تصاعدت حدة التوتر بين قائد ومؤسس مجموعة "فاجنر" العسكرية الخاصة يفجيني بريجوجين، ووزارة الدفاع الروسية، بعد اتهام مؤسس المجموعة للجيش الروسي بقصف قواته، الأمر الذي اعتبر "انهيارا" لمسار التفاهمات بين المجموعة والجيش الروسي.
وعلى إثر تلك الاتهامات، دعا قائد "فاجنر" لانتفاضة على قيادة الجيش بعد اتهامها بقتل عدد هائل من عناصره في قصف استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، فيما سارعت موسكو لنفي الأمر مؤكدة ملاحقة بريجوجين بتهمة "الدعوة إلى التمرد المسلح".
وأظهر هذا السجال مدى تجذر الخلاف داخل الأطراف العسكرية الروسية التي تقاتل في أوكرانيا، ويشير إلى أنه وصل إلى مرحلة "اللا عودة" ما يعني أن الصراع داخل الجبهة الروسية بات ينتظر تدخلاً حاسماً من جانب صاحب القرار النهائي الرئيس فلاديمير بوتين، الذي قال الكرملين إنه اطلع على الأمر.
وفي خطوة تمثل تحدياً قانونياً لمؤسس "فاجنر"، ذكرت وكالة "تاس" الروسية نقلاً عن لجنة مكافحة الإرهاب، أن "جهاز الأمن الفيدرالي الروسي فتح قضية جنائية ضد بريجوجين"، بتهم "الدعوة لتمرد مسلح".
وتشير التقارير في روسيا إلى أن التنافس القائم بين وزارة الدفاع ومجموعات "فاجنر" له جذور قديمة، تستند بالدرجة الأولى على تدهور العلاقات الشخصية بين بريجوجين ووزير الدفاع سيرجي شويجو، حيث انعكس ذلك في محطات عدة، برز فيها عدم التوافق بين الرجلين، رغم أن كليهما مقرب من الرئيس الروسي.. كمثال يكفي أن وزارة الدفاع كانت في كل بياناتها الرسمية حريصة على التقليل من الدور الذي تقوم به "فاجنر" في الحرب الأوكرانية، ومنح الأولوية دائما لإبراز "إنجازات" الجيش الروسي.
ويقول الخبراء "إن خلف الصراع يكمن الطموح الشخصي لبريجوجين الذي فاخر بعد إدراجه قبل أسابيع في لائحة العقوبات الأميركية بأنه يمتلك "أقوى جيش في العالم"، لكن الأهم من ذلك، أن هذا الصراع كشف محاولات كل قطب لتوسيع دائرة النفوذ داخل المؤسسة العسكرية على حساب الطرف الآخر".
ومن جانبها، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن نظام كييف يستغل استفزازات مؤسس شركة "فاجنر" يفجيني بريجوجين، ويحاول مهاجمة باخموت، مشيرة إلى أن القوات الأوكرانية تركز نشاط وحداتها الهجومية التكتيكية على أطراف هذه المدينة حاليا.
وقالت الدفاع الروسية، في بيان، "مستغلا استفزاز بريجوجين لتعكير الوضع، فإن نظام كييف في اتجاه باخموت التكتيكي يركز وحدات من اللواءين البحريين 35 و36 لمشاة بحرية القوات الأوكرانية في خطوط الطليعة للعمليات الهجومية".
وأضاف البيان: "أن العسكريين من مجموعة القوات الجنوبية الروسية يلحقون الهزيمة بالعدو بضربات جوية ومدفعية".
وكان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أعلن، في وقت سابق، أن تصريحات وسلوك مؤسس شركة "فاجنر" العسكرية يفجيني بريجوجين تمثل دعوة لنزاع أهلي مسلح وطعنة في ظهر الجنود الروس.
وفي السياق، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أدم هودج أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب الوضع في روسيا إثر تمرد مجموعة "فاجنر" على قيادة الجيش الروسي.
وقال هودج "إن الرئيس الأمريكي جو بايدن اطلع على ما يجري في روسيا"، مضيفا أن واشنطن سوف تتواصل مع حلفائها بشأن هذه التطورات.
ومن جهته، قال مكتب المدعي العام الروسي "إن قائد فاجنر سيواجه عقوبة التمرد المسلح، التي تصل إلى السجن عشرين سنة"، متهما بريجوجين بمحاولة إشعال حرب أهلية في روسيا.
وفي تطور آخر، داهمت عناصر الأمن الفيدرالي الروسي مقر مجموعة "فاجنر" العسكرية الخاصة في مدينة بطرسبورج، على خلفية دعوة مؤسس المجموعة يفجيني بريجوجين للعصيان المسلح.
