السبت 6 يوليو 2024

الأسئلة الشائكة فى المصالحة الفلسطينية

24-9-2017 | 21:28

بقلم – عبدالقادر شهيب

أكثر من سؤال تثيره التطورات الإيجابية الدراماتيكية فى مسيرة المصالحة الفلسطينية التى ترعى مصر مفاوضاتها، وهى التى تتمثل فى إعلان حماس موافقتها على حل اللجنة الإدارية التى تدير قطاع غزة ودعوتها حكومة الوفاق الوطنى لممارسة مهامها فيه، وأيضا موافقتها على إجراء الانتخابات العامة، وفى المقابل ترحيب السلطة الفلسطينية وحركة فتح بذلك والموافقة على الدخول فى مفاوضات مباشرة مع حركة حماس حول آليات تنفيذ ذلك ومواقيته لتحقيق المصالحة الفلسطينية المنشودة.

ويتصدر قائمة الأسئلة التى تثيرها هذه التطورات الإيجابية والدراماتيكية ذلك السؤال الملح الذى يجمع عليه كثيرون وهو: هل تصدق حماس هذه المرة وتنفذ بالفعل تعهداتها الجديدة التى أعلنتها بعد جولات من المباحثات مع الجانب المصرى تولاها جهاز المخابرات المصرى؟ .. ويقترن بهذا السؤال سؤال آخر لا يقل أهمية وهو: هل تتوقف إسرائيل وقوى إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران ومعهما قطر عن محاولات تخريب الجهود التى تسعى لتحقيق المصالحة الفلسطينية.

والسؤال المتصدر لقائمة الأسئلة الشائكة فى عملية المصالحة الفلسطينية سببه تاريخ طويل من مماطلات حماس ورفضها تنفيذ تعهداتها وتنكرها لها فيما بعد بحجج مختلفة، وأيضا تاريخ طويل سيئ من السلوك الذى انتهجته حركة حماس ليس تجاه حركة فتح وحدها أو بقية الفصائل الفلسطينية وإنما تجاه مصر أيضا، ولعبها على كل الحبال الإقليمية.. حيث استقوت فترة بتركيا وفترة أخرى بإيران، واحتفظت بعلاقات طيبة دوما مع قطر التى حاولت استخدامها للنيل من مصر ومكانتها، بل ولسحب ملف القضية الفلسطينية من اليد المصرية.

فمنذ أن حدث الانقسام الفلسطينى وانفردت حماس بالسيطرة على قطاع غزة وطردت السلطة الفلسطينية منها، ومحاولات إنهاء هذا الانقسام لا تتوقف.. ورغم أن مصر رعت الأغلبية الأعم من هذه المحاولات، إلا أن بعض القوى العربية والإقليمية زاحمت مصر فى هذا الصدد لتوجيه حركة المصالحة فى اتجاه تحقيق مصالحها أو بالأصح مطامعها الإقليمية.. وقد أثمرت هذه المحاولات عن التوصل إلى اتفاقات محددة، كان أبرزها اتفاق ٢٠١١، الذى تم التوصل فيه إ لى تشكيل حكومة اتفاق وطنى تجرى انتخابات جديدة فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة .. غير أن هذا الاتفاق مثل ما سبقه وما لحقه من اتفاقات لم تنفذ لأن حماس أثارت عراقيل ومارست مماطلات واسعة للتنصل من التزاماتها..فهى لم تكن ترغب فى التنازل عن سلطتها وسيطرتها على قطاع غزة، بل لعلها كانت تسعى إلى تحويله إلى دويلة فلسطينية صغيرة، رغم أن ذلك كان يهدد الحلم الفلسطينى فى دولة مستقلة تقام على كل أراضى الضفة وغزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

بل لقد وصل الأمر فى بعض الأوقات، وتحديدا من وصول جماعة الإخوان إلى حكم مصر إلى أن حماس ألمحت إلى قبولها بالفكرة الإسرائيلية التى تقوم على استقطاع مساحة من أراضى سيناء وضمها إلى أراضى قطاع غزة لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، خاصة وأن التنظيم الدولى للإخوان التى تعد حماس عضوا فيه، وجماعة الإخوان فى مصر التى تربط حماس علاقات وثيقة بها لم يعترضا على ذلك، نظراً لأن الإخوان ينتهجون عقيدة (الأممية الإسلامية) ويسعون لتحقيق دولة الخلافة الإسلامية، ولا يعيرون للأوطان وكياناتها وأراضيها أى اهتمام، بل يعتبرونها كما أفتى أحد أقطابهم وهو سيد قطب إنها قطعة من التراب العفن!

