بقلم – سناء السعيد
ماذا حدث للمجتمع المصرى؟ البطالة متفشية.. الشباب يعيش فراغا قاتلا.. مستوى التسطيح بلغ ذروته.. التفاهة باتت هى العملة المسيطرة.. أفلام ومسلسلات تخاطب الجنس.. فضائيات زاعقة غابت عنها الموضوعية وحشرت نفسها فى الترهات، وكأنما كتب على مصر وشبابها العيش فى هذا الجو المسموم، إنها دعوة صريحة للشباب كى يستنفد طاقته عبر حالة من عدم الاكتراث قد تسوقه إلى دائرة المخدرات أو العلاقات غير الشرعية أو إلى معاملات مشبوهة ومتطرفة، وكأنما أصبح هذا المناخ ترسيخا للواقع المهزوم لمجتمع مصر فى القرن الحادى والعشرين.
تراجعت الثقافة وانحسرت الجدية وامتطى الهزل قمة الواقع المصرى الذى وصل اليوم إلى الحضيض. ونتساءل هل هذه مصر التى يتحدثون عنها كدولة رائدة، ويخلعون على إعلامها صفة الريادة ويتحدثون عنها كواجهة للديمقراطية؟ لقد تحولت الديمقراطية إلى فوضى تعشش فى أرجاء المجتمع، وتحول الفن إلى ساحة لمخاطبة الغرائز عبر أفلام تعكس العهر والمجون، ومسلسلات زاخرة بإيحاءات الرذيلة والمتعة الرخيصة والانحراف وتعاطى الهيروين، بالإضافة إلى أغانى الفيديو كليب التى تعكس الرخص، ونتساءل : لماذا يتم عرض النماذج الهابطة وكأننا نمنحها الشرعية لكى تسود وتصبح نموذجا يحتذى به؟، أما يكفى شباب اليوم الصدمة التى اغتالت أحلامه، فلم يجد العمل بعد تخرجه ووجد نفسه يرتع فى فراغ قاتل قد يدفع به تلقائيا نحو الانحراف خاصة أن كل ما حوله يغريه بذلك؟.
لقد سقطت القيم واختلطت الأوراق وعمت الفوضى ولم يعد هناك متنفس للجدية والجودة، إنها أزمة طاحنة يمر بها الشباب، فماذا عساه أن يفعل إزاء موجة الاستهتار والتدنى التى تحيط به ولا يملك إلا مجاراتها إضاعة للوقت ودفنا لمشاكله وهمومه، ينظر الشباب حوله فلا يجد القدوة بعد أن باتت عملة نادرة اليوم، ترنحت وتداعت أمام ما أسميناه بالعولمة التى استقينا منها كل ماهو رديء وغث وانصرفنا عن الجيد، شجعنا الشباب على تطبيق مبدأ الروشنة، أخذنا المصطلح والقاموس الجديد لكى نترجمه عمليا فى مسرحيات وأفلام مملوءة بالإسقاطات الجنسية والفحش، إغواء قسرى اندفع نحوه الشباب كمتنفس أمامه ينتشله من حياة يعيشها بلا هدف وبلا مستقبل، لا أدرى كيف يمكن لأى إنسان حل هذه المعادلة؟، وماذا عساه أن يكون مستقبل هذا الشباب المطحون الباحث عن عمل بلا جدوى؟ لابد أن يكون المستقبل هنا مظلما سوداويا، فليس هناك ضوء فى نهاية النفق.
الوقت يجرى والحياة تمر والفرص ضائعة، فلا وجود لفرصة أصلا بالنسبة لهؤلاء.. لا فى العمل ولا فى الأسرة ولا فى المجتمع. أين المفر؟، وفجأة تطل علينا أخبار العمولات والسرقات والرشاوى، كبار يتورطون فى الفساد ينهبون المال العام بالرشوة، هؤلاء كان من المفروض أن يكونوا قدوة ولكنهم استغلوا مناصبهم للاستزادة، رغم أنهم لم يكونوا بحاجة إلى أموال؛ حيث يتقاضى الواحد منهم آلاف الجنيهات فى الشهر موزعة بين الراتب والحافز، ولكنها النفس الأمارة بالسوء، والطمع والجشع والجرى وراء المادة، لقد بدا من الصعب عليهم الوصول إلى حد الإشباع، فالنهم هو المحرك للأسف حيث إن صاحبه لا ينظر للعواقب ولا للفضائح التى قد تحيط به ولا للألسنة التى ستلوك سمعته، هنا تبرز المسئولية المناطة بالدولة وبالحكومة وبالجهاز فى أى مؤسسة من خلال حسن اختيار من يعمل بها ومن خلال المراقبة والمحاسبة؛ لأن من ستختار سيعمل للصالح العام، ويختلف الأمر كثيرا بين إنسان يعمل فقط من أجل نفسه ومصلحته، وإنسان يعمل من أجل نفسه ومن أجل الصالح العام معا، ولو تحقق هذا ما ظهر الفساد ولا استشرت الرشوة، وما ظهر نهب المال العام، وما انهارت العمارات، وما وقعت الجريمة.
آن الأوان لنقف وقفة جادة نتدبر فيها أمورنا ونراجع فيها قضايانا بروح جديدة، ذلك أننا إذا لم نعالج المسائل بوقفة صريحة وواضحة فإن الأمور ستزداد تفاقما وستتراكم مشاكلنا، ولهذا علينا مراجعة ما يسود واقعنا اليوم من أوضاع مغلوطة ومعايير مقلوبة ومفارقات مضادة حتى نتلافاها، وحتى نصل إلى درجة الرضا عما نحن فيه، وحتى يكون هناك عندئذ الدواء الشافى لكل داء......