. أن المسرح يفرق فى سكون رهيب.. ومن المعتاد أن يتحدث الجمهور ويتهامش قبل العرض ويتم سماع هذه الأصوات فى الكواليس.. فنظر شكوكو من خلف الستارة فوجد المسرح خالياً تماماً.. فذهب غاضباً إلى مدير المسرح يبحث عن خفايا هذا الشر.. فقال له مدير المسرح إن سيدة المجتمع عائشة هانم فهمى.. أشهر سيدات مصر فى ذلك الوقت.. قد اشترت كل التذاكر.. وتريد مشاهدة العرض وحدها.. فازداد غضبه.. وطلب من مدير المسرح أن يعيد لها أموالها وقال "أنا مابشتغلش قدام كراسى فاضية.. حتى لو دفعت مال قارون".. وترك المسرح على الفور وقرر تأجيل العرض.. ولم تغضب عائشة فهمى صاحبة القصر الشهير الموجود على نيل الزمالك.. والذى تحول بعد ثورة يوليو إلى "مجمع الفنون".. والذى يمثل أحد أهم مراكز الفن التشكيلى فى مصر.. المهم أن تلك السيدة الثرية راحت تطارد شكوكو فى كل مكان.. وكانت عائشة فهمى قد تم طلاقها من الفنان الكبير يوسف وهبى.. بعد قصة حب كبيرة.. ولكن غيرتها القاتلة جعلت يوسف وهبى "يهرب بجلده".. وأرادت عائشة فهمى أن تتزوج من محمود شكوكو كنوع من "كيد النسا".. وذلك لكى تقول لعملاق المسرح يوسف وهبى.. إن هذا الكوميديان المهرج الأراجوز.. سيكون مكانك فى كل شىء.. وبالفعل نجحت عائشة فهمى فى الإيقاع بشكوكو.. الذى تزوجها ولكن هذا الزواج لم يدم إلا أسابيع قليلة.. لأن شكوكو صمم على أن يكون هو رجل البيت.. ورفض أن تقوم عائشة فهمى بإنفاق أى مليم.. ومثل هذا الوضع لم يعجب السيدة التى اعتادت على التسلط والتحكم.. ففشل هذا الزواج غير المتكافئ.. ورغم ذلك غضب يوسف وهبى غضباً شديداً.. وقام بتحريض القصر الملكى والعائلات الأرستقراطية ضد شكوكو.. وقرر يوسف وهبى مقاطعة شكوكو تماماً.. حتى فى الحفل الغنائى الذى أقيم يوم 18 يونيه 1953.. وكان يوسف وهبى هو الذى يقدم فقراته.. وأعلن من خلاله قيام الجمهورية المصرية.. وهو يقدم فقرة الشاب الجديد عبدالحليم حافظ.. رفض يوسف وهبى تقديم شكوكو فى هذا الحفل.. وترك الأمر للفنان حسن فايق.

أما الموقف الثالث فكان شديد الطرافة وشديد الصعوبة أيضاً.. حيث راحت الصحف المعارضة لحزب الوفد قبل ثورة يوليو 1952.. تنشر صورة شكوكو إلى جانب صورة مصطفى النحاس زعيم الوفد.. وتتساءل أيهما صاحب الأغلبية.. كنوع من التهكم.. وأيضاً الاعتراف بالشعبية الكاسحة التى يمتلكها شكوكو.. وعندما حدث الخلاف الشديد بين على ومصطفى أمين ومصطفى النحاس وحزب الوفد.. راحت أخبار اليوم تنشر صور شكوكو.. وتؤكد أنه أكثر شعبية من النحاس.. وتطور الأمر بنشر أن شكوكو سوف يرشح نفسه لعضوية مجلس النواب ضد النحاس باشا فى دائرته بسمنود بمحافظة الغربية.. ولم يكن هذا صحيحاً.. ولكن أخبار اليوم كررت نشر الخبر حتى صدقه الناس.. واتصلت أحزاب كثيرة بالفنان محمود شكوكو.. لكى يترشح باسمها.. فكان يرد بخفة ظل "أنا مرشح جاهز.. وعاوز بالطو عشان أتدفي".. ثم غنى موالاً يقول "كفايا على زمان رشحت نفسى فى قلب محيوبى.. نجحت بالتزكية ونلت مطلوبي".. وعندما زاد الأمر عن حده.. اضطر شكوكو إلى اللجوء لسيدة الغناء العربى أم كلثوم.. طالباً منها أن تنقذه من فخ أخبار اليوم.. فاتصلت الست بصديقها مصطفى أمين.. وطلبت منه وقف هذه الحملة الهزلية.. فاستجاب على الفور.

ورغم هذا المشوار الحافل لهذا الفنان العبقرى.. فإنه لم يحظ بما يستحقه من التكريم والتقدير.. فقد حصل فقط على شهادات تقدير من الزعيم جمال عبدالناصر.. والرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة.. كما حصل على شهادة الجدارة من الرئيس أنور السادات فى عيد الفن.. وكادت هذه الشهادة أن تضيع منه.. حيث كان وقتها فى لندن.. وعلم أنهم قد رفعوا اسمه من كشف المكرمين.. فعاد على أول طائرة.. وذهب إلى د. رشاد رشدى رئيس أكاديمية الفنون ومستشار الرئيس السادات.. وبكى على ضياع تكريمه.. فوعده رشدى بحل الأزمة.. وفى اليوم التالى أبلغه بأنه ضمن المكرمين.. وذهب إلى الحفل بجلبابه الشهير وبصحبة زوجته.. وجلس إلى جوار الفنان محمد توفيق.. الذى نعمه بعدم التهريج مع الرئيس.. وعندما نادوا على اسمه "صعد إلى المسرح وقال للرئيس أنا كنت مجهز كلام كثير أقوله لسيادتكم.. لكن لما بشوفك بيروح منى الكلام وأنساه.. فضحك الرئيس والجمهور.. ونزل من على المسرح ليخرج مباشرة إلى سيارته ويخلع الجلباب ويرتدى بدلة شديدة الشياكة والأناقة.. وعاد ليجلس إلى جوار زوجته حتى انتهاء الحفل عاش محمود شكوكو فى سنواته الأخيرة حزيناً لعدم الاستعانة به فى السينما.. وقدم فقط مع فرقة المتحدين مع بداية الثمانينيات مسرحية "الزيارة انتهت" بطولة محمود يس وشويكار.. ثم مسرحية زقاق المدق بطولة معالى زايد وصلاح السعدنى.

وقد توفت زوجته ورفيقة دربه السيدة سعاد أبوسالم فى 12 سبتمبر 1984.. ليصاب بعدها بحزن شديد وتتكالب عليه الأمراض ليرحل عن دنيانا بعد أشهر قليلة 21 فبراير 1985.. ليترك فراغاً كبيراً فى عالم الكوميديا والفن بشكل عام.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة