الأحد 5 مايو 2024

الاستحقاق النيابي الكويتي.. جولة من التجاذب السياسى

مقالات19-6-2023 | 00:51

على مدار العشرين عاما الماضية (2003-2023)، شهدت الكويت ما يقرب من عشرة استحقاقات نيابية، بمعدل مجلس نيابى (مجلس الامة) كل عامين، كان أخرها الاستحقاق النيابى العشرين في تاريخ الحياة السياسية الكويتية والذى جرى مؤخرا فى يونيو 2023، وهو الاستحقاق الذى جاء لتصحيح حالة من اللبس عاشتها الكويت بسبب الحكم الأخير الذى أصدرته المحكمة الدستورية الكويتية في 19 مارس 2023 بعودة رئيس وكامل أعضاء مجلس الأمة السابق (2020) والذى كان قد سبق حله وأجريت على إثر ذلك انتخابات نيابية في عام 2022، إلا ان قرار المحكمة بالعودة، دفع الحكومة الكويتية إلى اصدار مرسوم في مطلع مايو الماضى (2203) بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الامة في السادس من يونيو 2023.

وقبل رسم صورة تقييمية لمخرجات هذا الاستحقاق في ضوء ما جاءت به النتائج، يجدر بنا الإشارة إلى ملاحظتين مهمتين: الأولى، ان الحالة التي تعيشها الحياة السياسية الكويتية من مواجهات مستمرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تعطى قراءتين من زاويتين مختلفتين؛ الزاوية الأولى ترى في هذه الحالة تعبيرا عن الحيوية والفاعلية التي تعيشها الحياة السياسية الكويتية وأنها ظاهرة صحية، بل دليلا على الشفافية وقوة الممارسة الديمقراطية.

في حين ترى الزاوية الثانية أن ما يحدث يعكس حالة عدم الاستقرار السياسى المؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية الكويتية بما يعرقل الكثير من خطوات التنمية التي تستهدفها الدولة، ويدللون على ذلك بما يحدث في الجوار الخليجى للكويت، إذ لا تواجه دولة مثل الامارات او السعودية مثل هذه الحالة من عدم الاستقرار السياسى المُعطل لمشروعات وبرامج التنمية الشاملة.

وبين هاتين القراءتين تظل الازمة الكويتية تراوح مكانها وتبحث عن رأي ترجيحى لأى منهما. الملاحظة الثانية، تتعلق بواقع العملية الانتخابية الأخيرة وما شهدته من مشاركة سياسية واسعة سواء من جانب المرشحين او الناخبين، وهو ما تكشفه إحصاءات الأرقام المسجلة لكليهما على مستوى الدوائر الانتخابية الخمس، ففي الدائرة الأولى بلغ عدد الناخبين 99779 ناخبًا، ويتنافس بها 34 مرشحًا، أما الدائرة الثانية فبها 46 مرشحًا يتنافسون على الفوز بأصوات 90394 ناخبًا.

وفي الدائرة الثالثة، يبلغ عدد الناخبين 34 مرشحًا وعدد ناخبيها 137978 ناخبًا. ويتنافس 48 مرشحًا على أصوات 208740 ناخبًا في الدائرة الرابعة، وتضم الدائرة الخامسة 47 منافسًا و256755 ناخبًا. وأن ما سجلته وسائل الاعلام المحلية والدولية حضورا ملحوظا من جانب الناخبين وخاصة الحضور النسائى.


في ضوء هاتين الملاحظتين، يمكن قراءة نتائج الاستحقاق النيابى الأخير من خلال ثلاثة مؤشرات: الأول، بلغت نسبة التغيير أربعة وعشرين بالمئة، وذلك بدخول اثني عشر نائبا جديدا وخروج اثني عشر اخرين من مجموع أعضاء المجلس البالغة 50 عضوا، حيث عاد إلى المقاعد النيابية 25 نائبًا من المجالس السابقة، كما تمكن 12 عضوًا مبطلين فازوا في 2022 لأول مرة من الحفاظ على مقاعدهم، وقد حدث النصيب الأكبر من نسبة التغيير في الدائرة الرابعة بواقع40 %، مقابل 30% في الدائرة الثانية، و10%في الدائرة الأولى، و20% لكل من الدائرتين الثالثة والخامسة.

الثانى، دخول وجوه شبابية للمرة الأولى في المجلس، حيث اسفرت النتائج عن صعود 10 وجوه جديدة، موزعين على الدوائر الخمس، الثالث، تراجع نسبة المرأة الكويتية بعدما فقدت مقعدا من المقعدين اللذين كانتا تحظى بهما في البرلمان السابق، إذ لم تتمكن سوى امرأة واحدة من الاحتفاظ بالمقعد البرلماني وكان من نصيب الوزيرة السابقة جنان بوشهري.
ما اود قوله ان الاستحقاق النيابى الأخير في الكويت يظل رغم تجدده بشكل مستمر كل عامين على حد التقديرات الموجودة، سيظل يحمل في طياته مؤشرا مهما على حيوية الدولة الكويتية وبرلمانها وحكومتها، كما يظل يحمل أيضا مؤشرا على حالة عدم الاستقرار السياسى التي ربما تتعاظم تأثيراته في ظل ما يواجهه العالم من أزمات سياسية واقتصادية انعكست بلا شك على الاقتصاد الكويتى، بما يحتاج من المُشرعّين البحث عن آليات جديدة وسياسات مستحدثة لوضع حد لمنع تكرار هذه السيولة في الحياة البرلمانية الكويتية، حتى يتمكن المجلس من استعادة مكانته ولعب دوره في استكمال بناء الاستحقاقات المأمولة من الشعب الكويتى صاحب الكلمة الفصل فيما تعيشه الكويت بين حين وآخر من استحقاق نيابى قد يُعطل العديد من المشروعات والبرامج التنموية الطموحة.