الثلاثاء 14 مايو 2024

الله يرحمك يا أستاذ سليمان

مقالات2-7-2023 | 13:22

على الرغم من أنه عاش حياته صامتا راضيا لم يضع أعباءه على كتف أحد إلا أن الله شاء أن يجعل رحيله آية تتناقلها الألسن بالفخر بما تركه هذا الرجل من نهاية ملهمة لكثيرين يسيرون على دربه ولا ترى لأناتهم أو عذاباتهم مكانا سوى قلوبهم ومنعهم فضيلة الرضا بما قسمه الله من الخروج عن حدود الأدب فلم يتهم مجتمعه بالتنكر لفضله كمعلم مهنته التي قضى فيها من عمره عقودا لكنه لم يجمع من حطام الدنيا ما يغنيه لوم يعمل وفق المثل الشائع "على قد فلوسهم" ظل سليمان محمد عبد الحميد ابن المنيا الذي لقي الله في أيام العيد أثناء عمل إضافي يسد به حاجة أسرته دون ضجيج أو صراخ أو متاجرة .

الإخلاص كان عنوانا لحياته وإلا ما كان حظي بهذا القبول والتعاطف مع جهاده الشريف وسط عالم بات يخجل من الشرف ويعتبره نوعا من "العبط" أو عدم إدراك الواقع حيث يرفع البعض اليوم شعار إن لم تأكل من حولك سيأكلوك ولم يتخذ الطريق الأسهل بالعمل في الدروس الخصوصية والتي يبدو أنه يراها نوعا من الخيانة لعمله أو تقصيرا لا يبرر الاسترزاق من مدخرات بسطاء مثله يشعر بمدى ما يبذلونه من جهد لمكابدة الحياة.

لم يتنكر لوطنه كما فعل كثيرون فلم يهاجمه أو يلومه ولم يضرب اعتصاما أو يعلن إضرابا عن طعام ولم يقدم نفسه كضحية لمعدي برامج التوك شو ولم يدع أحدا سوى الله أن يعينه على ما يواجهه من تحديات وهي الشخصية التي يعتبرها البعض نادرة أو في سبيلها للانقراض لكنها في الحقيقة تموذج منتشر وبقوة لكن عذاباته لا تجاوز ضميره ولا تصعد شكواه إلا لبارئه في وقت يملأ آخرون سماءنا وأرضنا بصراخ وعويل ينشدون فينا الخراب .

والأدهى والأمر أن يتحول الأستاذ سليمان إلى مادة خصبة لأهل الشر الذي هم من الخسة بمكان ليحوله إلى حملة للطعن وتصفية الحسابات فيسهبون في تبني مظالم لم يبديها ولا مآخذ لم يعلنها في إدعاء لشرف لا يعرفونه و إنسانية لم يمارسوها وعمدوا إلى تقديمه كضحية وليس كبطل أدرك تحدياته وقرر ان يواجهها حتى لقي الله وهو في ساحات مواجهتها راضيا مرضيا لتحتفي به السماء في أيام العيد بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت.

 إن إرادة الله أن يكون رحيل الأستاذ سليمان بهذا الدوي وهذا الانتشار رسالة سيخطئ من يتجاهلها ولعل ما صرح به ابنه أن والده كان يقوم بذلك العمل المضني لمن شارف على الستين من عمره كان في أيام العطلات والإجازات الصيفية وهي إشارة لشهيد المنيا أنه لم يكن من أهل التوقيع في دفتر الحضور ثم الانصراف إلى عمل آخر وقد كلن ذلك بمقدوره كمدير يمكنه الإدارة عن بعد كعهد آلاف سواه لكنه الإخلاص لله الذي رفعه ليكون ذكرى تشرح معنى الشرف والإخلاص وتكذب كل عابث بتلك القيم تحت دوافع تشبه تلك التي دفعت الأستاذ سليمان إلى العمل الإضافي وتلعن كل متاجر بمسيرة حياته الصعبة.

رحمك الله يا عم سليمان فقد خرجت من ضيق إلى سعة وبات رحيلك منارة يستضاء بها في الظلام وبعث الله على يديك رسالة لكل مخلص تساوره الشكوك في الاستمرار على إخلاصه أن استمر فأنت بأعيننا وسنجعلك لمن خلفك آية فلا تيأس ولا تبتئس ودم على صبرك الجميل.

Dr.Radwa
Egypt Air