الخميس 27 يونيو 2024

30 يونيو يوم الاستقلال


م. زياد عبدالتواب

مقالات10-6-2023 | 15:04

م. زياد عبدالتواب

على مر العصور لم يخف على أحد أهمية مصر وموقعها ومواردها المتعددة وهو ما جعلها مطمعا للغزاة والمحتلين، فلا اعتقد ان دولة على وجه الأرض تعرضت لمثل هذا الاحتلال من حيث التنوع وطول المدد التى قضاها المحتل على أرضها، وبغض النظر عن الإشكاليات المختلفة المرتبطة بحالة الدولة من قوة وضعف او تلك المرتبطة بتأثير هؤلاء المحتلين وما فعلوه أو تركوه من أثر إيجابيا كان او سلبيا، فإن تلك الأهمية لم تتغير على مدار كل تلك السنوات ولن تتغير أيضا حتى قيام الساعة.

ترجع تلك الأهمية إلى موقع مصر الذى يتوسط العالم القديم والعالم الجديد وتتوسط العالم العربي بالإضافة إلى أنها تعتبر بوابة إفريقيا وظهر أوروبا، متاخمة لبحرين ويمر خلالها نهر النيل العظيم ولا ادل على أهمية هذا الموقع من الدراسة الشهيرة للدكتور جمال حمدان تحت عنوان "شخصية مصر...دراسة في عبقرية المكان" صدرت نسختها الأولى في عام 1967 ثم تم تنقيها والإضافة اليها واعيد إصدارها عامى 1981 و1984 في أربعة أجزاء تتناول الشخصية المصرية من الجوانب الطبيعية والبشرية والتكاملية والحضارية.

الاحتلال وأغراضه 

تنوعت أغراض الاحتلال بين التوسع الطبيعى للإمبراطوريات المختلفة او طمعا في قطع سبل الاتصال أمام إمبراطوريات أخرى في صراع أزلى لا ينتهى أو طمعا فى ثرواتها الطبيعية والإمكانيات البشرية وإنتاجها الزراعى وخلافه، ولذلك نجد أننا يمكن ان نرصد 26 احتلالا أولهم الهكسوس وهي قبائل رعوية من مناطق الشام-سوريا وفلسطين- في حدود عام 1650 قبل الميلاد وقد سبقهم الكنعانيون في القدوم إلى مصر، هذا وقد استمر حكم الهكسوس حوالى مائة عام.

أما عن الاتجاهات فنجد أن 21 احتلالا منهم جاءوا من الشرق فيما أتى ثلاثة احتلالات فقط من الشمال (فاطمى/فرنسى/إنجليزى) واحتلال واحد من الشرق (ليبيا) واحتلال واحد من الجنوب، أما بعد فترة الهكسوس توالى الأمر تباعا حيث أتى الليبيون ثم الإثيوبيون ثم الأشوريون ثم الفارسيون ثم اليونانيون حتى عام 30 قبل الميلاد ثم عاود الرومان احتلال البلاد حتى عام 640 ميلادية، تخللها عشر سنوات احتلها الفرس ثم الفتح العربى بفتراته المختلفة من الخلفاء الراشدين ثم الأمويين ثم العباسيين ثم الدولة الطولونية ثم حكم عباسى مرة اخرى ثم الدولة الإخشيدية ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المماليك ثم العثمانيون ثم المماليك مرة أخرى ثم الفرنسيون ثم العثمانيون مرة أخرى قصيرة لمدة خمس سنوات ثم جاءت الأسرة العلوية التى تداخلت مع الاحتلال الإنجليزى وصولا إلى الاستقلال مرة أخرى عام 1952 والانتهاء باتفاقية الجلاء عام 1954، أما عن الاحتلال الجزئى فلعل أشهره الاحتلال الكامل لشبه جزيرة سيناء فى عام 1967 لمدة ست سنوات حتى الانتصار فى حرب 1973 المجيدة.

ثورات المصريين

لم يكن لهذه الموجات شبه المستمرة من الاحتلال ان تمر من دون أن يثور المصريون عليها، وهذا النوع من الثورات يشكل الأغلب الأعم، أى أنها ثورات ضد الظلم وتهدف فى المقام الأول إلى تحقيق الاستقلال وهى محاولات لتحقيق أمنية غالية توقفت منذ انتهاء الحقبة الفرعونية، ولم تتحقق الا مع قيام ثورة يوليو، أما أول تلك الثورات فكانت فى عهد الملك بيبى الثانى من الأسرة السادسة والذى تعتبر مدة حكمه هى الأطول على الإطلاق-94 عاما- حيث استمرت منذ عام  2278  إلى عام 2184 قبل الميلاد وهى التى يعتبرها المؤرخون أول ثورة فى تاريخ البشرية.

تلا ذلك ثورة المصريين بقيادة أحمس للتخلص من احتلال الهكسوس، ثم تلتها ثورة المصريين بقيادة بسماتيك ضد احتلال الأشوريين، ثم مجموعة من الثورات- أو الهبات- الشعبية ضد حكم الفرس الذى استمر حتى قدوم الإسكندر الأكبر المعروف بالإسكندر المقدونى، ثم مع الحكم الروماني القاسى، استمر موجات من الثورات ضد هذا الحكم الذى اتسم بالظلم والعنف والاضطهاد ضد الأقباط والتي حاول فيها الرومان إجبار المصريين على اعتناق مذهبهم والتخلى عن المذهب الأصلى وهى التى استمرت، حتى جاء الفتح الإسلامي لمصر والذى اتسم بالاعتدال و المساواة فى فتراته الأولى حتى أتت عصور الخلافة الأموية والعباسية، فرفض المصريون ما كان يمارسه الحكام من تعسف وظلم وحتى أثناء العصر المملوكى لم تتوقف الاضطرابات وموجات الغضب وصولا إلى الاحتلال الفرنسى بقيادة نابوليون بونابرت في الفترة من 1798 وحتى عام 1801 ثم عودة المماليك لفترة قصيرة حتى قيام المصريين  بخلع خورشيد باشا وتعيين الشعب لمحمد على واليا بدلا منه.

