كتبت- خلود الشعار
اعتبر قانونيون، أن حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بشأن تجريم إصدار أي فتوى من غير جهتها الرسمية، واقتصارها على دار الإفتاء باعتبارها المنوطة بالفتاوى والأحكام الشرعية، مؤكدين أن هذا الحكم ساري ويعاقب منْ يخالفه قبل الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، لافتين إلى أن هذا الحكم سيغلق الباب أمام الفتاوى الشاذة التي تشكك المواطنين في دينهم وتدفعهم للانحراف عن الطريق الصحيح.
وانتشرت عديد من الفتاوى الشاذة والغريبة خلال الفترة الأخيرة، والتي تثير الشك في نفوس المؤمنين، خاصة حول المعتقدات الدينية الراسخة لديهم، والتي تعد بمثابة ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع.
وكانت آخر هذه الفتاوى الشاذة، هي فتوى جواز نكاح الزوجة الميتة ومعاشرة البهائم وعدم تحريم التدخين، الأمر الذي أثار جدلًا في الشارع المصري وأحدث ضجة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
حكم قضائي يمنع الفتاوى الشاذة
فيما أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، الدائرة الأولى بحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، أمس، حكماً قضائيا بتأييد قرار وزير الأوقاف في ضم 67 زاوية لإشراف وزارة الأوقاف في الدعوى رقم 2940 لسنة 11 ق بجلسة 26 يناير 2015، ورد به نصاً خطورة الإفتاء من غير أهله، وناشدت فيه المحكمة المشرع منذ ذلك التاريخ بأن يجرم فعل الإفتاء من غير دار الإفتاء المصرية، وهذا هو دور القاضي الإداري في توجيه نظر المشرع بحسبان القاضي هو القائم على تطبيق النصوص وما يعترضها من أثار خطيرة يكشف عنها الواقع لم تكن تحت بصره أثناء إصدار القانون.
قالت المحكمة في هذا الحكم، إنه نتيجة لإقدام غير المتخصصين من أهل العلم على إصدار الفتاوى غير المسندة وما ترتب عليه من أثار خطيرة سيئة على الأجيال الحالية واللاحقة لما تتضمنه من الإخبار عن حكم الله في مسألة ما، فلا ترقى إلى مستوى الاجتهاد وتوصم بالدعوة إلى الضلال والظلام بما يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضى لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى، ووقى الله البلاد من أخطار شرورها، فإنه يتعين قصر الإفتاء على دار الإفتاء المصرية.
وطالبت المحكمة بضرورة وجود قانون ممارسة الخطابة بتجريم استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية حتى ولو كان مرخصًا له بالخطابة.
تجريم إصدار الفتاوى
المستشار محمد حامد الجمل، الرئيس الأسبق لمجلس الدولة، قال إن الأحكام التي تصدر من محاكم القضاء الإداري نافذة ويجوز الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا رغم نفاذها، مشيرًا إلى أن هذا الحكم يقر من المادة الخاصة بالشرعية القانونية والدستورية بأن هناك جهات دينية متخصصة مسئولة عن إصدار الفتوى.
وأضاف الجمل لـ"الهلال اليوم" أن هذا الحكم يؤكد أن إصدار الفتوى من غير الجهات المختصة أمر مجرم قانونيًا ومخالف للشرعية القانونية والدستورية مما يستوجب العقاب التأديبي، وخاصًة إذا أدت هذه الفتوى إلى إثارة البلبلة والاضطراب في المجتمع، فإنه يحقق المسئولية الجنائية بجانب المسئولية التأديبية، لافتًا إلى أن هذا الحكم يعنى أيضًا أن دار الإفتاء ووزارة الأوقاف مسئولة عن إصدار الفتاوى فقط.
آليات الحكم
وأضاف، أن النيابة العامة ستكون مسئولة عن إقامة الدعوى بناءً على الحكم أمام المحاكم الإدارية المختصة، مشيرًا إلى أن قانون مجلس الدولة وأحكام الدستور تؤكد أن هذا الحكم الصادر واجب النفاذ ما لم يطعن عليه في الميعاد القانوني أمام المحكمة الإدارية العليا، حيث أن الحكم يُدين من يصدر الفتوى غير الجهات المختصة بهذا الأمر، ويعتبر مخالفة تُجيد المحاكمة التأديبية وإذا تضمنت ما يمس الأمن القومي المصري فإنه يحقق المسئولية الجنائية وتحيل النيابة العامة من ارتكب هذه الجريمة للمحكمة الجنائية المختصة.
مخالفات شرعية
الدكتور محمود عطا الله، الخبير القانوني، قال لـ«الهلال اليوم» إن المحكمة الإدارية أصدرت حكمًا يجرم منْ يصدر فتاوى شاذة مخالفة للنظام العام والآداب، ومعاقبة المخالفين وغير التابعين للجهات المختصة.
وأضاف "عطا الله" أنه يتفق مع هذا الحكم، لأن ما يحدث مخالف النظام العام والآداب وإطلاق فتاوى تثير البلبلة والشك في نفوس الناس، وخاصة في الأمور التي تتعلق بالمسائل الدينية والعقيدة، لافتًا إلى أنه لا ينبغي أن يخرج أحد الأشخاص سواء من رجال الدين أو يغيرهم يفسرون أمور العقيدة حسب أهوائهم الشخصية.
وأوضح، أن أغرب الفتاوى الشاذة هي اعتبار ذبح الحيوان في عيد الأضحى المبارك إهدار لحقوق الحيوان، فهي تمس المعتقد، مؤكدًا أن المنطقة الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان كفلت حرية العقيدة لكل إنسان سواء كانت عقيدة إسلامية أو مسيحية أو غير ذلك من الأديان السماوية، فضلًا عن أنه جرم المساس بعقيدة الآخرين.
شذوذ الفتوى
وأكد الخبير القانوني، أن أي فتوى تصدر وتخالف العقيدة تعتبر فتوى شاذة، طالما خرجت من غير آلية، وهناك وزارة الأوقاف ومفتي الجمهورية ورجال الدين المتخصصين ولا يستطيع أي منهم الامتناع عن إصدار أي فتوى، تتماشى مع الكتاب والسنة من الناحية الإسلامية، كما أن هناك رجال دين مسيحيين أيضًا لن يمتنعون عن إصدار فتوى تمس العقيدة المسيحية، بالإضافة إلى وجود متخصصون في هذه النواحي.
ولفت إلى أن علماء الدين والجهات الرسمية تمارس عملها فلا يجب أن تصدر الفتوى إلا من أهلها، دون أن يخرج أي شخص تحت مسمى حرية الرأي ويصدر شيء مخالف للتعاليم الإسلامية، مشيرًا إلى أن الدستور المصري أيضًا جرم الخروج عن النظام العام والآداب، وهي التي تشمل أي شيْ يخالف العرف والتقاليد، وبالتالي أيضًا أي فتوى تخالف العرف والتقاليد، فيجب أن تكون مجرمة بالفعل.