الأحد 5 مايو 2024

هل يخيب ظني؟!

مقالات18-6-2023 | 12:37

تعلمنا أن نتفاءل بالخير لنجده لكن في النهاية يجري الله مقاديره على أيدي الناس لكن أكثر الناس لا يعلمون ومن هنا يأتي التعامل مع المبادرة الأفريقية لحل النزاع الروسي الأوكراني مع إدراكنا الكامل أن الحرب الدائرة ليست مجرد نزاع على أرض أو رغبة في التصدي لعدوان بل هي حرب لإسقاط نظام عالمي قائم واستبداله بآخر وهذا هو عنوان القصيدة وبطن الشاعر ويظهر هذا في إصرار روسي على المواجهة مهما امتدت أو توسعت لأنها تعد بالنسبة إليها حرب وجود كما أنه ظاهر في إبقاء دعم مستمر للأوكران الذين يعتبرهم الغرب مقاتلا بالوكالة عن تسيدهم العام.

لكن ما يميز الوساطة الأفريقية أنها صادرة عن طرف لا ناقة له أو جمل في الحرب الدائرة بل يعد أكبر متضرر وخاسر منها بعد أن جارت على حاضره وهددت بقوة مستقبله كما يميزها أيضا أنها وضعت هدفا لايختلف عليه أحد بعيد عن الإملاءات وهو تشجيع الأطراف للاتفاق على عملية تفاوض تقودها الدبلوماسية، وقدمت في سبيل نجاحها مجموعة من المبادئ الأولية لتهيئة عملية التفاوض وبناء جدار الثقة الذي سقط بانهيار اتفاقات "مينتسك"  التي يعتبرها الروس اليوم بمثابة الهدنة والخدعة الاستراتيجية التي مهدت لاستغلال الناتو الحرب الجارية بالقرب من روسيا للتمدد والتوسع تحت ستار النزاع في أوكرانيا، ومن بين هذه المبادئ التي اقترحتها المبادرة الأفريقية والتي تشارك فيها مصر سحب القوات الروسية، وإزالة الأسلحة النووية التكتيكية من بيلاروسا، وتعليق تنفيذ أمر القبض الصادر من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس بوتين، وتخفيف العقوبات بتصاعد معقول.

وراعي تشكيل المبادرة أن تكون متوازنة لتحظى بقبول روسيا وأوكرانيا وحلفائها فجنوب إفريقيا وأوغندا من الدول التي تميل إلى الجانب الروسي، بينما ينظر لزامبيا وجزر القمر على أنهما منحازتان للغرب، وتبقى النظرة لمصر والسنغال والكونغو أنهما على الحياد ومن العوامل  أيضا والتي تمنح الوساطة مجالا للتحرك أو على الأقل عدم الرفض أن روسيا وأوكرانيا لديهما مصلحة مشتركة فمن ناحية ترغب موسكو  في تكريس نفوذها بإفريقيا كقوة موازية للغرب، بينما تسعى كييف لجذب الجنوب العالمي بما فيه إفريقيا نحو قضيتها، وفرض عزلة أكثر على روسيا.

أما المعوقات التي تتجسد في طريق نجاح الوساطة الأفريقية فبعضها داخلي كانعدام السيادة المسيطر على النخبة الحاكمة في أوكرانيا لكن بعضها الىخر إن لم يكن أغلبه خارجي فالولايات المتحدة تري جنوب إفريقيا وسيطا غير نزيه خاصة بعد واقعة استقبال سفينة روسية مفروض عليها عقوبات بقاعدة بحرية قريبة من كيب تاون، حيث زعمت الولايات المتحدة أنها زودت بحمولة من الأسلحة الجنوب إفريقية، وهو ما نفته جنوب أفريقيا لاحقا.

من ناحية أخرى فإن احتدام الصراع السياسي حول حتمية إلحاق هزيمة بروسيا -أو على الأقل إفشالها في ترسيخ أي من الأوضاع الجديدة التي أفرزها التحرك العسكري على الأرض - يدفع الولايات المتحدة إلى استخدام كل أوراق الضغط لديها وهو ما بدا في مطالبة أعضاء بالكونجرس من الحزبين بمعاقبة جنوب إفريقيا لدعمها روسيا بنقل الأسلحة المزعوم لها بل تصاعد الغضب إلى الحد مطالبة بايدن  وإدارته بالعمل على نقل مؤتمر أجوا التجاري الذي يوفر إمكانية الوصول الحر إلى سوق التجارة الأمريكي لنحو ثلاث وثلاثين دولة إفريقية في إشارة إلى أن العقاب سيكون جماعيا  إزاء الميل إلى الهدف الروسي الأكبر وهو إنهاء حكم القطب الأوحد للعام وإنشاء تعددية قطبية ونظام عالميا أكثر عدالة.

وبين الآمال والممكن  يتعلق مستقبل المبادرة الأفريقية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية فهل تنجح في فك شفرات أعقد نزاعات القرن لتكون آخر بصيص أمل قبل توسع الحرب لتنتقل من مستوى مواجهة بالوكالة على أرض أوكرانيا إلى حرب مباشرة بين الغرب وروسيا وظني أن معركة إعادة تشكيل النظام العالمي لن تنهيها وساطة أو وساطة ولن تنتهي إلا بإعلان أحد طرفي النزاع روسيا والغرب إقراره بالهزيمة واستعداده للقبول بشروط المنتصر وهذا لن يحدث دون مواجهة مباشرة مهلكة يدرك الطرفان أنها آتية لا محالة وما يؤخرها فقط هو إدراكهما لفداحة الخسائر.. فهل يخيب ظني؟!.. أتمنى.