تلى ذلك قيام أهالى رشيد بالثورة على حملة فريزر الإنجليزي عام 1807 أو ثورة الزعيم أحمد عرابي وتحديه للخديوى توفيق ثم مقاومته للاحتلال الإنجليزي وهى بداية لسلة طويلة من أعمال المقاومة والرفض تبلورت في ثورة 1919 والتي حققت مكاسب كبيرة على المستوى السياسى نتج عنها  الإعلان عن استقلال مصر بموجب تصريح 28 فبراير الصادر من طرف بريطانيا التي أعلنت إنهاء الحماية البريطانية على مصرا ثم صدور دستور 1923 ثم ما تلاه من حركات مقاومة ضد المحتل والملك وصولا إلى ثورة 1952 التى قامت بعزل الملك وتحقيق الجلاء التام في عام 1954.

30 يونيو والتمهيد لها

لم يكن لثورة 30 يونيو من العام 2013 ان تحدث لولا قيام ثورة 25 يناير، تلك الثورة التي حتى وإن اختلف البعض على اعتبارها عفوية وتلقائية أم مدبرة، أو أنها بدأت عفوية واستغلتها بعض القوى والتيارات المختلفة أو عن أنها لازمة من عدمه إلا أنها كانت التمهيد الحقيقى بالفعل.

وهنا يطرا السؤال المنطقى التالى "هل نحتاج إلى تلك الثورات بالفعل؟"، والحقيقة أنه في حالة ثورة 30 يونيو فإننا بالفعل كنا في أشد الاحتياج لها، ببساطة لتكون نهاية لخرافة الحكم الدينى التى رددتها تلك الجماعة وأظهرتها بأنها ستحقق جنة الله في الأرض متهمة الأنظمة الأخرى بأنها لا تحكم بما انزل الله وإنما تحكم لصالح الشيطان وغيرها من الاتهامات الباطلة والتي وبالرغم من وجود بعض النماذج لبعض أشكال الحكم الدينى مثل إيران وأفغانستان، إلا أنه يبدو مقولة "التجربة خير دليل" كانت هى المسيطرة على المشهد خلال عام حكم الإخوان 2012-2013، والذى رأينا فيه كيف يتم لى الحقائق وتطويع النصوص الدينية لخدمة فئة بعينها كما راينا سياسات الإقصاء لجموع الشعب المصرى، وحتى لمن عاونهم في الوصول إلى السلطة و للعجب فإن هذا الأمر تم مع بعض التيارات السلفية التي تتداخل معهم بشكل كبير مما يجعل الأمر صعبا بل فى أحيان كثيرة مستحيل للتفرقة بينهم.

وبإرجاع الأمر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية من حفظ للدين والنفس والعقل والعرض والمال والتى تتم تحت مبادئ تحقيق المصلحة ورفع الضرر والرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة وبمتابعة ما حدث من تلون و تغيير في التصرفات والأفعال مثل مهاجمة الحكومة قبل هذا العام عندما تحدثت عن الحصول على قرض من البنك الدولي بحجة الربا ثم تسعى نفس الجماعة إلى نفس القرض خلال فترة حكمها و تسمية فوائد القرض بأنها مجرد رسوم إدارية، او التصريح بانه لا ضير من التضحية بعشرة آلاف من المصريين في سبيل أن يحيا الجميع و تشبيه بعض من تلك الأمور بواقعة خرق السفينة التى فعلها الخضر اثناء مرافقة موسى كليم الله له و المذكورة فى سورة الكهف...الخ.

هذه الأفعال و تلك التصرفات التي ما تزال حاضرة في الأذهان أعطت الثورة شرعيتها وهذا العام كان مثل الدواء المر الذى كان يتوجب على المريض أن يتناوله حتى يشفى من وهم الحكم الإسلامى و قدرات جماعات المتاجرة بالدين على تضليل الشعب المصري و دغدغة مشاعرة من خلال مخاطبته من النقطة الأكثر قدسية وأهمية و فاعلية، فالتجربة خلال هذا العام أثبتت وهم فكرة الحكم الإسلامى أو الخلافة الإسلامية وأنها ضرورة من ضروريات الدين أو أنها من ثوابته حيث يأتى سقوط الإخوان بعد 90 عاما من سقوط الخلافة العثمانية في عام 1922 والتي يتذكر المهتمون بالتاريخ كيف هوجم كتاب " الإسلام و أصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق عندما أصدره عام 1925 وأوضح فيه أسباب رفضه لفكرة الخلافة الإسلامية ومحاولة إقناعه للجميع بأهمية مدنية الدولة وان الإسلام لم يقر أو يأمر بشكل محدد لإدارة الدولة وهو الأمر الذى قوبل وقتئذ بالكثير من الهجوم و انتهى بقيام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بمحاكمة الشيخ وإخراجه من زمرة العلماء وفصله من منصبه فى القضاء الشرعى.

ما سبق كان مجرد إطلالة بسيطة على لمحات من نضال الشعب المصري و لتوضيح فكرة عنوان المقال بأن هذا اليوم يعد بالفعل هو يوم الاستقلال ليس من احتلال خارجى و لكن استقلال من احتلال للعقول وللأفكار ولثوابت الدين و تعاليمه وهو يوم فارق فى التاريخ بالفعل، فليس من السهولة على أحد أن يكتشف زيف يتم ترويجه من قبل أبناء وطنه و باسم الدين أيضا.