يعيش العالم طفرة تكنولوجية متسارعة تلك الأيام . وظهرت معها أطوار جديدة من التكنولوجيا الغير منضبطة التصرفات ولا ترتبط بأبعاد ومعايير دولية موحدة.
إنني أعتقد أننا لسنا أكثر الأمم تطورًا تكنولوجيا عاش على تلك الأرض . والشواهد تؤكد ذلك. المتأمل للحضارة المصرية القديمة يقف مذهولًا أمام تلك التقنيات الدقيقة فى العلم وهندسة البناء والطاقة . وإن اختلفت المناهج العلمية.. تحدثنا الأديان والآثار القديمة وبقايا تلك الحضارات أن السبب الرئيسي لانتهاء تلك الدورات وزوالها كان الخروج الغير منضبط لتلك الحضارات من طور مساعدة البشر وتسهيل حياتهم إلى عسكرة التكنولوجيا واستخدامها فى فرض النفوذ وتدمير الكون والإفساد فيه .إننا اليوم نسير بغير هدى إلى تلك النهاية كما أعتقد . أصبحت الكثير من حصائد تلك التكنولوجيا تتجه اتجاهًا مباشرًا الى آلات الحرب والدمار وتغيير أنماط الطبيعة فى الكثير من المجالات (الزراعة -المطر - الطاقة –التلوث -..) . إن عسكرة التكنولوجيا وتغيير الأنماط الطبيعية فى الكون ليس له إلا نتيجة واحدة .هى انتهاء تلك الحقبة من التطور العلمي كما حدث فى حضارات الأقدمين, فى هذه الأيام يتردد كثيرًا ما يسمى بالذكاء الصناعي والذى يعرف بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها .
يعرفه جون مكارثي -الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955- بأنه "علم وهندسة صنع آلات ذكية".وخلال السنوات الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، وتعد تقنية "التعلم العميق" أبرز مظاهره، وقد أثبتت تلك التقنية قدرة تلك الآلات على التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة من لغة إلى أخرى، وغير ذلك من القدرات التي أغرت الشركات الأميركية ، وتحديدًا فيسبوك وغوغل، على الاستثمار وتكثيف الأبحاث فيها، متجاهلين تحذيرات من أن تطور الذكاء الاصطناعي قد يهدد البشرية.بالطبع أننا هنا لا نتحدث عن وقف تلك التكنولوجيا أو إلغاؤها . أننا نتحدث عن وضع ضوابط ومحددات دولية تسيطر على تلك التكنولوجيا . تتجرد فيها البشرية وتتكاتف للحفاظ على الطبيعة وعناصر بقاء الجنس البشرى مسيطرًا ومتعايشًا على مناحي الحياة . ومن هنا لابد من تشكيل لجان دولية تحدد سقف ذلك التطور المرعب الذى يقود العالم الى مزيد من العلوم التى قد تؤدى الى نهاية محققة كما فعلت بدورات العلم البشرى للسابقين .
ففي أواخر 2014 أشار عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينغ إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرًا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيًا.
كما أعلن المؤسس والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس في 2015 عن رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حد ما، وقال "أنا في معسكر من يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق".
وفي العام ذاته وصف المخترع والمستثمر الأميركي إيلون ماسك الذكاء الاصطناعي بأنه من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، كما شبه تطوير الآلات الذكية "باستحضار الشيطان".ويستثمر ماسك (مؤسس مشروع صواريخ الفضاء التجارية سبيس إكس، وسيارات تسلا الكهربائية) وغيره ملايين الدولارات في أبحاث لاكتشاف المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معها.
بينما يرى الباحث المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي لدى شركة غوغل وجامعة تورنتو جيوفري هينتون أن الآلات ستوازي الإنسان ذكاءً خلال خمسة أعوام من الآن. كما يرى مؤسس فيسبوك ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ أن الأجهزة ذات الذكاء الاصطناعي ستستطيع يومًا ما أن تتمتع بالحواس الإنسانية مثل الرؤية والشعور أكثر من البشر أنفسهم. كل تلك الأطروحات من جانب المطورين لتلك التكنولوجيا تثير المخاوف من العمل على خلق جنس آلى موازي للجنس البشرى بل ويتميز عنه بأنه لا تؤثر فيه الاحتياجات البشرية التى تسيطر على تصرفاتنا البشرية ( الطعام– التزاوج – الخوف – الموت –الأكسجين ..) أننا وإن صدق هؤلاء المطورون والذى لابد أن تؤخذ مخاوفهم فى الحسابات المقبلة نصنع نهاية بطريقة ما للجنس البشرى ولتلك الدورة العلمية لنا نحن البشر فى هذا الزمان كما فعل بالحضارات السابقة . الخلاصة أننا لسنا ضد التطور التكنولوجى الحالي ولكننا ضد التطور المنفلت الذى لا يلتزم بقواعد صارمة وسقف محدد لتلك التكنولوجيا حتى لا نصنع نهاية مأساوية للعالم بأيدينا نحن البشر.