الأربعاء 15 مايو 2024

الطريق إلى 30 يونيو (1) .. يوم أنقذ السيسي مصر من براثن الجماعة الإرهابية


د. شريف درويش اللبان

مقالات19-6-2023 | 12:11

د. شريف درويش اللبان

بمناسبة قرب حلول الذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو المجيدة نعرض الدراسة المهمة التي أجريتها بالتعاون مع تلميذتي د. علا عبدالجواد حسن المدرس بقسم الإعلام التربوي بكلية التربية النوعية بجامعة طنطا.

شهدت الحياة السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير حالة واسعة من الحراك السياسي خاصة على صعيد عملية تأسيس أحزاب جديدة ، فبعد أن كانت أغلب أحزاب ما قبل الثورة محاصرة أمنياً وسياسياً، مما أدي إلى ظاهرة الانفجار الحزبي، ولعل الدليل على تعطش المواطن المصري لممارسة حياة سياسية وعمل حزبي حقيقي أنه في اليوم التالي لسقوط نظام مبارك تم الإعلان عن تأسيس 13 حزبا على صفحات موقع التواصل الاجتماعي، و بتتبع إعلان تأسيس أحزاب جديدة وصل عدد الأحزاب التي تأسست خلال عام 2011 أكثر من 40 حزبًا، كما وصل عدد الأحزاب التي تم تأسيسها بنهاية عام 2012 حوالى 65 حزبًا، وهى ظاهرة شهدتها مختلف المجتمعات في بداية مرحلة التحول الديمقراطي.

وقد قامت جماعة "الإخوان" بتأسيس "حزب الحرية والعدالة"، أما السلفيون فقد أسسوا عدة أحزاب سلفية مثل "حزب النور" وهو الذراع السياسي لحركة الدعوة السلفية في الإسكندرية، وحزب "الأصالة" و"حزب الفضيلة". كما قامت الجماعة الإسلامية بتأسيس "حزب البناء والتنمية". وشهدت تلك الفترة إنشاء عدة أحزاب بواسطة أعضاء سابقين في جماعة الإخوان مثل "الوسط" و"التيار المصري"، وقد قررت هذه الأحزاب خوض الانتخابات البرلمانية لعام 2011.

وفي سياق متصل ، فاز التيار الإسلامي بالأغلبية البرلمانية ، وأصبح الإسلاميون القوة السياسية المهيمنة في مصر، وذلك على الرغم من عدم مشاركتهم في ثورة يناير منذ البداية، فقد فاز "حزب الحرية والعدالة" بالغالبية العظمى من مقاعد البرلمان حيث حصل على (218) مقعدًا في البرلمان ، يليه "حزب النور" الذي حصل (108) مقعدًا.

ورغم الوعود الخادعة للجماعة بأنها لن تطرح مرشحًا رئاسيًا في انتخابات 2012، فإنها طرحت مرشحيْن هما خيرت الشاطر ومحمد مرسي، وترشح الأخير رسميًا للمنصب، وفاز به في الإنتخابات بنسبة (51.73 %) ضد الفريق أحمد شفيق الذي حصل على نسبة (48.27%)، والذي اعتبره قطاع كبير من المصريين جزءًا من نظام مبارك البائد.

مرسي رئيسًا إخوانيًا فاشلًا

بدأ الرئيس محمد مرسي فترة رئاسته بإطلاق حملة الـ (100) يوم التي وعد بها خلال حملته الإنتخابية، والتي تضمنت حل خمس مشاكل يومية في حياة المواطن المصري، وهى: استعادة الأمن، وضبط المرور، وحل أزمة الوقود، وتحسين رغيف العيش، وحل مشكلة القمامة. ولكن انقضت تلك الفترة دون إحراز أي تقدم ملموس، فقد انشأ نشطاء مصريون موقعًا إلكترونيًا بعنوان "مرسي ميتر" لمراقبة ما جرى تنفيذه من وعود الرئيس الإخواني، وبحسب ما رصده الموقع الذي كان يتابعه نحو 100 ألف مصري، فإنه تحققت أربعة بنود فقط من بين 64 بندًا من خطة مرسي، وذكر الموقع أن 43% من المصريين راضون عن الوعود التي نفذت في حين أن 57% منهم غير راضين، وبهذا فقد الرئيس الإخواني تأييد الأغلبية الطفيفة التي فاز بها في الانتخابات في الأشهر اثلاثة الأولى من ولايته.

