بقلم : د.رانيا يحيي - عضو المجلس القومى للمرأة
في ظل التحديات التي يمر بها وطننا الغالي خاصة مع انتشار ظاهرة الإرهاب الأسود ووجود أفكار ظلامية رجعية وليدة بالنسبة لمجتمع أساسه الحضارة والثقافة والرقي ودولة علمت البشرية جمعاء العلوم والفنون المختلفة، ومع زحف التيارات الدينية المتشددة التى تحول حياتنا الروحية والاجتماعية لحياة صماء جامدة يتم فيها إقصاء كل ما هو جميل فتضيق بنا همومنا وآلامنا فتتملكنا طاقات سلبية عدائية بات الاهتمام بالتعليم ضرورة ملحة.
ما يعنيني في هذا المقام تعليم الفنون التي بدورها تقضي على هذه الأفكار المتطرفة التي نواجهها يوما بعد يوم، فواقع الأمر أننا في حاجة ماسة لانتشار الفنون بأنواعها المختلفة وعلى رأسها الموسيقى لما لها من دور مهم في تأهيل شخصية الفرد، خاصة بعد أن فقدت حصص الموسيقى في مدارسنا قيمتها نظرا لإهمالها الشديد باعتبارها حصص كمالية رغم دورها الكبير في استعادة منظومة القيم داخل وجدان الطفل وغرس روح الانتماء والولاء من خلال تعليمه الأغنيات الوطنية سواء بالعزف أو الغناء، بالإضافة لأهميتها في اكتساب مهارات حسية تساعد على التركيز والتوازن الانفعالي، إلى جانب تربية الوجدان نفسيا وصحيا عن طريق إفراز مادة الأندروفين التي تخفف من آثار التعب والإرهاق وتستثير مشاعر اللذة والسعادة فتنمي الذاكرة والإدراك الحسى وتضاعف القدرة على الملاحظة والابتكار، هذا بالإضافة إلى أنها تزود الطفل بالمشاعر التي تعزز إنسانيته .
مما لا شك فيه أن التضييق على الحريات وكبت المشاعر ومنع الفنون التي تسهم في الترويح والترفيه عن النفس ما هي إلا صناعة للعنف والتطرف الذي نعاني آثاره، فهذه الشخوص المتأسلمة حرمت من الفن فتولد لديها القبح والدموية والعداء تجاه النفس والمجتمع بل والإنسانية في صورها المختلفة، ولهذا يحضرني قول الفيلسوف العظيم أفلاطون حين قال "علموا أولادكم الفنون ثم اغلقوا السجون" فى إشارة ودلالة على قيمة الفن في تهذيب النفوس والارتقاء بالسلوك والوجدان لصالح المجتمعات .
لذا ونحن على مشارف عام دراسي جديد أتمنى أن يضع د. طارق شوقي، وزير التعليم حصة الموسيقي في دائرة الاهتمام داخل المنظومة التي يعمل على إعادة هيكلتها إن كان لدينا الرغبة في القضاء على الإرهاب بشكل حقيقي، وألا تقتصر مواجهتنا لهذه التحديات على الأساليب الأمنية وحدها رغم أهميتها لكن ينبغى أن تكون بالتوازي مع تشكيل عقول أبنائنا بما يتلاءم مع خطورة هذه المرحلة لاستشراق مستقبل وضاء بعيدا عن كافة أشكال الظلام والتخلف.
ولإيماني الشخصي بهذه القضية التي يجب أن تتكاتف كل الجهود لمحاربتها وضحد تياراتها المعادية للإنسانية، فقد غرست في فلذتي كبدي يحيي وفريدة عشق الفنون منذ نعومة أظافرهما، حيث تعلما الموسيقى والعزف على عدة آلات موسيقية، كما وجهتهما لحب وممارسة فنون أخري كالباليه والأوبرا والفن التشكيلي "التصوير والنحت" وقراءة القصة والقصائد الشعرية ما جعلني مطمئنة على رهافة أحاسيسهما وتدفق مشاعرهما الوطنية خاصة مع صعودهما على مسارح في الداخل والخارج حاملين رسالة الوطنية والدفاع عن هذا الوطن بسلاح الفن المقاوم لكافة أشكال التطرف والذي لا يقل أهمية عن السلاح العسكري الذي يحمله والدهما هو وزملائه في وزارة الداخلية فداء وتضحية لوطننا حتى لو كلفهم أرواحهم .
وأخيرا فالفن عالم من الجمال يتكامل داخل بوتقة الخيال البشري يخاطب حواسه وأفكاره ليصوبها سلميا لبناء مجتمع صالح إيجابي خالي من العنف والتطرف، لذا علينا أن نهتم بقدرات أبنائنا - صناع مستقبل هذا الوطن - ولعلها رسالة أنقلها لكل أم بيقين ليس لديها أصدق قولا أو فعلا من ترجمة تجربتها الشخصية لتؤكد قناعتها، ومن الآن علينا أن نتخذ الخطوات الأولى لاكتشاف المواهب في مدارسنا وننميها ونبني شخصية مصرية متفردة نفخر بها لتأتي يوما حاملة مسئولية مصرنا الغالية، فهم ثمرات الغد القريب لرفع راية السلام والأمان لبلد السلام مصر .