زيارة رئاسية هي الأولى من نوعها للرئيس الموريتاني محمد ولد الغزوانى منذ توليه المسئولية إلى مصر في الرابع من يونيو الجارى ولمدة ثلاثة أيام أجرى خلالها محادثات رئاسية مع الرئيس عبد الفتاح السيسى. وأنه مع تنوع القضايا محل المناقشات والحوارات والتي شملت أبعاد سياسية على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية، وكذلك أبعاد أمنية وعسكرية بشأن الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية بصفة عامة ومنطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص، فقد برزت الملفات الاقتصادية لتحظى بالأولوية، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى في معرض حديثه الموضوعات محل المباحثات مع الرئيس الغزوان، إذ ذكر أنه قد تم الاتفاق على تطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، وهو التعاون الذى يجد تطبيقا عمليا له في اللقاءات التي عقدها الوزراء والمسئولين من البلدين على هامش تلك الزيارة، وكذلك فيما تم التأكيد عليه بالاتفاق على عقد اللجنة العليا المشتركة على مستوى وزيري خارجية البلدين في يوليو المقبل، بهدف التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات، الأمر الذى من شأنه تعزيز أطر التعاون والشراكة المصرية الموريتانية.
والحقيقة أن الاهتمام المصرى بالشقيقة الموريتانية لم يكن وليد اليوم، إذ يحمل التاريخ في صفحاته العديد من الاخبار والحقائق التي تعكس حجم التعاون المصرى المورتيانى والدور المصرى الداعم للدولة الموريتانية وشعبها منذ بدايات الاستقلال في ستينيات القرن المنصرم، وهو الاهتمام الذى ظل متواصلا في العقود الماضية وإن شهد تراجعا خلال فترة الأحداث التي وقعت في المنطقة في بداية العقد الثانى من هذا القرن، إلا أنه سرعان ما استعادت علاقات البلدين زخمها وقوتها، بل كانت المبادرة التي أقدم عليها البعض بتأسيس شركات استثمارية وبناء شراكات مجتمعية مع الجانب الموريتانى واحدة من هذه المؤشرات الدالة على حرص المجتمع المصرى سواء على مستوى رجال الأعمال والمستثمرين أو على مستوى مؤسسات المجتمع المدنى، بأن يكون له تواجد حقيقى في الساحة الموريتانية، واضعا أسس حقيقة لبناء شراكات تعاونية واستثمارية بين البلدين بما يُسهم في نهضة الشعب الموريتانى، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، كان لشركة مصر موريتانيا للتنمية وإدارة المشروعات خطوات حقيقة في مجال التعريف بالفرص الاستثمارية التي يتميز بها الاقتصاد الموريتانى خاصة في ظل ما قدمته مدونة الاستثمار التي أصدرتها الحكومة الموريتانية وتحمل العديد من المزايا والاعفاءات الجاذبة لرؤوس الأموال للاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية بدءا من الزراعة والثروة الحيوانية والداجنة، مرورا بالسياحة والثروات التعدينية وصولا إلى الطاقة وتحديد الغاز الطبيعى ، حيث تمثل الاكتشافات الجديدة منه في المياه الموريتانية موردا مهما لرفد الاقتصاد الموريتاني بعوائد طائلة تُمكن الدولة من بناء أسس جديدة في جمهورية جديدة، وهذا الملف على وجه الخصوص يحظى باهتمام كبير إقليميا ودوليا في ظل ما يواجهه سوق الغاز من اضطرابات منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022.
ملخص القول إن زيارة الرئيس محمد ولد الغزوانى إلى القاهرة تحمل عدة ملفات في أجندة اللقاءات، وإن ظل الملف الاقتصادى الأهم من بينها خاصة وأن هذا الملف يتشابك مع العديد من الملفات الأخرى سواء الثنائية بين البلدين، أو الإقليمية على مستوى الجوار، أو العالمية على مستوى الأزمات التي تواجهها مختلف الدول اليوم وخاصة أزمتى الغذاء والطاقة وتداعياتهما على الامن والاستقرار، إذ يمكن أن تلعب موريتانيا بمواردها المتعددة دورا مهما في هذا الصدد، وتأتى هذه الزيارة لترسخ الدور المصرى في نهضة الشقيقة الموريتانية.