الإثنين 29 ابريل 2024

30 يونيو 2013.. طوق النجاة


رضا سليمان

مقالات10-6-2023 | 15:00

رضا سليمان

لم تكن ثورة الثلاثين من يونيو مجرد انتفاضة شعبية على نظام حكم لا يرضى عنه الشعب، وإنما كانت تغييرا لمسار أمة تمتلك رصيدًا كبيرًا من المجد، وتاريخًا فريدًا من الحضارة، ومكانة عظيمة بين الأمم، وتتطلع إلى أن تعود إلى سيرتها الأولى وتتبوأ مكانتها التى تستحقها. كانت هذه كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى والتى قالها فى الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو.

تمر السنوات ويعبر الوطن أزمات تلو أزمات .. وتحديات تلو تحديات .. تطوى بعضها يد النسيان .. ويأبى بعضها أن يُطوى، ويتحدى يد النسيان ويحفر تفاصيله في تاريخ البشرية. وها نحن أمام حدث هو الأهم فى تاريخ مصر فى المرحلة الحالية وسيظل على مدى العصور .. لم لا؟! وهو "طوق النجاة"..

جاءت «ثورة ٣٠ يونيو» لتبنى وطنًا وتصحح مسارًا.. وتفتح آفاق الحلم والأمل أمام ملايين المصريين، الذين هتفوا ضد «سماسرة الأوطان» وسارقى الأحلام، ليستردوا "مصر الحرة". 

كان النظام الإخوانى قد تعمد إقصاء الكفاءات، وعدم الاستعانة بالخبرات الاقتصادية والسياسية والشخصيات التى لها باع طويل ومشهودا لها دولياً ومحلياً، فى إدارة الأزمات التى واجهت الدولة فى إطار ما عرف بـ "أخونة الدولة". وبعد 10 أشهر فقط من رئاسة "مرسى"، تأسست «حركة تمرد»، تعبيرًا عن حالة الرفض الشعبى لحكم الإخوان، مطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وحددت يوم 30 يونيو موعدا لانتهاء المهلة للاستجابة لهذا المطلب، ودعت الموقعين للتظاهر بعد انتهاء المهلة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم، لكن .. تم تجاهل المطالب الشعبية ووصفها بالمطالب العبثية..!!

وتصدرت ابتسامتهم الصفراء مختلف المنابر الإعلامية، حتى إن بعضهم قال "سوف نُحضر المسليات ونحن نشاهد على الشاشات الشوارع الخالية من المواطنين في 30 يونيو، فالشعب كله معنا". وليس هذا فقط إنما كانت التهديدات المباشرة وغير المباشرة من جماعة الإخوان، بل وعلى لسان رئيس مفترض أنه رئيس لكل المصريين، يتحدث باسم الجماعة ويهدف إلى تحقيق أطماعها فقط، فكانت التهديدات تنهال لمنع المواطنين عن الخروج والتعبير عن رأيهم، ووصل الأمر بأن مصر سوف تتحول إلى "حروب أهلية وطائفية" مثل دول أخرى مجاورة..!!

والسيناريو المتوقع قبيل 30 يونيو كان: خروج المواطنين للتعبير عن رفضهم لما تسلكه جماعة الإخوان على المستويين المحلى والدولى، فقد شاهد المواطن تدخل قوى خارجية من "كيانات قزمية" فى الشأن المصرى، شاهد أيضًا تنامى غير مسبوق لجماعات مسلحة في سيناء وامتدت إلى مناطق مختلفة من أرض مصر، كما شاهد اعتلاء "الجهلة" من جماعة الإخوان حينما تقلدوا مناصب لم يكن ليحلموا بتقلد أقل منها عشرات المرات. ومَن لا يدرك لأى سبب .. ومَن لا يحسن القيادة لقلة إدراكه ولجهله.. سوف يتسبب فى كارثة لا محال. 

ولما كانت الكارثة وشيكة .. لأن الجماهير ضجت .. وسوف تخرج لتعبر عن رفضها .. وتلك الجماعة سوف تقابل تلك التظاهرات بعنف دموى، لأن الدماء هى الحل الدائم لكل طامع.. فلا حوار و لا منطق.. فقط: نحن أو الدم. 

إذن المشاهد المنتظرة فى هذا السيناريو توحى بأن الكارثة وشيكة.. والبلاد إلى هوة دامية سحيقة تنزلق.

لكن .. لا .. إنها مصر .. ذات الرباط إلى يوم الدين..

هنا يأتي دور القوات المسلحة والشرطة.. أبناء الوطن الذين حملوا أرواحهم على أياديهم ليقدموها فداء لأرض مصر. وتلبى القوات المسلحة نداء الشعب لحماية البلاد من الجماعة الإرهابية، بعد سيطرتهم على العديد من المواقع السياسية والحكومية.

وقد مضت ثورة الثلاثين من يونيو من عام 2013 في ثلاثة مسارات هى “التصدي للإرهاب - مواجهة القوى الخارجية الداعمة له - تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية".

