مع تطور تكنولوجيا العصر وتوافر جميع وسائل الاتصال، تغيرت العديد من المفاهيم والأساليب خلال فترة قصيرة ولم تعد تقتصر على المواجهة المباشرة بل انتقلت الظواهر السلبية إلى العالم الافتراضي، فظاهرة مثل التحرش لم تعد فقط تقتصر على الأماكن العامة والمواصلات والمضايقات المعتمدة، بل تطورت وانتقلت سريعًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقل التحرش من مضايقات الجسد إلى المصطلحات الكلامية والكتابية وربما تكون تعبيرية في أحيان أخرى.
ويزداد التحرش الإلكتروني يومًا بعد يوم، وسط غياب الرقابة على هذه المواقع، فتطفل الشخص إلكترونيًا ومطاردة الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي وإرسال رسائل غير لائقة لهن أصبح ظاهرة مجتمعية، ويعرّف قانونياً بأنه استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جانب فرد أو مجموعة في إيذاء الآخرين بشكل متعمد.
آلية «فسبوكية» لمواجهة التحرش
لمواجهة تلك الظاهرة المنتشرة، دشن نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" صفحة أطلقوا عليها "حملة مبروك أنت متحرش إلكتروني مشهور" وبالفعل أصبح لهذه الصفحة تفاعل كبير ومتابعون، وباتت ملاذًا للآلاف من الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش اليومي على "السوشيال ميديا"، وتلقت الصفحات مئات الشكاوى والبلاغات باسم المتحرش، وعلى الفور تعرضها الصفحة ثم تبلغ إدارة "الفيس بوك" عن هذا المتحرش لإغلاق حسابه واتخاذ الإجراء المتبع حياله.
الغريب أنه رغم العقوبات الجنائية القاسية التي أقرها القانون المصري ضد مرتكبي التحرش، إلا أن نسبة النساء اللاتي يتعرضن للتحرش في مصر لا تزال مرتفعة، وتصل العقوبة إلى سنة بدلاً من ستة أشهر، ولكن هناك مواطنون كثيرون يجهلون عقوبة التحرش ويعتبرون أن التحرش على مواقع التواصل الاجتماعي واللفظي ليس تحرشًا.
محمود جمال، أحد مسئولي الصفحة يقول لـ«الهلال اليوم» إنهم دشنوا الصفحة على موقع التواصل الاجتماعي للتصدي للتحرش الذي تتعرض له الفتيات من قبل بعض الشباب والمراهقين الذين تجردوا من الأخلاق والقيم المجتمعية والإسلامية، ولا يملكون أي وعي أو دراية ببشاعة ما يقدمون عليه.
وكشف عن أن أغلب الرسائل التي تتلقاها الصفحة رسائل من فتيات صغار في السن يتم ابتزازهم ومضايقتهم، أما المتحرشون فأعمارهم تتراوح ما بين 14 إلى 25 عامًا، بل يمكن أن نرى رجلًا يبلغ من العمر 40 عامًا ومع ذلك يتحرش بالفتيات.
ولفت إلى أن الحل الوحيد للتخلص من التحرش الإلكتروني غير عامل التربية التي يقع على الأسرة هو عدم السماح باشتراك منْ هم دون سن العشرين بمواقع التواصل الاجتماعي، وعندما يبلغ السن المطروحة يكون التسجيل بالرقم القومي مع وضع أحكام رادعة للمتحرشين.
ضحايا التحرش
الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر رغم محاولات عديدة من مستخدمي مواقع التواصل للتخلص من هؤلاء المتحرشين, والأمر يتطلب تدخل الحكومة بالاستعانة بمباحث الإنترنت وفرض رقابة مشددة على مواقع التواصل للتخلص من هذه الآفة.
بسمه محمد، إحدى مستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي تقول: “فيه شباب نفوسها مريضة وتستغل "الفيس بوك" ويبعثون كلامًا غير مهذب للبنات.. وده طبعًا بسبب عدم التربية السوية".
وأضافت سها أحمد، أن مواقع التواصل أصبحت مأوى للشباب أصحاب النفوس السيئة الذين يستحلون الحرام ولا يحاسبون أنفسهم، وأقول لأولياء أمورهم "ربوا أولادكم كويس".
«العربي المريض»
لم تكن حملة "مبروك أنت متحرش إلكتروني مشهور" الأولى من نوعها، بل سبقتها عدة حملات شنتها عدة فتيات أملاً في التخلص من التحرش، حيث دشنت فتاة تدعى هديل أحمد، حملة "العربي المريض" وعرضت بعض الرسائل التي تملأ قائمة "الرسائل الأخرى" وأعلنت أن هذه الحملة لفضح مرضى التحرش.
تقول "أ-م": "مقدرش أنزل الرسائل اللي بتجي لي وأنا مبحبش المشاكل بكتفي إني أعملهم بلوك وربنا يهديهم".
أما منار حسين فتقول: "احنا في مجتمع ذكوري لو اتكلمت هيرموا اللوم عليا مش هيحاسبوا الولد فبفضل السكوت منعًا للمشاكل والكلام الجارح من الناس”.
أماني مخلوف، فتاة عشرينية، تطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتحرش، قائلة: "التحرش الإلكتروني لا يقل خسة عن التحرش الجسدي فنحن لسنا سلعًا أو تسلية لنتحمل كل هذا السخف من أشخاص أقل ما يقال عنهم إنهم مرضى".
التمييز يرسخ ثقافة التحرش
محمد عبد المنعم، الخبير التربوي، يقول لـ«الهلال اليوم» إن التحرش ما زال أكبر مشاكلنا في المجتمع فالخطأ التربوي في تمييز الولد عن الفتاة أثمر التحرش وتسبب في المشاكل الزوجية وغيره، عبر إتاحة جميع متع الحياة للولد وحرمان الفتاة من أقل حقوقها في الاستمتاع بسنها وحياتها مثل الولد.
ولفت إلى أن التمييز بين الجنسين، جعل الشباب يتيحون لأنفسهم فعل ما يحلو لهم حتى وإن كان التحرش بالفتيات بل ويضعون الحق على الفتاة ويحملونها وزر أفعالهم الشنيعة، فالتربية منذ الصغر هي التي تؤسس الشاب في الكبر وتجعله أكثر مسئولية واحترامًا لآدمية الفتاة.
مراقبة أمنية
وكانت وزارة الداخلية وإدارة مكافحة جرائم الحاسبات والمعلومات خصصت عبر الإنترنت مساحة لتلقى البلاغات الخاصة بكافة الجرائم الافتراضية.
وأوضحت الوزارة، أن أكثر الصعوبات التي تواجهها في الجرائم الإلكترونية هي صعوبة التوصل إلى الأدلة الرقمية والتحفظ عليها، فضلا عن القصور التشريعي في تعريف مفهوم الجريمة.
وخصصت الإدارة أرقام هواتف للإبلاغ عن تلك الجرائم التي يندرج منها جرائم التحرش الافتراضي منها استخدام الخط الساخن (108) والذي تم إنشاؤه خلال الفترة الأخيرة.