السبت 14 سبتمبر 2024

براندينج المدن والعواصم والدول

مقالات22-5-2023 | 10:58

أصبحت إحدى الصناعات ثقيلة السمعة للدول جنباً إلى جانب صناعات وتأثيرات القوى الخشنة والناعمة، هي فن صناعة البراندينج أو " العلامة التجارية" وفقاً لمفاهيم التسويق الحديثة التي تخطت فكرة براندينج الأفراد، للشركات والمؤسسات الضخمة والحكومات، ثم للمدن والدول.

ففي الوقت الذي سجلت فيه حكومة دبي الرقمية نفسها كأول حكومة رقمية على مستوى العالم العربي، وجعلت لتلك المدينة صيتاً ذائعاً على مستوى الخدمات الرقمية، والعمران، والمرافق، والسياحة بشكل عام وسياحة المؤتمرات بشكل خاص، حتى أن العديدين دائماً ما يتصورون أن عاصمة دولة الإمارات هي مدينة دبي لا مدينة أبوظبي، وأحياناً يتخطى خيالهم ذلك فيظنون خطئاً أن المدينة هي ذاتها الدولة.

ومن أقصى الشرق كانت ماليزيا (الدولة حديثة النشأة) ملكية الحكم الإسلامي نظرياً، متعددة الأديان والمعتقدات والأعراق واللهجات عملياً، تسعى للاستحواذ والسيطرة على كل منابع الجذب السياحي لها، مستخدمة في ذلك العديد من منهجيات الترويج والتسويق السياحي العالمي لها، حتى صار شعار Malaysia Truly Asia شعاراً تتغنى به إذاعة البي بي سي في فواصلها بين البرامج.

في حين كانت مدينة نيويورك منفردة قد صنعت منذ سنوات عديدة الشعار الشهير الخاص بها I LOVE NY ، وتلتها في ذلك العديد من الدول والمدن المتروبوليتان، كمدينة باريس صانعة في ذلك شعارها الشهير I Love Paris ومعه برج إيفل، لكن لم تحقق أحداً منها ذات السمعة العالمية التي حققتها مدينة نيويورك المكتظة بالسكان والسائحين والمترددين.

ومن هنا، أجدني كمصرية الجنسية، والجينات، والهوية، والهوى، واقعة ما بين مشاعر يحكمها صراع التعجب والحماس، الألم والإرادة، الحسرة والإصرار، خليط من كل هذا وذاك يصارع بعضه البعض بحسب الموقف ومعطياته، فمصر ما قبل زمن متحف الحضارات، وموكب المومياوات الملكية الذهبية، وما قبل موكب نقل مراكب الشمس من الهرم إلى المتحف المصري الكبير، وإعادة افتتاح طريق الكباش، والأكثر حماساً هو قرب الاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير كأكبر متحف في العالم بمعيار المساحة وعدد وحجم القطع الأثرية المعروضة، بعد انتظار دام لسنوات طويلة تخطت العقد الكامل.

كان يمكن لنا أن نتصور أن الطريق أمامنا مازال طويلاً وعثراً للوصول لبدايات الطريق، أما بعد كل الخطوات العظيمة وشديدة الحرفية تلك على مستوى التخطيط والإعداد والتنظيم والإخراج، وبعد حجم التأثير ووقع هذه الفعاليات على جمهور الخارج من السائحين والداخل من المصريين ذاتهم.

فلا أنسب ولا أكثر ملائمة من هذا العصر الذي نعيش فيه نهضة على مستوى استحضار روح الهوية المصرية بداخل المصريين أنفسهم، وإيقاظ المارد القابع في كل خلية من خلاياهم، لصناعة ما لم لا يمكن مقارنته بأي منتج آخر، فلا أحد ينازعنا ثلثي آثار العالم، ولا أحد ينافسنا في أقدم حضارات الأرض، ولا أحد يضاهينا في أعظم وأرق وأرقى علوم وآداب وفنون الكوكب من علوم وآداب وفنون كيميت .. طيبة .. المحروسة مصر.

أحلم بهذا اليوم الذي أرى فيه تيشيرتات I Love Egypt كبراند/ ماركة عالمية يتهافت عليها القاصي والداني في كل بقعة من بقع العالم، وليس هذا فقط بل براندينج مثل I Love Sphinx و I Love Luxor و I Love Cairo و I Love GEM و  I Love NME و I Love EgyptAir، والقائمة طويلة وثرية من تلك الأمثلة وغيرها من الهويات البصرية الواجب السعي وراء تسويقها، وجعلها قنواتنا التسويقية الشرعية التي تجعلنا بلا منازع في المكان والمكانة التي يستحقها هذا البلد الاستثنائي الامتيازات والقدر والقيمة.

أحلم بمنتجاتنا المصنوعة بالأقطان والكتانات والجلود وخيوط الذهب والفضة من التلّي المصري تغزو الأسواق العالمية بكل رموز حضارتنا المصرية تكسوها، بمدننا القديمة والحديثة، وسواحلنا وشواطئنا وبحارنا ونيلنا وبحيراتنا، بمتاحفنا وأبراجنا، بتراثنا العامر والزاخر بكل الحرف التقليدية ذات الذوق الرفيع على مستوى اختيار الخامات والتصميمات والتصنيع.

 فبلا شك نحن نستطيع .. نعم مصر تستطيع