بقلم – عبداللطيف حامد
ملاك المدارس الخاصة لا يراقبون فى أولياء الأمور إلا ولا ذمة، يتحايلون بطرق شتى، وأساليب ملتوية لرفع المصروفات، يتجاهلون ضيق الحال، وصعوبة الظروف المعيشية كتوابع لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، ويصرون على مد أيديهم فى الجيوب الخاوية أصلا؛ بحثا عن مزيد من المكاسب.
الغاية تبرر الوسيلة، فهم لا يعدمون الحجج عبر مجموعة من البنود التى ما أنزل الله به من سلطان، من اليونيفورم الذى يتراوح من نحو ألف جنيه فى أقل التقديرات إلى أكثر من ٥ آلاف جنيه، ثم الأنشطة التى تبدأ من عدة مئات من الجنيهات إلى قرابة ٧ آلاف جنيه، وفقا لطبيعة كل مدرسة، والحالة المادية للتلاميذ، بل هناك بند غريب فى بعض المدارس يسمى تأمين الكتب، ويصل إلى ٤ آلاف جنيه دون ضابط ولا رابط، واضح أنهم -ملاك المدارس الخاصة- يتعاملون بالمثل الشعبى «اللى غاوى ينقط بطاقيته»، متناسين أن كثيرا من الآباء والأمهات يدخرون من أقواتهم لتعليم الأبناء، يشتركون فى الجمعيات، ويلجأون للقروض مضطرين، يستثمرون فى تعليمهم، لا يريدون عقارات ولا مدخرات فى البنوك.
لكن البند الأخطر أو «الفخ» - إن صح التعبير - يتمثل فى الأتوبيس المدرسى أو الباص، أصحاب المدارس يتحايلون على قرار وزارة التربية والتعليم بألا تزيد المصروفات على نسبة تتراوح من ٥ فى المائة إلى ١١ فى المائة، على أن تقل كلما زادت قيمة المصاريف، بالتأكيد هذا لا وجود له بل العكس هو الصحيح، فمع ارتفاع الفاتورة ترتفع وتيرة الزيادة بدرجة مرعبة، تخيلوا أن المدرسة التى لا تتجاوز مصاريفها ٦ آلاف جنيه، تكون رسوم الاشتراك فى الباص ٤ آلاف جنيه، والأغرب أن تلك التكلفة تصل فى بعض المدارس إلى ١٢ ألف جنيه فما فوق، وما مدارس مصر الجديدة ومدينة نصر والتجمع الخامس وغيرها ببعيد، وجروبات الأمهات على الواتس آب والفيس بوك وحتى برامج التوك شو مملوءة بالشكاوى، والاستغاثات، لكن من يسمع ومن يستجيب؟.
بكل المقاييس لا يمكن تبرير أو قبول هذا المبلغ، خاصة أن حالة غالبية تلك الباصات «لا تسر عدو ولا حبيب»، وعمرها الافتراضى انتهى، وهذا ليس سرا، فهى تجوب الشوارع والميادين رايح جاى، وعلى وشك يبان يا نداغ اللبان، وكافة الجهات من شركات ومؤسسات عامة وخاصة لديها باصات أفضل لنقل الموظفين يوميا، بينما لا يدفع الموظف سوى مبلغ زهيد فى حدود ٣٠٠ جنيه شهريا - حسب معلوماتى-أى أن الشهور الستة للدراسة تعادل نحو ١٨٠٠ جنيه فقط، فما أسباب الفارق الشاسع بين الحالتين رغم أن الأول يتم تكديس التلاميذ فيه على بعضهم، وتستمر رحلته لقرابة ساعتين صباحا ومساء، وبلا تكييف مما يجعل الطفل يصل إلى مدرسته أو بيته «بيفرفر» من طول المشوار، إلى جانب خطورة قيادة السائقين أصحاب المزاج، باعتراف صندوق مكافحة الإدمان الذى يواصل حملاته كل موسم دراسى للكشف عن تعاطى المواد المخدرة بين سائقى حافلات المدارس بالعديد من المحافظات، بالتنسيق مع الإدارة العامة للمرور، والإدارة العامة لمكافحة المخدرات والإدارة المركزية للأمن بوزارة التربية والتعليم، والأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، وإحالة من يثبت تعاطيه للمخدرات للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وزارة التربية والتعليم نظريا وعلى الورق تتخذ العديد من الإجراءات للسيطرة على زيادة مصروفات المدارس الخاصة والدولية، ومراقبة كل «الألاعيب» عفوا البنود، للتخفيف عن كاهل الأسر المصرية لكن ما يحدث على الأرض مختلف تماما، فرغم أن القرار الوزارى ينص على إلزام المديريات التعليمية بمتابعة المدارس الخاصة والدولية لمنع زيادة أسعار الزى المدرسى أو تغييره لإجبار ولى الأمر على الشراء من أماكن محددة، نجد أن هناك الكثير من المدارس ضربت بهذا الأمر عرض الحائط، ونفس السيناريو تكرر مع أتوبيسات المدارس، فالوزارة ألزمت المدارس بعدم زيادة أسعار أتوبيساتها أكثر من ١٠ فى المائة بعد زيادة سعر المحروقات، ولا تتجاوز التكلفة الفعلية ومصروفات التشغيل، لكنها ــ الوزارة ــ تعلم علم اليقين أن هذا مجرد كلام، ولا تمتلك أى آليات لتطبقه، فهو الباب الخلفى المفتوح على مصراعيه لرفع المصروفات المدرسية للتهرب من لوائح الوزارة، وتعليماتها التى تذهب سدى.
يقول بعض المسئولين فى الوزارة: «اللى مش قادر على متاعب المدارس الخاصة ينقل للمدارس الحكومية سواء قومية أو تجريبية أو عادية»، والرد لا يحتاج لعناء، ويجسده المثل الشعبى المعروف «إيه رماك على المر، قال اللى أمر منه»، فالمدارس القومية صاحبة السمعة الحسنة تحتاج للوساطة والمحسوبية، ودفع الرشاوى فى أحيان كثيرة، ولا يحدث المراد، أما التجريبيات عددها قليل فى معظم المحافظات، ويدخل التلميذ المرحلة الابتدائية بعد تجاوز السنة الثامنة، ومستوى التعليم فيها يتراجع باستمرار، أما عن المدارس الحكومية التقليدية فحدث ولا حرج، فلا تربية ولا تعليم فى الغالب منها، وبالتالى لم يعد أمام أولياء الأمور إلا طريق المدارس الخاصة، كل آمالهم وأحلامهم فى النوم واليقظة حصول الأبناء على تعليم جيد، يفتح لهم سوق العمل خوفا من الوقوف فى طابور البطالة الطويل فى ظل تخريج ملايين من الجامعات والمدارس غير مؤهلين.