وأكد استطلاع لمركز معلومات مجلس الوزراء، أن 37.2% من المصريين لم يسمعوا عن برنامج الـ100 يوم الذي طرحه الرئيس الإخواني مرسي، في حين توقع 18.2% من المستطلعين أن يحقق الرئيس النتائج المأمولة منه، بينما اعتبر 46.2% من المستطلعين أنه سيحقق نتائج جزئية، وبالرغم من عدم ظهور أي تقدم ملموس للمصريين إلا أن مرسي أكد تحقيق 65% من تلك الوعود أثناء خطابه الذي ألقاه في الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر..!.

ومن بين الحماقات التي ارتكبها الرئيس الإخواني في بداية حكمه، قيامه بإصدار قرار بعودة مجلس الشعب في 8 يوليو 2012، والذي أصدرت المحكمة الدستورية العليا قبل الانتخابات الرئاسية حكماً بحله  في 14 يونيو 2012، لعدم دستورية القانون الانتخابي الذي تمت على أساسه العملية الانتخابية، لذا وجد "مرسي" نفسه في صراع مع السلطة القضائية، التي رأت في ذلك تعديًا سافرًا على استقلالية القضاء، خاصةً أن أحكام "الدستورية العليا" واجبة النفاذ، فهو انتهاك للقانون والأحكام الصادرة عن المحاكم وسماه البعض "انقلابًا" على القضاء المصري، إذ أنها بداية غير مبشرة وتعتبر سابقة خطيرة لم يجرؤ على فعلها الرئيس السابق مبارك الذي نفذ أحكامًا صادرة من المحكمة الدستورية مشابهة بحل مجلس الشعب مرتيْن في عهده. 

الإعلان الدستوري بداية لسقوط الإخوان

في 22 نوفمبر 2012، أصدر الرئيس الإخواني محمد مرسي إعلانًا دستوريًا تضمن ما وصفه بالقرارات الثورية، على رأسها تحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية، وعدم جواز حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية من قبل أية جهة قضائية، بالإضافة إلى إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل والشروع في قتل متظاهري 25 يناير، وتعيين نائب عام جديد " طلعت عبد الله".

وترتب على هذا الإعلان انقسامٌ واضح في آراء الكتلة الوطنية ومواقفها، وتحول الانقسام إلى الشارع المصري بين مؤيد ومعارض ومظاهرات إخوانية محدودة بالتأييد ومظاهرات عارمة لسائر جموع المصريين بالمعارضة في أنحاء الجمهورية، وقد اعتبر الشعب المصري الإعلان الدستوري الخطوة الأولى نحو صناعة ديكتاتور جديد.

فالإعلان الدستوري كان الخط القاسم بين صفوف المصريين، حيث تظاهر مؤيدو مرسي أمام قصر الاتحادية فيما تجمع معارضوه في ميدان التحرير، ليعود الميدان أيقونة للثورة ضد حكم جماعة الإخوان ورئيسها، وتظهر فيه شرارة غضب الشعب على حكم الإخوان.

التراجع عن الإعلان الدستوري

في 9 ديسمبر 2012، أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا جديدًا قام بموجبه بإلغاء الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر، وأبقى من بنوده تحصين قرارات الرئيس وعدم جواز الطعن عليها من أية جهة، مع إلزام الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الانتهاء من صياغة مواد الدستور في 6 أشهر وطرحه للاستفتاء الشعبي بشكل سريع في 15 ديسمبر، بعيدًا عن رقابة القضاء، ودون تقديم أية تنازلات أمام سائر التيارات السياسية والمجتمعية الأخرى، وهو ما قوبل برفض الشارع، واتهامه للإخوان بمحاولة وضع دستور يخدم أهداف الجماعة وليس الدولة، وبالتالي فلم يؤدِ الإعلان الجديد إلى أية تهدئة في الشارع المصري.

