الأحد 5 مايو 2024

الصائغ وتاجر الفاكهة.. القصرى ومرسى جميل عزيز عمال اصبحوا نجوما


محمد عدوى

مقالات16-5-2023 | 19:00

محمد عدوى

• العلاقة بين الفن والعمال علاقة بها تماس وغرائب وطرائف كثيرة، فقد اقتنص الفن من الحياة أسماء كثيرة كانت تعمل قبل بزوغ نجمها فى أعمال بعيدة عنه كل البعد

ماذا تفعل إذا دخلت محلا لبيع المجوهرات والذهب ووجدت البائع هو عبد الفتاح القصرى؟ كيف ستفسر أن بائع الفاكهة الذى يزن لك كيلوات من التفاح والعنب هو نفسه الشخص الذى يزن القافية فى شعر مغنى كما لم يفعل أحد؟.

هل ستصدق أن هذا الرجل الذى يبدو لك بسيطا وجاهلا فى أحيان كثيرة يعرف أدق تفاصيل صناعة الألماس والأحجار الكريمة ويفندها بصورة ملفتة؟ هل ستصدق أن مرسى جميل عزيز هو الذى يعبئ أكياسا من الموز والبرتقال بعد ان تستمع الى أغنية سيرة الحب الذى كتبها لكوكب الشرق أم كلثوم؟.

الحقيقة أن العلاقة بين الفن والعمال علاقة بها تماس وغرائب وطرائف كثيرة، لكن ربما لن يخطر ببالك أن الفن اقتنص من الحياة أسماء كثيرة كانت تعمل قبل بزوغ نجمها فى أعمال بعيدة كل البعد عن الفن، والحقيقة أنه من حسن حظ الفن أن الحياة فعلت ذلك وأعتقد أن تجار الذهب والفاكهة لن يسجلوا أى اعتراض فى حالة عبد الفتح القصرى ومرسى جميل عزيز.

حياة عبد الفتاح القصرى أمام الشاشات لا تعطى لك أى انطباع عن حياته خلفها، لا يمكن بأى حال من الاحوال وأنت تردد يا صفايح الزبدة السايحة ان تدرك أن قائلها خريج لمدارس فرنسية، لا يمكن أن تدرك أن صاحب النورمندى هو نفسه صاحب أهم محال المجوهرات والوريث لرجل الذهب فى العشرينيات من القرن الماضى، حياة عبد الفتاح القصرى الرغدة التى تركها طوعا رغم التهديدت بالحرمان منها ومن الميراث ليبدأ مرحلة الصعلكة فى مسارح وفرقا تمثيلية صغيرة يمكن أن تصبح عملا دراميا بامتياز، نشأ عبد الفتاح فى منطقة "الخرنفش" العريقة التى تعد واحدة من علامات القاهرة الفاطمية والتى تقترب من حارة اليهود التى كان يسكنها الغالبية العظمى من عشاق الفن، كان والده واحدا من أكبر وأهم تجار الذهب ويملك متاجر عدة وكان عبد الفتاح فى صباه وبداية شبابه يساعده فى إدارة المحالّ، لكنه كان دائم البحث والتعلق بالفن و "التشخيص" كان يهوى ليل القاهرة ومسارحها، كان ينهى عمله ودراسته ويتسلل ليشاهد فرق الهواة وتعلق بمسرح وفرقة العملاق عبد الرحمن رشدى وحاول أكثر من مرة الالتحاق بأى من أعمالها، حتى استجاب له القدر وجسد دورا صغيرا لفت الانتباه بعدها لشغفه ومحبته وجاب مع فرق الهواة أقاليم مصر حتى اقترب العام 1926 وكان عمره وقتها قد تخطى العشرين بقليل حيث انضم الى مسرح أكبر وأهم ذائع الصيت، هو مسرح الريحانى الذى تلقفه وبلور موهبته ووضعه فى قالب ابن البلد الذى استمر معه كثيرا وحقق من خلاله نجاح كبير فتح أمامه كل الطرق المؤدية إلى علم يعشقه ويحبه ويتقنه هو الفن تاركا تجارة الذهب ليتاجر فى ما هو أهم، الضحك.

من حى الخرنفش ووسط القاهرة الى الزقازيق ومحافظة النبوغ الشرقية، حيث ولد شاعر كان هو الأهم والأكثر إنتاجا وحرفة، الشاعر العامل مرسي جميل عزيز، ولد مرسي فى الزقازيق فى العام 1921 وتربي ودرس هناك وعمل تاجرا للفاكهة كما كان والده، لم ينس وهو الرجل الذى تخصص فى بيع البلح والتفاح وغيرهم شغفه بتنظيم الشعر وبراعته فيه حتى أنه كتب أول قصيدة له وهو فى سن الثانية عشرة، ولحنت له أولى أغنياته فى سن الثامنة عشرة من ألحان العظيم رياض السنباطى، مرسى جميل عزيز لم يترك عمله كتاجر للفاكهة بل امتد شغفه بالفاكهة والتجارة ليزرع أرضا ويحصد محصولها ويكتب أغانيه فى نفس الوقت، كان دائما يقول إن الأرض تمده بإلهام من نوع خاص، فلتحيا الأرض وإلهامها وفاكهتها التى أنجبت من كتب فى يوم فى شهر فى سنة وبتلومونى ليه ويا أمه القمر على الباب وتمرحنة وفات الميعاد ومن غير ليه وغيرها وغيرها الكثيرالتى تخطت الألف أغنية حتى لقب بشاعر الألف أغنية، وليحيا العمل وحبه الذى كان بوابة لكثير من نجوم الفن ومنهم عبد الفتاح القصرى ومرسى جميل عزيز وغيرهم.