الإثنين 29 ابريل 2024

في ذكرى رحيل مكسيم جوركي.. أديب الاشتراكية الرومانسية

مكسيم جوركي

ثقافة18-6-2023 | 11:01

عبدالرحمن عبيد

هناك مَن آمن بالمبدأ، وهناك من آمن بالوطن، وهناك مَن آمن بالعشيرة والقبيلة، ومَن تحزب تارةً و تحيز تارةً أخرى لفئةٍ معينة أو جماعة محددة، وهناك مَن هو بعيدًا عن كل هذا، مَن آمن بالإنسان، ومِن هؤلاء المؤمنين رجلٌ سُطِّرَ اسمه في وجدان وضمير الأمم كلها مُذ كان حيـًّا، وحتى وقتنا الحالي، وهو الأديب الروسي "مكسيم جوركي"، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله.

 

ولد "مكسيم جوركي" في 28 من أغسطس عام 1868، لأسرة فقيرة تقتات على شظف الحياة، ولم يلبس "جوركي" أن يخرج من عباءة الطفول حتى وجد نفسه يتيم الأب والأم وهو مازال في التاسعة من عمره، فقامت جدته بتربيته، وقد حزن حزنـًا شديدًا عند وفاتها أوصله حدَّ تفكيره في الانتحار، خاصةً وأن جدته هي التي أصقلت في ضميره حبَّ الأدب والشغف به.

 كان "جوركي" مِمَّن تبنوا اتجاه المعاصرة في الأدب والفكر والذي يقضي بانتماء روسيا إلى الغرب إن لم يكن جغرافيـًّا فعل الأقل ثقافيـًّا وفكريـًّا، في مواجهةِ اتجاه كان سائدًا وقتها في روسيا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وحتى اغتيال القيصر إسكندر الثاني، في مواجهة تيار القومية العرقية ـالإثنيةـ والتي ترفض انتماء روسيا إلى الغرب المتمثل في أوروبا، وترا أن الروس هم صقالبة لا عَلاقة لهم بالشعوب الأوربية، وتتمسك بالعادات والتقاليد الروسية الأورثوذوكسية، وبالرغم أن الصراع بين هذين الاتجاهين كان مشتعلًا، فإن نيرانه قد انطفئت نسبيـًا بعد الثورة الروسية عام 1881، مخلفـًا وراءه حالة من العتمة المخيفة، بدأت تنقشع ببطءٍ شديد وكان "جوركي" واحدًا مِمَّن يحاربون هذه العتمة.

 

بين العام 1900 و1914، خلف هذين الاتجاهين البائدين، اتجاهين معاكسين كذلك: الأول وهو اتجاه إنساني يسعى لتوحيد العالم فكان شعار أصحاب هذا الاتجاه: "نحن للعالم ولسنا لروسيا، لسنا وطنيين، نحن عالميون" وكما ذكرنا سلفـًا فإن "جوركي" قد تبنى هذا الاتجاه لما يتفق معه وقيمه الماركسية، والاتجاه المعاكس تمامـًا لهم، فلم يكن يختلف عن نظيره السابق كثيرًا، إذ نظَّر لذات القومية الإثنية ولكن بمنظورٍ أكثر عصريه، وكان شعر هذا الاتجاه: "روسيا أولًا، نحن وطنيون"، وفي خضم كل تلك النزاعات الفكرية والسياسية أصدر "جوركي" عام 1907 روايته الفارقة في تاريخ الثقافة الروسية السوفيتية، والتي عبَّرت عن آماله وطموحاته في الحياة، وهي رواية الأم.

 

تعد هذه الرواية واحدة من الروايات الفاصلة في حياة "جوركي" وحياة الأمة الروسية في ذلك الوقت، فقد عبَّرت بشكلٍ واضح عن ماركسية "جوركي" المشتعلة، واشتراكيته الرومانسية التي تمس حياة الفقراء والمسكين والكادحين من العمال والشعب ـالبروليتارياـ، ويتضمن الخطاب الروائي ردًّا على العبث والانشقاق الذي حدث إبان الثورة الروسية، والتي لم ينتج عنها، إلا بقاء القيصر متربعـًا على عرشه، ومُصادرة كل الكتابات والمنشورات اليسارية، ويرى المُفكر سلامة موسى في كتابه (هؤلاء علموني)، أن رواية الأم، هي: "إرشاد وإلهام للشباب الثائرين في روسيا حتى لا يقنطوا مِن النجاح المنشود في ثورات أخرى".

 

عانى "جوركي" من مرض "السُل" مُدة أربعين عامـًا، وقد أمضى معظم حياته في جنوب إيطاليا، ابتغاء الشمس والدفء، وقد قاوم هذا المرض حتى توفي عن عمر 68، وفي موته علامات استفهام وتعجب واستنكار، كثيرة، توعز في الغالب إلى "ستالين".

من المحطات المهمة في حياة "جوركي" أنه كان على عَلاقةٍ وثيقة بـ"لينين" ولما تُوفي "لينين" طلب بإن يوضع على نعشه باقة وردٍ بالنيابة عنه، يكتب عليها: "وداعـًا يا صديقي"، ثم شرع في كتابة مذكراته عن "لينين" وأسماها "الانسان الكبير"، وقد خضعت المذكرات لرقابة شديدة في روسيا قبل ان تنشر في عام 1924.

 

رشح "جوركي" لجائزة نوبل للآداب، حوالي خمس مرات، وقد رُشح لها عام 1933، ولكن حصل عليها كاتب روسي آخر هو "إيفان بونين".

من أعمال "جوركي":

1.      رواية "الأم".

2.      رواية "الأنفس الميتة".

3.      رواية "أمسيات قرب قرية ديكانكا".

4.      رواية "المتشردون"

5.      مجموعة قصصية "مولد إنسان".

 

كان "جوركي" على عَلاقة وثيقة بالـ"التورتسكيين" -الجناح الشيوعي المعارض لشيوعية ستالين- مما جعل ستالين يحتجز "جوركي" في منزلٍ كان ملك أحد النبلاء الروس يومـًا، عنده عودته وبشكل نهائي إلى روسيا عام 1933، والمفترض أن هذا البيت الفخم الكبير لا يليق بكاتب كادح -بلوريتاري- ولكنه في الحقيقة كان قفصـًا ذهبيـًا، وقد تُوفي ابن "جوركي" عام 1935، وتوفي "جوركي" بعده بعام واحد يوم 18 من يونيو عام 1936، ويرجح أن ستالين قد قتله وابنه، للأسباب السالفة ذكرها، مضافـًا لها أن "جورجي" -ربما- رفض كتابة رواية عن "ستالين" ففعل به ما فعل.

عاش "جوركي" حياة النضال مُذ كان صغيرًا لا يجد شظف العيش، وحتى سنوات حياته الأخيرة والتي قاوم فيها مرض السُل تارةً، واستبداد "لينين" تارةً أخرى، ولا أجد كلمات تختصر "جوركي" والذي يعني اسمه بالروسية: "المُر"، إلا ما قاله سلامة موسى واصفـًا بأسمى عبارات العبقرية، حيث قال: "ونحن هنا إزاء رجل نجح في الأدب وأخرج الكُتب العظيمة، ولكنه قبل أن يُخْرج كتابـًا مِن المطبعة، أخرج لنا حياته التي نجح في تأليفها، وحياته هذه هي خير من مؤلفاته، وهي التي تلهمنا أكثر من أي كتاب من كُتُبه.."

Dr.Randa
Dr.Radwa