لشهر رمضان نفحات وبركات لا يشعر بها إلا الصائمون، خير كثير، يزيد ويفيض، آية من آيات الله فى خلقه تحفك فى الشهر الكريم، تغمرك السكينة ويتلبسك الإيمان وتغشاك الرحمة وتعمك الطمأنينة، ويثبتك اليقين بأن خالق هذا الشهر ما خلقه ليعذب خلقه، وإنما ليوسع لهم من كرمه ويزيد من فضله، بلغة البشر شهر رمضان أوكازيون ربانى، منحة من السماء وعطايا من رب الخلائق، لا تسأل فيه عن مال فالأرض ملأى، ولا تبحث فيه عن رزق فكل ينفق من سعته، لم أسمع فى هذا الشهر عن إنسان بات بغير سحور أو صام بغير إفطار، فموزع الأرزاق فى هذا الشهر وكأنه فوض عباده ليعولوا فقراءه وأنزل عليهم جزءا من رحمته تكفى لإطعام البشر، الأخلاق فى هذا الشهر تسمو، وكأن الناس توافقوا دون أن يتفقوا على أنه شهر الأدب، لا نميمة ولا خصام، لا فجر ولا عصيان، لا تحرش ولا منكرات، البارات والملاهى تغلق أبوابها وتصفد، كما الشياطين، فلا مجال ولا تسامح فى غواية الصائمين فى شهر فضيل.
فى الصوم طاقة العمل تتضاعف، لا تعب ولا نصب، فرب الصائمين لا ينساهم، قال خبراء الطقس أن أول أيام رمضان شديد الحرارة، قرأوها بالمعايير العلمية، ونسوا أن الخالق أرحم بعباده من العلم، خاب ظنهم وداعبت نسائم السماء أجساد الصائمين فى أول الأيام لتلطف من صيامهم، تلك هى رحمة الله، سره الذى بينه وبين عباده، لا يطلع عليه أحد، يمنحه لمن يشاء ويحجبه عمن يشاء، فهو وحده يفعل ما يشاء ولا يسئل عن أى شيء شاءه.
والسؤال.. هل تعلم العباد الدرس الرمضانى؟
هل فهموا لماذا جعل ربنا عز وجل أول الشهر رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقًا من النار.
هل أدركوا لماذا جعل الله شهر رمضان فرصة للفوز بالجنة وعصمة للذنوب.
هل وعوا لماذا تصفد الشياطين فى هذا الشهر الكريم.
لو أدركنا وفهمنا ووعينا لكنا أحرص على أن نحقق مراد الله.
لو تعلمنا الدرس الرمضانى، الذى قصده الله لما أسرفنا فى بذخ ولما تباهينا بالإنفاق الزائد عن حده ولاكتفينا بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، ووقتها كان سيزيد الخير ليمتد إلى ما بعد رمضان.
لو فهمنا لماذا أول الشهر رحمة لعملنا مراد الله بأن يكون الشهر فرصة بيننا للتراحم وليس التزاحم، الحب وليس الخصام ، التعاون وليس القتال.
ولو فهمنا لماذا أوسطه مغفرة لزاد حرصنا على أن نتراحم فيما بيننا، أن نسير على النهج الإلهى، الذى ألزم نفسه برحمة عباده فنرحم أنفسنا ونترفع عن الصغائر ونسمو عن الضغائن.
لو فهمنا لماذا الشهر فى آخره عتق من النيران لعلمنا أنه إذا كان رب العالمين سيعتق رقاب عباده من النار بسبب صيام هو الذى قواهم عليه، فمن الأولى أن نقدم نحن المثل فى أن نرحم ونسامح من أساء إلينا ومن تجاوز فى حقنا، ارحم ترحم ، ومن لا يرحم لا يرحم.
لو أدركنا لماذا شهر رمضان فرصة للفوز بالجنة وعصمة من الذنوب لزاد إصرارنا على أن يكون هذا الشهر بداية لحفظ اللسان والجوارح عن الوقوع فى الخطأ والخطيئة وارتكاب المعاصى، فالدنيا لا تستحق صدام ولا قتال ولا مقاطعة ولا معاصى، الدنيا ساعة فلا تضيعها وخصصها للطاعة، والطاعة ليست فقط صلاة وصوم، وإنما عمل بضمير ومعاملة بإحسان ويقين بقضاء الله وقدره، ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك.
لو وعينا لماذا تصفد الشياطين فى هذا الشهر لأدركنا أن مراد الله فى هذا الشهر أن يترك الإنسان على سجيته بلا محرض ولا موسوس، يفعل ما يرضى به ضميره وما تقبله فطرته وما تدفعه إليه غريزته، لكن إن غاب الشيطان فالنفس باقية وهى أمارة بالسوء، وكلما زادت قدرة العبد على كبح نفسه فى رمضان، كلما زادت قدرته على هزيمة الشيطان فى غير رمضان، فالنفس تأمرنا بالخوض فى أعراض الناس، لكن الفطرة ترفض ذلك، والنفس تحضنا على أخذ ما ليس حقا لنا ولو على حساب حق الآخرين، والفطرة السليمة تمنعنا من ذلك، النفس تزين لنا تسلية صيامنا بمتابعة مسلسلات رمضان وشاشات الإغواء، لكن الفطرة تأمرنا بأن نجعل الصيام كاملا مكملا، خاليا من الذنوب التى لن تفلت منها إن جلست أمام مسلسل واحد ممن أفرد مؤلفوها ومخرجوها مساحات غير مسبوقة للعرى واللقطات الخارجة والساخنة، وكأنهم أخذوا توكيلا شيطانيا قبل أن يصفدوا بغواية البشر.
خلاصة هذا الشهر أنه لا يصح إلا الفطرة الدينية السليمة، لا ضرر ولا ضرار، لا خوض فى الآخرين ولا تجنى ولا معاصى ولا قطيعة ولا مقاطعة، لا حيلة فى الرزق، الحق أحق أن يتبع. لكن ..
آه لو فهمنا مراد الله .
كتب : أحمد أيوب