وقد سبق ذلك تورط حركة حماس فى مساعدة جماعة الإخوان فى مصر على الوثوب إلى الحكم، حينما شارك نحو ٨٠٠ عنصر مسلح من عناصرها فى عملية اقتحام السجون فى يناير ٢٠١١، بعد أن اخترقوا حدودنا وأقاموا كمائن فى مناطق بسيناء. خاصة المحاذية للحدود مع غزة قرب الأنفاق السرية، وأيضا على الطريق الساحلى.. بينما لحق ذلك تورط حركة حماس فى دعم ومساندة الخلايا الإرهابية التى نشطت فى سيناء خاصة بعد الإطاحة الشعبية بحكم الإخوان فى ٣ يوليو ٢٠١٣، حينما وفرت لهم الملاذ الآمن والتسليح بل والتدريب على استخدام السلاح وتنفيذ التفجيرات، فضلا عن المساعدات اللوجستية الأخرى.

ولكن .. رغم إدراك مصر لكل هذا وأكثر منه، فقد سعت إلى إنهاء ذلك الانقسام الفلسطينى.. ومصر هنا لا تساعد فقط أشقاءها الفلسطينيين وتذلل لهم طريق سعيهم لإنهاء الأحتلال الإسرائيلى لأراضيهم، وإقامة دولتهم المستقلة، وإنما أيضا تسعى مصر بذلك لحماية أمنها القومى..ففى ظل سيطرة حماس على قطاع غزة صار القطاع مصدر خطر للأمن القومى المصرى.. حيث يأتينا إرهابيون عبر الحدود معه ليقتلوا ويخربوا ويدمروا.. ومثلما سعينا لضبط حدودنا مع ليبيا فقد كان أمراً ضرورياً أن نفعل ذلك بالنسبة لحدودنا مع غزة التى ظلت مصدر قلق لنا طوال الوقت.. وإنهاء الانقسام الفلسطينى وهو فى جوهره إنهاء لسيطرة حماس على غزة.. فهو خلال المرحلة الانتقالية يسمح بتواجد حكومة الوفاق الوطنى بممارسة صلاحياتها وسلطتها فى غزة بديلا لحكم حماس لها، كما يسمح أيضا بسيطرة السلطة الفلسطينية على معبر رفح، ويمنحها الوسيلة للسيطرة أيضا على الأنفاق السرية التى لا تستخدم فى التهريب فقط، وإنما تستخدم أيضا فى أذى كبير لنا، حيث تجلب لنا إرهابيين وتساعدهم على الفرار من مطاردة قواتنا، ويقدم لهم من خلالها الدعم والمساندة.. وهكذا المصالحة الفلسطينية تقلل من الأخطار الماثلة على الأمن القومى المصرى لأنها سوف تأتى بالسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة كما نأمل.

وقد رأت مصر فى هذه الفترة أن الفرصة مواتية لكى تبذل جهدا فى استعادة المصالحة الفلسطينية، وبالتالى تجديد جهودها لجمع كل من ممثلى حركتى فتح وحماس أولا، ثم ممثلى بقية الفصائل الفلسطينية على مائدة الحوار والتفاوض لإنهاء هذا الانقسام.. فإن الظروف الدولية والإقليمية الجديدة ضغطت على حركة حماس لكى تراجع مواقفها وسياساتها التى تنتهجها .. فإن جماعة الإخوان فى مصر التى كانت تعتمد عليها طردت شعبيا من الحكم، وانعدمت بمرور الوقت فرص استعادتها هذا الحكم.. والتنظيم الدولى للإخوان التى تقوده جماعة الإخوان فى مصر اعتراه الكثير من الضعف فى ظل تصاعد الدعوة عالميا لاعتبار الإخوان جماعة إرهابية، أو على الأقل الحذر منها.. والدول التى كانت تقدم الدعم والمساندة والأموال لحركة حماس انشغلت عنها بمشاكلها الداخلية أو بأزماتها الدولية.. فها هى قطر تعانى أزمة فى علاقاتها مع أوربا وأمريكا.. وها هى إيران تواجه سياسات أمريكية عدائية بعد تولى ترامب رئاسة أمريكا.. وها هى قطر تواجه مقاطعة أربع دول عربية مهمة.

ويضاف إلى ذلك الضغوط التى مارستها السلطة الفلسطينية ضد حركة حماس فى غزة، والتى تمثلت فى حجب الأموال فى موازنتها عن القطاع، وطرد موظفى حماس وتخفيض المرتبات لآخرين، وهو الأمر الذى قاد حماس فى غزة لأزمة حادة كان أبرز مظاهرها عدم قدرتها على توفير مجرد الكهرباء لأهل غزة .. وكان لتدخل مصر فى هذا الصدد دور فى احتواء أزمة الكهرباء وبالتالى صارت مصر فى موقف يسمح لها بدفع حركة حماس على القبول بما كانت ترفضه من قبل، مثل إعادة النظر فى ميثاقها لتبتعد عن جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى، ولتقبل بتسوية سياسية من خلال المفاوضات مع الإسرائيليين.. وبعدها لتقبل بعد محادثات إسماعيل هنية المسئول السياسى الجديد للحركة فى القاهرة بحل اللجنة الإدارية الخاصة بها والتى تدير شئون القطاع، وتقبل بقدوم حكومة الوفاق الوطنى لتمارس سلطاتها فى القطاع، ولتقبل بإجراء الانتخابات العامة وإن كان ذلك الأمر الأخير سوف يخضع لمفاوضات مقبلة بين حركتى فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية لتحديد ما المقصود بالانتخابات العامة وهل تقتصر على الانتخابات البرلمانية فقط، كما تريد فتح، أم تشمل الانتخابات الرئاسية وانتخابات منظمة التحرير الفلسطينية كما تريد حماس.

