داخل زقاق بحي السيدة زينب تجد محلًا رسم الزمن على جدرانه ملامحه وعبق تاريخه يكتسي بأكوام الورق والكتب والمجلات تنوعت ما بين أدبيات طه حسين والعقاد وأسرار وملفات الحكومة والوزارات وكتب السحر والشعوذة، وسط كل ذلك يجلس "حسين عبدالله" .. شاب عشريني يكمل مسيرة والده أقدم تاجر للورق في مصر، الذي رحل في عام 2008، ليترك لنجله أرث من الورق المتراكم، وتجارة كانت تمثل نقلة حقيقية في حياة والده.. تحول بفضلها من بائع فلافل إلى تاجر ورق معروف منذ عصر الملكية.
حسين عبدالله.. في أواخر العشرينات من عمره، يعمل في محل أبيه لتجارة الورق منذ صغره فالكسب من تجارة الكتب متعة ذاق لذتها ومتعتها منذ الصغر، يروى "حسين" بداية أبيه مع تجارة الورق، قائلًا إنه في الثلاثينيات القرن الماضي كان لدى والدي محل لبيع الفول والطعمية، وكان يشترى الورق لعمل "قراطيس" لبيع الطعمية فكانت الأهالي تبيع الكتب بمقابل مادي لعدم وجود أماكن ليشتري منها الورق في هذه الفترة "وفجأة زادت كمية الورق في المحل وفاضت عن حاجتنا بكثير فكنا ننقله لأماكن أخرى".
مصانع "عبدالناصر" تنعش تجارة الورق
وتابع: "في خمسينات القرن الماضي بعد نجاح ثورة 1952وتشيد مصانع لإعادة تدوير الورق ومع افتتاح أول مصنعين كنا أول الموردين لهذه المصانع حتى الآن".
وكشف أن المصانع تأخذ الورق وتحوله لكراتين بيض أو كراتين عادية ويعتبر الكرتون أخر مرحلة للورق فلا يعاد تدويره مرة أخرى ويبلغ عدد هذه المصانع الآن حسب قوله 30 مصنعًا على مستوى الجمهورية والمصانع التي أتعامل معها توجد في العين السخنة ومدينة أكتوبر ومدينة العاشر من رمضان.
وعن أسعار شراء الورق من الأهالي، يقول: "بنشتري كيلو الورق بجنيه ونصف أو جنيهان حسب نوعية الورق ولونه فلون الورق هو الفيصل في السعر، فورق الطبع ذو اللون الأبيض أغلى من الورق الغامق".
زيادة الأسعار
يؤكد "حسين" أن الأسعار زادت عن السنوات الماضية بكثير ففي الماضي كان سعر الكيلو بنصف جنيه فقط، أما الآن بجنيهان ويمكن أن يصل سعره إلى ثلاثة جنيهات، أما عن المصانع فهي تشترى الورق بسعر 2300 جنيه للطن وبعض المصانع تشتريه بسعر 3000 جنيه.
وعن نوعية الأوراق التي يتم شرائها، لفت إلى أنه يشترى كل أنواع الورق سواء كتب أو مجلات أو جرائد فكل هذه الأوراق تباع للمصانع ويتم إعادة تدويرها لكن بعض المجلات التي تحتوى على ورق بلاستيك شفاف لا يمكن إدخالها إلى ماكينات فرم الورق فنتخلص منها وأحيانًا لا نشتريها، مشيرًا إلى أن بعض المكاتب تشتري منا الكتب الخارجية وتعطيها للمحتاجين بسعر رمزي وأحيانًا دون نقود.
أدب طه حسن والعقاد بـ«ثمن بخس»
أما عن الروايات والقصص التي يحصلون عليها، يقول:" نقوم بتجميعها و بيعها كل يوم جمعة ويتم بيع أي كتاب بجنيه واحد فقط تحت أسم "خدام العلم" ونحن أول من تبنى هذه الفكرة فمعظم تجار الورق تقوم بإعدام الروايات والكتب دون النظر لأهميتها.
ويستطرد: "حصلنا على كتب ثمينة ونادرة ومهمة للغاية مثل أدبيات طه حسين وعباس العقاد ومصطفى أمين وكتب للشعراء القدامى وكتب فلسفة وتاريخ والقديمة، فعملي في تجارة الورق جعلني أدرك أهمية كل ورقة أشتريها ومثل هذه الأدبيات لا تقدر بمال فهي موسوعة علمية وتؤرخ حقبة من الزمن الجميل".
أمين على أسرار الحكومة
يقول حسين: "نشترى أيضًا أوراق الوزارات والحكومات بصفتنا متعهدين وهذه الأوراق تعتبر أسرار الدولة فنرسلها مباشرة إلى المصنع ليتم إعدامها ثم إعادة تدويرها فهي مسئولية كبيرة، وقد نجحت في كسب ثقتهم لأمانتي في إعدام الورق و عدم الاحتفاظ بورقة واحدة".
أما عن كتب السحر، أكد "حسين" أنه يحرقها فورًا ولا أقوم ببيعها للمصانع ولا عرضها للبيع للناس فهذه الكتب تسبب أذى لا نهاية له فيمكن مجرد قراءتها تكون سبب في أذية أي شخص ويمكن أن تستخدم لأذية أشخاص آخرين, وقال: "في إحدى المرات وجدت أحد كتب السحر وجاء شخص ليشتريه وعرض مبلغ مالي كبير حوالي ألف دولار لكنى رفضت فأنا لن أتحمل وزر أذية أي شخص".
وعن عملية فرم الورق والتخلص منها، قال:" بمجرد أن تصبح الأوراق في المصنع يتم إعدامها عن طريق فرمها وتوضع فيما يسمى بالخلاط ويتم عجنها بماء حتى تصبح كالعجينة ثم يتم تشكيلها إما بشكل كراتين لوضع البيض أو كراتين مربعة عادية ثم تدخل إلى الأفران و هذه تعتبر نهاية كل ورقة مهما كانت أهميتها".