بقلم – مدحت بشاي
قد يكون أمر تناول الإعلام الدينى، والحديث عن مهنية من يعملون فى إعداده وإخراجه فى احتياج لمراجعة رأى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين والميثاق الذى وضعه عند تقييم المراجعة الفكرية والنقدية للآخر... يقول العميد لصحيفة دينية مسيحية «أنا رجل متردد موسوس فى الأدب إن صح هذا التعبير، لا أستسلم للنظرة العاجلة، ولا أميل للانفعال السريع، ولا أعتمد على التأثر الأول، ولا يخدعنى جمال العنوان، وإنما أبحث عما وراءه، وأبحث مع شيء من سوء الظن غير قليل، وهل يمتاز الناقد بشيء كما يمتاز بسوء الظن!، وهل تصدق الناقد الذى يستحق هذا الاسم إن زعم لك أنه يقرأ ما يقرأ من الآثار مُحسناً بها الظن مُصطنعاً فيها التفاؤل؟.. كلا،
الناقد سيئ الظن قبل كل شيء، وسوء الظن غير سوء النية، فأنا أقرأ ما أقرأ ونيتى حسنة كل الحسن خالصة كل الخلوص، وظنى سيئ أشد السوء، أقرأ وأن أتهم الكاتب الذى أقرأ له وأخافه على نفسى، وأشفق أن يخدعنى وأن يسحرنى بصناعته، وأحرص الحرص كله على أن أحتفظ بكل ما أستطيع أحتفظ به من اليقظة لأراقب ما سيتركه الكاتب فى نفسى من الآثار، ولأحلل هذه الآثار، وأردها إلى أصولها وأصدر فى حكمى عليها عن شعور صادق وروية غير غافلة...»، انتهى الاقتباس من كلام طه حسين..
على مدى حقب كثيرة، كان لدى أقباط مصر شكوى دائمة من تغييب أمر طقوس وعبادات دينهم بشكل عام عبر كل وسائل إعلام بلدهم، إلا عند حدوث كوارث طائفية، عندها تتبارى الفضائيات والصحف، وعلى الفور نستقبل نحن الكتاب ومعنا كل أهل الرأى الأقباط مكالمات كوميدية من قبل شباب غلبان من أسر إعداد برامج المساء والسهرة، ويكون الحوار التالى:
ــ حضرتك فلان الكاتب القبطى؟
ــ كاتب وبس لو سمحت، ولو قدمتِنى مذيعتكم بغير كده هتلاقينى بره الاستوديو، إيه التصنيفات الدينية دى للناس والمهينة بالشكل ده؟!
ــ آسفين يا أستاذ، لكن حضرتك بصفتك كاتب قبطى ...
الكاتب مقاطعاً
ـــ تانى، مافيش فايدة، عموما اتفضل قول..
ويتحدث المُعد الشاب لاستكشاف رأى الكاتب فى قضية جدلية حول موضوع أو حادث له بعد طائفى، وإذا كان رأى الكاتب يخدم ويتماهى مع هواية مقدم البرنامج فى توليع الحلقة حتى لو جاءت على حساب الصالح العام وضد فكرة انتصار الفكر التنويرى، تتم دعوة الكاتب للمشاركة فوراً فى الحلقة، وباكتشاف غير ذلك يُرفض وجود الضيف تحت الاختبار...
الملف القبطى من الملفات التى لاقت فى الفترات الأخيرة الاهتمام المعقول والملحوظ إلى حد قيام جريدة بتخصيص صفحة يومية لتناول أخبار الكنيسة وكل القضايا المثيرة للجدل وتهم المواطن المسيحى والأسرة القبطية، بالإضافة لملحق أسبوعى لعدد من الجرائد...
لاشك أن معظم من يعملون فى الملف القبطى غير محترفين على المستوى المهنى والمستوى المعرفى والمعلوماتى بنسبة ملحوظة للأسف، لذا يجد المتابع لهم انتشار أخطاء كثيرة فى متن المواد المختارة ومناسبة طرحها، وتجد أن هناك أسماء غير مؤثرة بالمرة يعتمدونها كمصادر لهؤلاء الصحفيين، مما يفقد الملف أهميته وتأثيره، وعلى الجانب المعلوماتى تجد أن الكثيرين ليس لديهم معلومات كافية عن أحوال الكنيسة والكهنة والأساقفة والأقباط عمومًا.
وهناك صحف تعى دورها التثقيفى والتنويرى بتناول موضوعى نبيل ومتجرد من أى انتماء فكرى أو دينى ومذهبى، ويقدم للقارئ ما يسد الفراغ المعلوماتى عن الحالة التى عليها الشأن القبطى، والذى قد تساهم الإدارة الكنسية ذاتها فى الأزمة بغلقها أبواب التواصل اليسير مع وسائل الإعلام..
ولدينا للأسف صحف تناصب الأقباط ومشاريعهم الروحية والوطنية العداء بشكل مستفز ودائم للأسف، وهى بالطبع الموالية لتيارات أهل الشر من أبناء عصابات كراهية الوطن..
وكمان عندنا إصدارات تعمل على طريقة (قلل من النذر وأوفى)، فيكتفى بإبداء المجاملات الطيبة فى المناسبات، إنها صحف المناسبات الحاضرة بالأقنعة الطيبة الرومانسية..