وقال الأمن الفيدرالي "إن قواته طوقت المباني المرتبطة ببريجوجين قرب جسر بلاوفيشينسكي في المدينة".
وأفادت مصادر إعلامية روسية بوجود اصطفاف لعربات مدرعة ودبابات في محيط مبنى فرع وزارة الدفاع الروسية في مدينة روستوف، جنوب غربي روسيا.
وذكرت قناة "روسيا اليوم" أن لقطات فيديو أظهرت مجهولين بزي عسكري مموه طوقوا مقر المنطقة العسكرية الجنوبية والمقر الرئيسي لوزارة الداخلية ومبنى إدارة المدينة.
كما دعت وزارة الدفاع الروسية مقاتلي مجموعة "فاجنر" إلى عدم الانخراط في مغامرة إجرامية، والاتصال بالأجهزة الأمنية في أقرب وقت لتأمينهم.
وفي السياق، أعلنت اللجنة الروسية لمكافحة الإرهاب فرض إجراءات مكافحة الإرهاب في مدينة موسكو ومقاطعتها.. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد أكد من جانبه، أنه سيدافع عن روسيا ومواطنيها ضد أي تهديد، بما في ذلك الخيانة الداخلية، موضحا أن رده سيكون قاسيا على التمرد المسلح.
وقال بوتين، في كلمة له، "إن روسيا تخوض قتالا صعبا من أجل مستقبلها، وتتصدى لعدوان النازيين الأوكرانيين ورعاتهم"، مؤكدا أن هذا الوقت يتطلب تضافر جميع الجهود والتكامل والحفاظ على وحدة روسيا وشعبها.
وأضاف "أن هذا التمرد على الشعب ورفاق القتال الذين يحاربون في الجبهة هي طعنة في الظهر.. والمصالح الشخصية أدت إلى خيانة الوطن والشعب".. وتابع قائلا "أن الرد على من يحاولون التمرد ودفع البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية سيكون صارما، وسيتحملون العقاب الذي لا مفر منه والمسؤولية أمام القانون والشعب الروسي".
وأشار بوتين إلى أن القوات المسلحة الروسية والأجهزة الأمنية تلقت أمرا بمكافحة الإرهاب في موسكو وغيرها من المناطق الروسية، وسيتم اتخاذ إجراءات صارمة لاستقرار الوضع في مقاطعة "روستوف".
وفي نهاية كلمته، أوضح الرئيس الروسي قائلا "هناك من تم جرهم في هذه المغامرة الإجرامية.. وأدعوهم إلى الالتزام بالتعقل ووقف هذه التصرفات فورا".. وصادق الرئيس الروسي على قانون يسمح للسلطات الروسية باحتجاز أي شخص يخالف القوانين العرفية المعلنة في البلاد مدة 30 يوما، وذلك ردا على حالة العصيان المسلح الذي أعلنته قوات فاجنر.
ومن ناحيته، أهاب رئيس مجلس "الدوما" الروسي فياتشيسلاف فولودين بقوات "فاجنر" اتخاذ القرار الصائب الوحيد المتمثل بالوقوف مع الشعب وحماية أمن ومستقبل الوطن، وتنفيذ أوامر القائد الأعلى للجيش.
وقال فولودين، إن "تاريخ روسيا شاهد على أن التحديات والتهديدات الخارجية حشدت مجتمعنا، وأننا نتغلب معا على كافة الصعوبات"، مضيفا أن نواب مجلس "الدوما" الذين يمثلون مصالح مواطني روسيا متمسكون بوحدة الصف، ويعلنون تأييدهم التام للرئيس فلاديمير بوتين القائد العام الأعلى للجيش الروسي.
وأشار فولودين إلى أن مشاكل البلاد ومتاعبها على مر التاريخ لم تحدث إلا بسبب الخيانة والانقسام الداخلي وخيانة النخبة، داعيا قوات "فاجنر" إلى اتخاذ القرار الصائب الوحيد والمتمثل بالوقوف مع الشعب وحماية أمن ومستقبل الوطن، وتنفيذ أوامر القائد الأعلى للجيش، وأي شيء سوى ذلك خيانة.
وبدوره، أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف تأييده الكامل لكل ما جاء في كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي وجهها للشعب اليوم، مشددا على ضرورة القضاء على التمرد المسلح الذي أعلنه مؤسس شركة "فاجنر" العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين.
وقال قاديروف، في بيان، "لدينا قائد أعلى منتخب من قبل الشعب يعرف الوضع برمته بأدق التفاصيل بشكل أفضل من أي استراتيجي".. وأضاف: "يجب القضاء على التمرد، ونحن مستعدون إذا كان الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة".
