شارك د. محمود الهواري الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية في فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر دور القادة الدينيين في الحفاظ على البيئة والذي ينظمه المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة؛ وذلك بحضور عدد من وعاظ وواعظات الأزهر الشريف ورجال الكنيسة.
وقال الهواري خلال كلمته: إن بعض الناس يرى أن الكلام عن تغيرات المناخ من الرفاهية؛ ولذا يجب أن نصور القضية تصويرا صحيحا، حتى يسهم الناس بفاعلية في مواجهة التغيرات المناخية من خلال تغيير السلوكيات الضارة بالبيئة.
وأضاف إن الإسلام لم يكن بعيدا عن هذه القضية، بل إنه سبق الحضاراتِ الحديثةَ في العنايةِ بالبيئةِ ومكوناتها، والارتقاءِ بها، وحمايتِها من الفسادِ والتَّلوُّثِ، وذلك بوضعِ تشريعاتٍ خاصَّةٍ وضوابطَ محكَمةٍ تتجاوزُ حدَّ المحافظةِ على البيئةِ إلى الإحسانِ إليها، واستثمارِ مواردِها.
وأكد أن أحكام الإسلام المتعلِّقة برعايةِ البيئةِ وإصلاحِها ليست مجرد إرشادات يمكنُ قبولُها أو رفضُها، وإنَّما هي أوامر إلهيَّة، وسنن نبوية يجبُ على المسلمين أن يلتزموا بها بمقتضى قانون الإيمان، ومن قبله حكم العقل، ومَن تأمَّلَ هذه الأوامرَ والنَّواهيَ الَّتي تُعنى بالبيئةِ يرى أنَّها تنتظمُ في سياقٍ لا يجعلُ العلاقةَ بين الإنسانِ والكونِ علاقةَ مسيطِرٍ بمسَيطَرٍ عليه، أو علاقةَ مالكٍ بمملوكٍ، وإنَّما هي علاقةُ أمينٍ بما استؤمنَ عليه.
وأكد أن هذا التصور الإسلامي للبيئة ومكوناتها، وكيفية التعامل معها تعبر عنه عشرات الآيات والأحاديث فضلا عما يحمله تراثنا من مؤلفات خاصة بالبيئة، وفضلا عما يحمله هذا التراث من إشارات جزئية في كثير من الكتب الأخرى التي لا تتعلق بالبيئة مباشرة.
وتابع الهواري قائلًا: إن آية واحدة من كتاب الله عز وجل تكاد تختصر قضية التغيرات المناخية، وهي قول الله عز وجل: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ والآية تشير إلى السبب والعلاج في وقت واحد، وسبب الفساد سلوك الناس، والعلاج أن يتعامل الناس مع البيئة ومكوناتها بمنهج الله ومراده.
وقال: إن الجميع ينبغي عليه أن يتشارك رؤية واحدة من خلال تلك المؤتمرات واللقاءات التي تجمع أطيافًا وثقافات مختلفة وتهتم بهذه القضية، والتي يمكنها أن تصل إلى هدف واحدٍ وتلتف حول عمل مشترك، مما يحقق الخير للبشرية كلها.
وأوضح الهواري أن الدين يُعني بالحياة في كل مكوناتها، فهو ينظم علاقة الإنسان بنفسه وبربه وبالآخرين وبتفاصيل الكون من حوله، فقضية التغيرات المناخية ليست أقل من أي نازلة أو أي حدث أصاب الأرض، والتي آخرها أزمة كورونا التي لم تفرق بين دول العالم ولم تعترف بأي حدود؛ مشيرًا إلى أنه كما وقف العالم بجميع مؤسساته وهيئاته في مواجهة هذا الوباء فعلى الجميع أن يتكاتف لمواجهة هذه القضية الخطيرة.
كما بين أن القادة الدينيين عليهم واجب متجدد لا ينقطع؛ لأن الدين أمرنا بهذا الواجب، فالدين يأمرنا بالإصلاح ويحث عليه، ومن يطالع سير وكتب علماء الإسلام يجد أنهم لم يكونوا منعزلين عن الدنيا، فقد كانت لهم كتب ومؤلفات تتعلق ببعض فروع العلم التجريبي، مؤكدًا أنه ينبغي علينا أن نخرج من هذا المؤتمر بصيغة عملية تخص القادة الدينيين توضح ما يجب عليهم وما ينبغي عليهم تجاه الناس، من جانب إصلاح الكون والحفاظ عليه.
ولفت إلى أن مفهوم الإيمان يتسع ليشمل القلب والعقل والسلوك، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شمولية الإيمان وعمقه فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»، كما قال أيضا: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ». فإصلاح الطريق وإزالة الأذى من علامات الإيمان وثوابه الجنة.