أيضاً ونتيجة لندرة الإصدارات الصحفية القبطية الخالصة التابعة للكنيسة أو غيرها والتى يمكن تداولها فى سوق الصحافة المصرية (هى جريدة وحيدة «وطنى» ولديها التزامات وعليها تفرض ضوابط كنسية)، تضيع على صفحاتها فرصة إقامة حوار نقدى بين الإكليروس والعلمانيين لصالح تطوير وتفعيل نظم الإدارة الكنسية وسبل تواصلها مع الناس والدولة وإلقاء الدور الوطنى الرائع الذى تلعبه دوماً، وهو الأمر الذى كانت تتيحه العديد من الإصدارات الكنسية فى أزمنة الحب الإنسانى على أرض الوطن..
وإلى كنيستنا العتيدة وإلى منابر الإعلام الدينى بشكل عام والمسيحى بشكل خاص أهدى إليهم نموذجاً مما كان يكتب على صفحات إصدار كنسى رائع مثل مجلة «مدارس الأحد» وغير المسموح به لإصدار «وطنى» المسكين واللى بيعيش فترة هى الأضعف فى تاريخه للأسف!!!
جاء فى عدد فبراير ١٩٤٩ (أى منذ ٦٩ سنة) لمجلة مدارس الأحد المقال التالى الذى حرره شباب الكنيسة موجها لقداسة البطريرك فى زمانهم.. كتبوا..
إلى حضرة صاحب الغبطة البابا المعظم..
نتقدم إليك، نحن أبناؤك الشباب بكل ما يفيض به قلب مخلص خاضع، يكن لك وللكنيسة كل حب وكل احترام، ويا ليتنا يا سيدنا كنا نستطيع أن نحدثك فماً لفم، إذن لرأيت هذه المحبة وهذا الاحترام واضحين جليين، ولكن الدخول من بابك صعب عسير، فنكتفى بالكتابة، علّ حديثنا يصل إليك.
إننا نريدك أن تفهمنا، إن رسالتنا هى الدفاع عنك وعن سلطانك كبابا للكنيسة، وكراعٍ لها، اقرأ يا سيدنا ما كتبناه عن الأنبا كيرلس الرابع فى هذه المجلة بالسنة الأولى العدد ٨، واقرأ ما كتبناه عن تاريخ المجلس الملى فى العدد ٧ من السنة الثانية، واقرأ ما كتبناه عن أن مشاكلنا لا تحل فرادى، فى نفس العدد بل اقرأ العدد كله يا سيدنا، وحينئذ تفهمنا جيداً، ولكنهم يخيفونك منا يا سيدنا ويصوروننا لك بصور تنفرك من أولادك، ولو أنحيتهم من الطريق، وفتحت لنا بابك ولو تفاهمت معنا وفهمتنا، لظهر لك جلياً أنهم مخطئون.
بل إننا نخاف عليك يا راعينا المحبوب منهم، كيف تستطيع أن تعيش وسط قوم يعرفون كيف يمسكون العصى الغليظة، والفؤوس يهددون بها .. ؟ كيف تستطيع ــ وأنت الراعى الوادع ــ أن تسكن وسط قوم يعرفون أن يمسكوا الحجارة الضخمة يلقونها فى وجوه من يريد زيارتك .. ؟ لماذا تجربنا يا سيدنا، أتريدنا أن نخضع لمن لا يليق له الخضوع .. ؟ أتريدنا أن نطيع من ليست لديه معرفة..؟
أقصهم بعيداً يا سيدنا ولا تدعهم يقفون بباب بيت الله ورئيس رعاته قبل أن يتعلموا الإيمان، وتصرف أنت بحرية، واستلهم روح مرقس وأثناسيوس.
هل نسيت يا سيدنا الحماس الدافق، والهتاف الذى تعالى حينما أشرقت علينا، بيدك الصليب تباركنا..؟
ألم تسمع اسمك المحبوب يُردد وحياتك يُهتف بها؟ هؤلاء هم أولادك وهذه هى روحهم، إننا ننتظر الخلاص من الرب على يديك فتقبل منا محبة عميقة، وإخلاصاً واحتراماً لمقامك الرسولى.
شباب مدارس الأحد
لاشك أن الملف الصحفى الذى يتعرض لأحوال الكنيسة والأقباط فى مصر، والذى تناولته كل الصحف بكافة الأشكال هو ملف شائك، ويطرح العديد من علامات الاستفهام .. أيهما أفضل أن يشرف ويحرر ملفات الشأن القبطى أقباط فقط أم مع إخوتهم شركاء الوطن، ويبقى فى النهاية ملف مصرى لمتابعة أخبار مؤسسة مصرية؟، ولماذا يتصور البعض أن مثل هذه النوعية من الإعلام الدينى قد تساهم فى زرع بذور الفتن بين الناس؟.. ولماذا تهاجم بعض الصحف الكنيسة دون وعى ودون معلومات موثقة؟..، وهل الصحف تخصص ملفا قبطيا بهدف التوزيع أم الإيمان المخلص الحقيقى بهموم الناس وأحلامهم فى تحقيق «المواطنة الكاملة» على أرض مصر الطيبة؟، وما مشاكل الملف القبطى فى الصحافة المصرية؟، وما سقف الطموحات الأجمل فى مجال تناول الملف القبطى؟.... حول كل تلك الأسئلة لدىّ أمل التعامل معها فى عدد قادم بإذن الله على صفحات محبوبتنا «المصور».