تزامن صدور الإعلان الدستوري مع ممارسة جماعة الإخوان وحلفائها ضغوطًا مباشرة على المحكمة الدستورية العليا، لتعطيلها عن نظر قضايا تتعلق بدستورية قانون تشكيل الجمعية التأسيسية. كما أسهمت في إشعال أجواء الاستقطاب الدينى الطائفي، من خلال تعبئة التيار الإسلامي ضد ما اعتبرته الجماعة محاولات القوى السياسية الأخرى والأقباط المساس بالهوية الإسلامية ومرجعية الشريعة، ثم وصل الأمر إلى التحريض المباشر من قيادات الجماعة لشباب الإخوان بالاعتداء على التيارات السياسية الأخرى التي كانت معتصمة وقتذاك أمام قصر الاتحادية الرئاسي.

وقد نتج عن تلك المعارضة قيام المظاهرات في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية، مما أدى لنشوب صدام بين معارضي الإعلان الدستوري ومؤيديه من الإخوان حيث أسفر عن سقوط عديد من القتلى على أسوار قصر الإتحادية والرئيس الإخواني يقبع بداخله، وعندما أحس بغضب جموع الشعب المصري، فر هاربًا كالفأر المذعور من أحد أبواب القصر الخلفية خوفًا من أن يفتك به الثوار الغاضبون لمقتل زملائهم على يد الجماعة الإرهابية.    

مقاطعة دستور الإخوان

وفيما يتعلق بالدستور التي تم إعداده بليل؛ فقد شهد هذا الدستور مقاطعةً فادحة وفاضحة من القوى السياسية المفترض أن تشارك في صياغته، وكذلك قاطعه الشعب في أثناء الاستفتاء عليه. ووُجهت عديدٌ من الانتقادات لهذا الدستور؛ حيث إنه عكس رؤيةً إسلامية أكثر منه وفاقًا مجتمعيًا، وعارضه الأقباط لأنه لا يحمي حقوق الأقليات، وعارضته جمعيات حماية المرأة لأنه لا يكفل المساواة بين الرجل والمرأة، كما عارضته وسائل الإعلام لأنه لا يحمي حرية الصحافة والإعلام، وعمليًا فهو يفتح الطريق لأسلمة التشريعات الإعلامية، وقد ظهر هذا الأمر في عملية "أخونة" الإعلام المصري، حيث عيّن الرئيس مرسي أفرادًا مؤيدين للإخوان رؤساء تحرير، مما أثر على السياسات التحريرية التي أصبحت متوافقة مع رؤية النظام. كما ظهر جدالٌ مفتوح بين الإخوان ومختلف التوجهات في وسائل الإعلام، وتم رفع دعاوي قضائية ضد بعض القيادات الإعلامية مثل محمود سعد وباسم يوسف بتهمة ازدراء الأديان أو بتهمة إهانة الرئيس. وقد حاصر الإسلاميون مدينة الإنتاج الإعلامي حيث توجد مكاتب معظم القنوات الفضائية، وهددوا بقتل بعض القيادات الإعلامية، مما زاد من تصعيد هجمات وسائل الإعلام على الإخوان ورئيسهم. كما قاد الرئيس الإخواني محمد مرسي حملة ضد الفنانين والمثقفين وعين وزيرًا إخوانيًا للثقافة حاول فرض الرمز الإسلامي على النخبة الثقافية في مصر، فأقال عديدًا من كبار المسئولين في الوزارة، بما ذلك مدير الأوبرا المصرية، وعين بدلًا منهم أشخاصًا محسوبين على تيار الإسلام السياسي، مما أدى لاعتصام عديدٍ من المثقفين والفنانين والموسيقيين ومنتجي الأفلام أمام الوزارة.

ونستكمل الطريق إلى 30 يونيو الأسبوع القادم بإذن الله.