وكانت بداية المسار عبر «رفض الحكم الفاشى الدينى، ورفض الاستئثار بالسلطة، ومواجهة ما يترتب على هذا الرفض من إرهاب وعنف، وتضحيات جسام قدمها أبناء المصريين من الجيش والشرطة».

وفى 23 يونيو.. يخرج وزير الدفاع حين ذاك، المشير أول عبدالفتاح السيسى، الذى سعى مع القيادة السياسية التى حلف أمامها اليمين الدستورى بالحفاظ على هذا الوطن، سعى للخروج من الأزمة، ليطالب محترمًا وطنيته وقيادته السياسية بحوار وطني للوصول لحلول حقيقية ناجزة.. بلهجة "لعل وعسى يتم الإصلاح"، وبشكل ودى غير معلن، ثم مع تزايد الرفض والعناد يتم الإعلان عن طريق بيان أعلن فيه أن القوات المسلحة تجنبت خلال الفترة السابقة الدخول فى المعترك السياسى، إلا أن مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب تحتم التدخل لمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع والاقتتال الجارى والفتنة الطائفية وانهيار مؤسسات الدولة، ودعا إلى إيجاد صيغة للتفاهم وتوافق المصالح خلال أسبوع من هذا التاريخ.

وفى أول يوليو، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا ذكرت فيه أنه من المحتمل أن يتلقى الشعب ردا على حركته وعلى ندائه، داعية كل طرف أن يتحمل قدرا من المسؤولية، وأمهلت الجميع  48 ساعة لتلبية مطالب الشعب.

وكانت ردود الأفعال الإخوانية غريبة بشكل كبير وكان على رأسها بالطبع الخطاب المطول لمحمد مرسى والذى كان يخاطب فيه أنصاره قبل أن يخاطب الشعب، في هذا الخطاب كانت التهديدات صريحة وترهيب للشعب غير مسبوق والتلويح بإحداث شغب واقتتال، كانت رسالته  التهديدية مغلفة بكلمة "الشرعية"، وامتد خطاب التهديد والوعيد بين أنصاره حتى مطلع الفجر.            

وتمر المهلة المحددة.. لكن جماعة الإخوان لا تزال واقعة تحت تأثير بريق "العظمة وجنونها"، تسيطر عليها الأنا العليا وترفض أي احتكام للعقل.. ترفض أفكار الجماهير التي تنادى بإجراء "انتخابات رئاسية مبكرة"، ترفض الجماعة أى سبيل لحلول سلمية غير بقاء الحال على ما هو عليه وألا يخرج مواطن ضدها مهما كانت أفعالهم..!! ولم يقتصر الرفض على عدم المشاركة فى حوار ينقذ البلاد من الدمار، ولكن بدأوا فى تنفيذ خطط ترهيب المواطنين بأعمالهم الإرهابية، في أكثر من محافظة وبالأخص سيناء.

ليثور الشعب ويعلن إرادته واضحة جلية، وتستجيب له مؤسسات دولته الوطنية، فى مشهد تاريخى، لن يمحى من ذاكرة من عايشوه.

وعلى مدار ثلاثة أيام تخرج الجماهير فى كل ربوع مصر، كل الميادين في المحافظات لتطالب بعزل ممثل جماعة الإخوان وليس ممثل الشعب، وتتحرك القوات المسلحة لتلبى النداء .. ثم يأتى خطاب المشير عبد الفتاح السيسى فى بيان 3 يوليو 2013 الذى يذكر فيه "لم يكن في مقدور القوات المسلحة أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطنى، وليس دورها السياسى ولقد استشعرت القوات المسلحة- انطلاقا من رؤيتها الثاقبة- أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته، وتلك هى الرسالة التى تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها، وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسى آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسؤولية والأمانة» 

وانتصرت القوات المسلحة لرغبة الملايين من الشعب المصرى، وتم وضع خطة طريق للمرحلة المقبلة من تاريخ البلاد وينتهى عام جماعة الإخوان على أريكة حكم البلاد ليظهر فى التو واللحظة أعمال عنف دامية في سيناء وفى كل مكان، وهذا باعتراف أحد أقطابهم المدعو محمد البلتاجى حينما قال "إن الذى يحدث في سيناء سيتوقف فى اللحظة التى يعود فيها مرسي إلى القصر"..!! 

إذن.. كانت النية مبيتة .. وتجهيزات الدم كانت على أشدها خلال هذا العام.. فماذا لو كانت فترتهم امتدت لأعوام ؟! 

لا .. لا أريد أن أتخيل.. فما فعلوه بعد عام في الحكم لا يتخيله عقل، ما بالنا لو طالت المدة..!! كنا بكل تأكيد سنغرق.. نعم.. نغرق.

لكن ها قد أتى "طوق النجاة" 30 يونيو 2013 وحمى الله مصر وشعبها .. لم لا وهو شعب فى رباط إلى يوم الدين. وانطلقت مسيرة الشعب نحو البناء على كافة الأصعدة تحت قيادة وطنية واعية، وفى حماية جيش وشرطة بذلوا أرواحهم من أجل الحفاظ على مقدرات مصر بمحاصرة الإرهاب ووقف انتشاره وملاحقته أينما كان. 