وتابع الرئيس الشيشاني: "أن مقاتلي وزارة الدفاع والحرس الروسي في جمهورية الشيشان قد غادروا بالفعل إلى مناطق التوتر، سنبذل قصارى جهدنا للحفاظ على وحدة روسيا وحماية دولتها"، مؤكدا أن أمن الدولة وتماسك المجتمع الروسي في مثل هذه اللحظة فوق كل شيء.
كما دعا نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف إلى الالتفاف حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل هزيمة العدو الخارجي والداخلي المتعطش لتمزيق روسيا.
ومن ناحيتها، دعت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى الاتحاد والامتثال لأوامر القائد الأعلى، قائلة: إن "العدو فقط من ينتظر حربنا الأهلية، لكنه لن يطولها.. توحدوا، أنتم لا تحمون مصالح الأفراد بل مصالحنا جميعا، أنت تحمي عائلتك الكبيرة".
وفي السياق، ذكرت وكالات إنفاذ القانون في روسيا أنه تم وضع المنشآت الرئيسية في موسكو تحت حماية معززة وتم تشديد الإجراءات الأمنية في العاصمة الروسية.
وقالت وكالات إنفاذ القانون "تم تشديد الإجراءات الأمنية في موسكو وتم وضع جميع المنشآت الرئيسية والهيئات الحكومية ومواقع البنية التحتية للنقل تحت الحماية المعززة".
وتتوالى ردود الفعل الدولية منذ إعلان قائد مجموعة "فاجنر" الروسية، يفجيني بريجوجين، تمرده على القيادة الروسية وسيطرته على مواقع عسكرية في مدينة روستوف الروسية، فبينما قال البيت الأبيض "إنه تم إطلاع الرئيس جو بايدن على التطورات"، أشار متحدث باسم الناتو إلى أن الحلف يراقب الوضع، في حين توقعت أوكرانيا التي تخوض حرباً مع موسكو، تطور الأوضاع إلى "حرب أهلية".
وبدوره، دعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الأطراف في روسيا إلى "التصرف بمسؤولية" و"حماية المدنيين"، مشيرا إلى أنه سيبحث التطورات في روسيا مع حلفاء بريطانيا في وقت لاحق.
واعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن "تمرد فاجنر" دليل على ضعف روسيا وعدم الاستقرار السياسي فيها، قائلا: إن "ضعف روسيا واضح، ضعف واسع النطاق، وكلما أبقت روسيا قواتها ومرتزقتها على أرضنا، واجهت المزيد من الفوضى والألم والمشكلات لاحقاً".
وعلى الجانب الأوروبي، قال شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي "إن الوضع في روسيا "سألة داخلية روسية"، مؤكداً أن دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي "لا يتزعزع".
وقال متحدث باسم المكتب الإعلامي للحكومة الألمانية "إن حكومة المستشار أولاف شولتز تراقب الوضع في روسيا عن كثب"، كما قال متحدث باسم حلف شمال الأطلسي "الناتو" إن الحلف يتابع الوضع في روسيا.
وحذرت الخارجية البريطانية من خطر حدوث اضطرابات في أنحاء روسيا، خلال تحديث لتوجيهاتها للمسافرين، وذلك بعد تحركات مجموعة "فاجنر".
وفي فرنسا، أعلن قصر الإليزيه أن "الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع الوضع في روسيا عن كثب"، مضيفاً أن "تركيزنا لا يزال منصباً على دعم أوكرانيا".
وأشار الرئيس البولندي أندريه دودا إلى أنه أجرى مشاورات مع رئيس الوزراء، ووزارة الدفاع بشأن الموقف في روسيا، مضيفاً أن "وارسو تراقب الموقف".
وكتب دودا على "تويتر"، "فيما يتعلق بالموقف في روسيا، أجرينا هذا الصباح مشاورات مع رئيس الوزراء ووزارة الدفاع ومع الحلفاء أيضاً.. ونراقب مسار الأحداث خلف حدودنا الشرقية بصورة مستمرة".
كما أعلنت رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس تعزيز الأمن على الحدود مع روسيا، كما حثت مواطنيها على عدم السفر إلى أي منطقة في روسيا.
ومن جهتها، أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ملوني أنها تراقب الأحداث في روسيا، مؤكدة أن العدوان على أوكرانيا يؤدي إلى عدم الاستقرار داخل الاتحاد الروسي.
وأضافت ملوني أنه يصعب تقييم الوضع في روسيا، قائلة إن "الوضع فوضوي للغاية داخل الاتحاد الروسي، وهذا لا يتوافق مع الدعاية التي رأيناها خلال الأشهر القليلة الماضية".