الثلاثاء 7 مايو 2024

التربية الإعلامية.. من الحماية إلى المشاركة


د. شريف درويش اللبان

مقالات12-6-2023 | 13:30

د. شريف درويش اللبان

تطرح د. ماجدة مراد أستاذ الإعلام بكلية التربية النوعية بجامعة القاهرة تساؤلًا مهمًا ومحوريًا في مقدمة كتابها المهم الذي صدر مؤخرًا عن "عالم الكتب" بعنوان "التربية الإعلامية من الحماية إلى المشاركة" وهو: كيف نحمي قيمنا وأخلاقياتنا، وكيف نتوجه إلى المحتوى الجيد ونعرضه ونستفيد منه؟.

وسرعان ما أجابت المؤلفة عن هذا التساؤل المهم والجوهري الذي يجسد العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام، حيث ذكرت أن أحد الأسباب التي تساعد على استمرار المحتوى الضار أو غير الجيد هو انتشاره ووجود مَن يُقبل عليه ويدعمه عبر التعرض المستمر. ولعل هذا ما يفسر كل تلك الظواهر الشاذة التي ينشرها هذا المحتوى الرديء من أغانٍ وفيديوكليب وقنوات على اليوتيوب، وكلها تجد ملايين المشاهدات، رغم أنها تنحدر بالذوق العام والأخلاقيات، بل إن بعضها يقع تحت طائلة القانون.

ورغم ذلك –وكما تقول المؤلفة- فإن الحقيقة التي يجب أن نواجهها أن المنع لم يعد الوسيلة الفاعلة في مواجهة المحتوى الذي لا نقبله أو نستسيغه، وأننا يجب أن نجد أساليب أكثر إيجابية لمواجهة ما يُقدم عبر وسائل الإعلام، وأهم الأساليب في هذه المواجهة هى "التربية الإعلامية" التي ثبت أنها سلاح الفرد والمجتمع لمعرفة أهمية ما يُقدم عبر وسائل الإعلام من خلال تحليله وتقييمه لكي ندرك كيفية الاستفادة منه.

إن التربية الإعلامية تساعدنا على اختيار الرسائل الإعلامية الإيجابية المناسبة وعلى استبعاد الرسائل الإعلامية الكاذبة والسلبية، تساعدنا على تكوين رؤية نقدية موضوعية، مما يسهم في الانتقاء ويشجع على الحوار وإبداء الآراء ومناقشتها. وتسهم التربية الإعلامية في تحويل الجمهور من مجرد متلقين سلبيين إلى أفراد نشطة إيجابية قادرة على النقد والحوار والاكتساب والنشر والدفاع عن الآراء والأفكار.

وتذهب المؤلفة إلى أن مفهوم التربية الإعلامية يعبر عن محو الأمية الإعلامية، وهو مفهوم يعتمد على تعلم مهارات التفكير النقدي والإبداعي، وعلى التمييز بين الحقائق الصحيحة الجوهرية والأساليب الخادعة الكاذبة، وعلى معرفة كيفية التوصل إلى طرق اكتساب المهارة ودعم الاكتشاف والتعلم مدى الحياة.

وقد انتظم الكتاب في سبعة فصول؛ تناول الفصل الأول منها المداخل الأساسية للتربية الإعلامية، من حيث مفهوم التربية الإعلامية، ومراحل نشوء وتطور هذا المفهوم، والاتجاهات الأساسية السائدة في مجال التربية الإعلامية، والتي تمثلت في اتجاهيْن أساسييْن هما: الاتجاه نحو الحماية من خلال استراتيجيات الحماية والمنع والتوجيه، والاتجاه نحو التطوير والتحفيز، في حين تناول الفصل الثاني التربية الإعلامية كنظام للقدرات والمهارات الأساسية.

وركز الفصل الثالث على التفكير الناقد في إطار التربية الإعلامية؛ من حيث تعريف التفكير الناقد ومدى الاستعداد لهو مهاراته وأسس تنميته في الإطاريْن التعليمي والإعلامي، والمعوقات التي يواجهها التفكير الناقد في مجتمعاتنا. وحرص الفصل الرابع على استعراض قدرة التربية الإعلامية ودعم المهارات الابتكارية؛ من حيث مفهوم الإبداع والابتكار والقدرات المحفزة لذلك، وسمات المبتكرين وإمكانات تنمية هذه السمات لديهم.

وناقش الفصل الخامس العلاقة الجدلية بين التربية الرقمية والتربية الإعلامية الجديدة؛ من حيث تعريف التربية الرقمية والمفاهيم المرتبطة بها، والتربية البصرية والتربية المعلوماتية، ومدى تطور مفهوم التربية الرقمية وأبعاده ومستوياته، ومهارات التربية الرقمية واستراتيجياتها.

وقد نحتت المؤلفة مصطلحًا جديدًا لم أصادفه من قبل رغم تخصصي في مجال الإعلام، وهو "التربية الإعلانية"؛ حيث رصد الفصل السادس الدور الفاعل للتربية الإعلانية في تمكين المستهلك، واستعرض الفصل مفهوم التربية الإعلانية وأبعادها ومراحل نموها، وكيفية مواجهة الألاعيب الإعلانية، وضرورة تدريس التربية الإعلانية، وحتمية السعي كذلك إلى صياغة رؤية شاملة للتربية الإعلانية في ذلك العالم الذي تتصارع فيه الإعلانات والمعلنين لكسب رضا المستهلك عن السلع والخدمات المُعْلَن عنها.

وانتهى الفصل السابع والأخير من الكتاب إلى إشكالية العلاقة بين التربية الإعلامية والمواطنة، في ظل هذا الكم الهائل من الشائعات والأخبار الزائفة، والتي تسعى إلى تشويه أو الحض على كراهية فئات محددة من المواطنين.

وتَخْلُص المؤلفة إلى الدعوة إلى تعلم شامل يبدأ منذ أن يرتبط الطفل بالصوت والصورة عبر الوسيلة الإعلامية حتى ارتباط الكبار بأوقات برامجهم المفضلة وصفحات صحفهم المفضلة التي صاحبتهم في مراحل حياتهم.

إن هذا الكتاب يصوغ رؤية متكاملة للتربية الإعلامية بدايةً من كونها درعًا لحماية الأجيال المختلفة من هجمات الشائعات والتضليل والأخبار الزائفة والتزييف العميق ونهايةً بالمشاركة في تداولية الخطاب الإعلامي وتحليله وتفكيكه والحوار والنقاش حوله لكي نقبله أو نرفضه وفقًا لمعيارية محددة وفهمٍ عميق.

    

 

Egypt Air