الخميس 16 مايو 2024

في ذكرى ميلاد خليل مطران.. لماذا أطلق علىه شاعر الأقطار العربية؟

خليل مطران

ثقافة1-7-2023 | 20:03

عبدالرحمن عبيد

تحل علينا اليوم الموافق الأول من يوليو الذكرى 151 لميلاد خليل مطران شاعر الأقطار العربية، وأديب الصحافة التحررية.

ولد الشاعر اللبناني خليل عبده يوسف مطران في الأول من يوليو عام 1872، ببعلبك بلبنان، تلقى تعليمه الأولي بمدرسة بزحلة، ثم انتقل إلى المدرسة البطريركية ببيروت، بالإضافة لتتلمذه على يد أديبين من كبار أدباء لبنان وقتها: الإخوة إبراهيم وخليل اليازجي، وقد قرئ مطران أشعار الأديب الفرنسي "فكتور هوجو" وغيره من كِبار أدباء ومفكري العالم الغربي.

سَفَرَ فرارًا إلى باريس عام 1900 بسبب اشتراكه في حركات الاستقلال عن الدولة العثمانية، وقد درس في فرنسا الأدب الفرنسي وانكب على قراءته ومطالعته مصنفاته، وهذا ما سيمهد لظهور شخصية المترجم عند مطران.

هاجر إلى مصر عام 1902، عمل هناك محررًا بجريدة "الأهرام"، ثم تركها وإنشاء "المجلة المصرية" ثم أنشاء من بعدها جريدة "الجوانب المصرية" وهي جريدة يومية، وقد حرص في هذا الجريدة على دعم ومناصرة الزعيم مصطفى كامل باشا في قضيته التحررية والمناهضة للاستعمار الإنجليزي، حتى قال عنه الشاعر المصري الراحل صالح جودت: "إنه اصدق شعراء العرب تمثيلاً للقومية العربية".

 

كان مطران مِمَن أمنوا بالتجديد في الشعر، فكان من ممثلي التيار الرومانسي في المعالم العربي، بجانب أعلام من كِبار شعراء الوطن العربي، أمثال: "إبراهيم ناجي، صالح جودت، عمر أبو ريشة، علي محمود طه"، فبدأ في استخدام ألفاظ لم تكن معهودة عند القراء، بل حينما أرد أن يرثي إبراهيم اليازجي، رثاه بقصيدة نثر!، وهذا ما كان أشبه بأمر عجيب في زمن كان الإحيائيون أمثال: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، طاغيين على الساحة الثقافية، وقد ظُلِم مطران بصفته شاعرًا، فلولا وجوده في زمنـًا يتربع على عرش قصائده أمير الشعراء وشاعر النيل، لكان لمطران شأن آخر يليق بصفته شاعرًا ذا منتج شعري يُحترم.

 

وحتى يثبت مطران أن حتمية التجديد في القصيدة العربية، صارت أمرًا لابُد منه، وأن التجديد لا يعني العجز عن مُجراه القديم؛ كتب قصيدته المشهورة "نيرون"، والتي تجري في 326 بيت على نظم القافية الواحدة أي الطريقة التقليدية، وقد نادى في المقدمة التي وضعها لتلك القصيدة، فيما معناه: بضرورة التجديد ومواكبة التطور الذي يجري من حولهم في العالم، فاللغة العربية كما أثبتت نفسها في الماضي تثبت نفسها كذلك في الحاضر والمستقبل.

ومن أشهر قصائده قصيدة المساء، والتي كتبها حينما أشتكي للأطباء مرضـًا ألمَّ به؛ فنصحه الأطباء بالذهاب إلى الإسكندرية، حتى تتحسن صحته ويبرأ من سقامه هناك، ولكن حاله أزداد سوءً؛ فكتب هذه القصيدة، والتي قال في مطلعها:

 

دَاءٌ أَلَــمَّ فَــخِــلْــتُ فِــيــهِ شِــفَــائِــي      مِـنْ صَـبْـوَتِـي فَـتَـضَـاعَـفَـتْ بُـرَحَائِي

يَــا لَلــضَّـعِـيـفَـيْـنِ! اسْـتَـبَـدَّا بِـي وَمَا     فِـي الـظُّـلْـمِ مِـثْـلُ تَـحَـكُّـمِ الـضُّـعَـفَاءِ

قَــلْــبٌ أَذَابَــتْــهُ الـصَّـبَـابَـةُ وَالْـجَـوَى     وَغِــــــلَالَـــــةٌ رَثَّـــــتْ مِـــــنَ الْأَدْوَاءِ

وَالــرُّوحُ بَــيْــنَــهُــمَــا نَــسِـيـمُ تَـنَـهُّـدٍ     فِــي حَـالَـيِ الـتَّـصْـوِيـبِ وَالـصُّـعَـدَاءِ

وَالْـعَـقْـلُ كَـالْـمِـصْـبَـاحِ يَـغْـشَـى نُـورَهُ    كَــدَرِي وَيُــضْــعِـفُـهُ نُـضُـوبُ دِمَـائِـي

 

ومن أشهر أبيات تلك القصيدة والتي يدرسها طلاب الثانوية العامة في مصر، تلك الأبيات التي يقول فيها:

 

إِنِّـي أَقَـمْـتُ عَـلَـى الـتَّـعِـلَّـةِ بِـالْـمُـنَـى     فِــي غُــرْبَــةٍ قَــالُــوا تَــكُــونُ دَوَائِـي

إنْ يَـشْـفِ هَـذَا الْـجِـسْمَ طِيبُ هَوَائِهَـا     أَيُــلَــطِّــفُ الــنِّــيــرَانَ طِـيـبُ هَـوَاءِ؟

أَوْ يُـمْـسِـكِ الْـحَـوْبَـاءَ حُـسْـنُ مُـقَامِهَا    هَــلْ مَـسْـكَـةٌ فِـي الْـبُـعْـدِ لِلْـحَـوْبَـاءِ؟

عَــبَــثٌ طَــوَافِــي فِـي الْـبِـلَادِ وَعِـلَّـةٌ    فِــي عِــلَّــةٍ مَــنْــفَــايَ لِاسْــتِــشْــفَـاءِ

مُـــتَـــفَــرِّدٌ بِــصَــبَــابَــتِــي مُــتَــفَـرِّدٌ    بِــكَـــآبَـــتِــي مُــتَــفَــرِّدٌ بِــعَــنَــائِــي

شَـاكٍ إِلَـى الْـبَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي   فَــيُــجِــيــبُــنِــي بِـرِيَـاحِـهِ الْـهَـوْجَـاءِ

ثَــاوٍ عَــلَــى صَـخْـرٍ أَصَـمَّ وَلَـيْـتَ لِي   قَــلْــبًــا كَــهَـذِي الـصَّـخْـرَةِ الـصَّـمَّـاءِ!

 

ومن أشعار مطران الرومانسية:

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ

وَالقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ

وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي

كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائي

 

بقيّ مطران في مصر حتى رحيله عن عالمنا في الأول من يونيو عام 1949 عن عمر ناهز 77 عامـًا، مخلفـًا وراءه إرثـًا شعريـًا كبيرًا؛ جعله خالدًا في أذهان الناس وقلوبهم، حتى يومنا هذا.