تمر الأيام بأحداثها المتلاحقة غير مبالية بأحوال الناس وما يمرون به من مشاعر جياشة حين يتركهم أحباؤهم فيسافر أعز وأغلى الناس وتتعب القلوب وتسهر العيون ويقلق النوم من هذا الفراق والبعد .. ومع ذلك أجد الناس يقولون (البعيد عن العين بعيد عن القلب)!!!!
كيف يقولون هذا الكلام ... من الذي قال هذه المقولة حقًا .. وإن المسافر مهما غاب فهو حاضر ومهما بعد فهو قريب!!!
ثم من هو البعيد ... هل هو المسافر الذي ترك أحباءه وسافر أم البعيد هم أحباؤه الذين أصبحوا بعيدين عنه ... بعيدين بأحداثهم وتفاصيلهم وذكرياتهم ... من البعيد حقًا ...
إن المسافر على بعده فهو ساكن في أعماق القلب فهو بعيد بجسده فقط ولكن هو قريب بمواقفه وتعليقاته وكلماته التي لا تمحوها السنين والأيام ولا تلغيها المسافات أما الأحباء التي تنتظر المسافر والتي أصبحت بعيدة عنه فلم تعد جزء من يومه وليس لها وجود في تفاصيل حياته ... بل من الممكن أن يصبحوا مجرد مكالمة في دقائق معدودة وينتهي الأمر.
إنني لا ألومك أيتها الأيام ... فأنت غير مسئولة عن ذلك بل هي مسئوليتنا نحن .. المسافر والمنتظر، فإنه على المسافر أن يعوض أهله عن غيابه بإشراكهم في مشاكله التي يمر بها في الغربة .. ويأخذ رأيهم في بعض القرارات التي يتخذها، وعليه أن يصف ما يمر به في حياته بعيدًا عنهم، أما حين يأتي عليه أن يعوضهم عن غيابه بالاهتمام بمشاعرهم وأخبارهم وإشعارهم بالحب والإنصات والاستماع إليهم، والاشتراك في حل ما يمرون به من مشاكل والسعي الجاد في حلها دون ضيق أو سأم...
وعلى المنتظر دور كذلك ... عليه أن يعلم أن الظروف قد تضغط على الناس فيضطرون للسفر... وكذلك يجب أن لا يكون كم المشكلات التي تنتظر المسافر كثيرة فنحل نحن ما نقدر عليه وحدنا وهو يجب أن يكون على دراية بها .. وكذلك عليه أن يتجاوز في بعض المواعيد ويعلم أن الوقت أحيانًا لا يسعف المسافر فنعطيه بعض العذر ... علينا بتقدير ظروف بعضنا البعض ... فالمسافر يقدّر أنه ترك كل المسئولية على غيره، أما المنتظر عليه أن يعلم أن الغربة صعبة وأن المسافر تحملها من أجل الجميع.
وأخيرًا لابد من التواصل المتواصل بإظهار مشاعر الحب واللهفة على من نحب مؤكدين لبعضنا عمق المشاعر وقوتها التي لا يطفئها البعد ولا تقللها السنين، وحتى لا يكون البعيد عن العين بعيد عن القلب.