ولعل ذلك تحديدا هو الذى يمنح البعض قدراً من التفاؤل بخصوص الجهود الجديدة التى تبذلها مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية .. فهم يرون أن حماس مضطرة هذه المرة لهذه المصالحة على عكس ما كان حالها من قبل .. فالمصالحة صارت، بسبب الضغوط الإقليمية والدولية، وأيضا ضغوط السلطة الفلسطينية، هى السبيل الوحيد لحركة حماس للنجاة من المأزق الحاد الذى تعيشه الآن، حيث صارت عاجزة على تسيير شئون قطاع غزة وتدبير احتياجات أهله.. ولذلك قبلت بشروط الرئيس الفلسطينى أبومازن لكى تستأنف السلطة الفلسطينية وحركة فتح الحوار معها ، وهى الشروط التى كانت حتى وقت قريب ترفضها حماس.. لذلك رأى البعض فى موافقتها عليها بمثابة المفاجأة للسلطة الفلسطينية أربكتها، حيث ألقت بالكرة كما قالوا فى ملعبها، فإذا رفضت بعد ذلك الجلوس مع حماس للتفاوض ستتحمل هى فشل جهد جديد لتحقيق المصالحة الفلسطينية وستبدو أمام الرأى العام الفلسطينى، وتحديدا فى قطاع غزة ، أنها ترفض هذه المصالحة وتتسبب فى معاناة أهل القطاع المعيشية.. غير أن الرئيس الفلسطينى أبو مازن سارع بإعلان ترحيبه بقرارات حماس مثلما رحبت حركة فتح، وأبدت استعدادها للدخول فى جولة مفاوضات جديدة مع حماس تحت الرعاية المصرية للتوصل لآليات تمكن حكومة التوافق من ممارسة عملها ومسئوليتها فى غزة، وإجراء الانتخابات العامة، فضلا عن حل بقية المشاكل العالقة، مثل مشكلة الموظفين ومرتباتهم، ومشكلة إدارة معبر رفح، أى للاتفاق على تفاصيل المصالحة الفلسطينية الكاملة.

وهذه التفاصيل تحديداً هى ما يخشاه البعض الآخر نظرا لأنه هناك مازالت خلافات بين حركتى فتح وحماس حول هذه التفاصيل..وبالتالى يحتاج لجهد لمواجهة (شيطان التفاصيل).

فإن هناك عدم اتفاق بعد - حول صلاحيات ومسئوليات حكومة الوفاق الوطنى فى غزة، وتحديدا صلاحياتها الأمنية، فى ظل الوجود المسلح لحركة حماس ومنظمات أخرى.

وهناك موقف الموظفين بالقطاع التابعين لحركة حماس الذين فصلتهم السلطة الفلسطينية وخفضت مرتبات بعضهم، ودورهم مستقبلا فى ظل ممارسة حكومة الوفاق الوطنى دورها.

وهناك أيضا مسألة إدارة معبر رفح والتى تصر السلطة الفلسطينية على أن تئول لها طبقا للاتفاقات الدولية مع إسرائيل الخاصة بالمعبر.

كما أن هناك أيضا الخلاف حول موضوع الانتخابات والذى كاد يعطل التوصل للإعلان الخاص بالمصالحة الذى تم مؤخرا.. حيث تريدها حماس انتخابات شاملة نيابية ورئاسية ولقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بينما تريدها السلطة الفلسطينية الآن وأولا انتخابات برلمانية فقط لكى تستثمر الضعف الجماهيرى الذى يعترى حركة حماس الآن فى غزة بعد فشلها فى توفير الاحتياجات الأساسية لأهلها.. وحتى يتم إعلان المصالحة الجديد اقترح رجال المخابرات المصرية عدم التحديد بخصوص الانتخابات ووصفها بالعامة فقط وهو ما قبلت به حماس، انتصارا بالطبع لجولات التفاوض مع فتح.

وبالإضافة إلى ذلك كله فإن إسرائيل التى تحاول التهرب من حل المشكلة الفلسطينية سوف تسعى لتخريب هذه المصالحة، مثلها كتركيا وقطر وربما إيران أيضا وهكذا المصالحة الفلسطينية طريق طويل شاق.. بدأت فقط الخطوة الأولى فيه .

    الاكثر قراءة