مصر أغلى من أن تُسفك فيها دماء أبنائها تحت أى شعار، كان هذا هو موقف الأزهر الشريف وهذا ما قاله الدكتور "أحمد الطيب" الذى أكد أن موقف الأزهر هو الانحياز لشعب مصر الأصيل، والحفاظ على وحدة المصريين وحُرمة الدم المصرى، فذلك هو منهج الأزهر وتاريخه دائمًا، ومصر تستحق من الجميع موقفًا وطنيًّا صادقًا، والدولة التى يُريدها الشعب المصري وتُؤيِّدها الشريعة هى الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة.

أما البابا تواضروس الثانى فقد قال "إن الثورة حفظت تماسك الدولة الوطنية المصرية وشارك فيها الملايين من أبناء الشعب المصري ودافعوا عن حقهم فى هوية ودولة مصرية تعبر عن كل المصريين وتمسكوا بالدور الوطني لجيشهم الباسل فى مواجهة أعداء الوطن وقوى الظلام والذى انحاز بدوره إلى الشعب، فالجيش رفض أن يساوم أعداء الوطن فى تلك اللحظات المصيرية الحاسمة". 

ثورة 30 يونيو التى استمرت حتى يوم 3 يوليو 2013، يوم إعلان خطة الطريق التى تقضى بإنهاء حكم جماعة الإخوان .. لم تكن لتخرج إلى النور من فراغ، فتلك جماعة جاءت للحكم رافعة شعار «نحمل الخير لمصر»، غير أن الواقع كشف أن الجماعة لم تكن تحمل سوى مخططها الملتوى المعروف بـ«خطة التمكين» أو «الأخونة» التى جاهرت بها علانية من خلال مؤسسة الرئاسة، ومكتب الإرشاد، وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسى المسيطر على الحكم آنذاك. فكانت عملية الأخونة ترمى إلى زرع عناصر إخوانية من الجماعة فى مفاصل الدولة الرئيسية من وزارات ومؤسسات وهيئات مختلفة والتى وصلت إلى مستوى خطير في 8 شهور من حكم محمد مرسى، حيث عين خلالها بالأمر المباشر 8 وزراء و5 محافظين و8 فى مؤسسة الرئاسة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد نجح رجال جماعته في اختراق مفاصل 20 وزارة من خلال تعيين مستشارين للوزراء ومتحدثين إعلاميين ورؤساء للقطاعات ومديرين لمكاتب الوزراء إضافة إلى تعيين 5 نواب محافظين، و12 رئيس حى ومركز، و13 مستشارا للمحافظين.. ولن يسمح لنا الوقت بالطبع ذكر كل الأسباب التى جعلت المواطن المصرى يخرج مناديا باسترداد البلاد. لن نتحدث عن الوعود الوهمية والمائة يوم..!! لن نتحدث عن "الوفود الخارجية المشبوهة" التى دخلت البلاد لعقد صفقات مشبوهة، لن نتحدث عن كمية "الأسلحة" التى تم تهريبها إلى داخل البلاد عن طريق جماعة الإخوان، لن نتحدث عن المواقف السياسية المترهلة العشوائية التى أضعفت البلاد ووضعتها على طريق التبعية لبلاد قزمية، ولن نتحدث عن التدهور الاقتصادى والأزمات التى أصبح المواطن المصرى يعيش فيها ليل نهار فى وقت لم تظهر فيه أى مشروعات تنموية تؤكد سعى مؤسسة الرئاسة أنها تحمل الخير لمصر فعلا..!!، لن نتحدث عن الأجانب الذين حملوا الجنسية المصرية بدون وجه حق، لن نتحدث عن إرهابيين خرجوا من السجون ليتجولوا داخل قصر الرئاسة..!! لن نتحدث عن شبابهم من الأقزام والمغيبون في القرى والنجوع الذين تعملقوا إلى حد تهديدات أصحاب الفكر والرؤى بدعوى أنهم يد الرئاسة..!! 

فخرجت الجماهير تنادى برحيل نظام استغل شعارات دينية لتحقيق أطماع شخصية، خرجت الجماهير وساندها أولادها من جيش وشرطة، في ثورة الثلاثين من يونيو 2013 لتعود البلاد إلى مسارها الطبيعى.. وتنطلق قاطرة التنمية للوصول إلى شاطئ الأمان، وتُبنى مصر من جديد.. مشروعات عملاقة "قناة السويس الجديدة، العاصمة الإدارية، المدن الجديدة والقضاء على العشوائيات، المناطق الصناعية، شبكة طرق عملاقة تربط شرق البلاد بغربها وشمالها بجنوبها"، .ولا يسعنا الوقت أيضا لذكر الطفرة الاقتصادية والسياسة التى حدثت بعد أن عادت مصر.

إنها يا سادة .. ثورة 30 يونيو .. إنها طوق النجاة.
 

Dr.Randa
Dr.Radwa