الأحد 24 نوفمبر 2024

ثقافة

في ذكرى ميلاده.. نصر حامد أبو زيد ومحنة التنوير

  • 10-7-2023 | 11:49

نصر حامد أبو زيد

طباعة
  • عبدالرحمن عبيد

تحل علينا اليوم الذكرى الـ 80 لميلاد المفكر الأكاديمي الدكتور نصر حامد أبو زيد، صاحب المؤلفات العلمية التي أحدثت صخبـًا بين الأوساط العلمية والمعرفية، فبين مؤيد ومعرض، كان الدكتور نصر يدفع الثمن غاليـًا، غير نادم على كل التضحيات التي قدمها في سبيل ما يؤمن.

ولد نصر حامد أبوزيد في العاشر من يوليو عام 1943، بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، لأسرة متوسطة الحل، أراد له والده أن يكون أزهريـًا معممـًا، ولم يتأخر الدكتور نصر في تلبية رغبة والده الملحة، فقد أتم حفظ نصف القرآن الكريم قبل أن يبلغ سن العاشرة، ولكن القدر كان سباقـًا وكان حكيمـًا في نفس الوقت، فتوفي والده وهو في الرابعة عشر من عمره، ما أدى لانتسابه لمدرسة فنية، عمل بعدها فنيـًّا لاسلكيـًا بالهيئة المصريّة العامة للاتّصالات اللاسلكيّة بين عام 1961 و1972.

كانت طموح نصر حامد أبوزيد وأحلامه أكبر من العقبات والعثرات التي وضعتها الحياة قُبالته، فمثل محاربٍ يشق طريقه حاملًا سيفه وسط تهديد العدو، كذلك كان الدكتور نصر مُحاربـًا من نوع آخر، فقد التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة عام 1967، بالرغم من كل الصعوبات التي كانت تواجه بوصفه العائل والمعيل لأهله، ولكنه تجاوزها بكد ومثابرة، وتخرج في كلية الآداب عام 1972 حصلًا على تقدير جيد جدًا، وعُيِنَ معيدًا بالجامعة على إثرها، وكانت هذه هي نقطة الشرارة الأولى التي ستنطلق منها بقية رحلة نصر العلمية والأكاديمية.

حصل الدكتور نصر على درجة الماجستير عام 1976 عن رسالته والتي عنوانها: "الاتجاه العقلي في التفسير.. دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة"، وحاز درجة الدكتورة عام 1982 عن رسالته "فلسفة التأويل.. دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي".

بدأت محنة الدكتور نصر حامد أبو زيد في ثمانينيات القرن الماضي حينما بدأ كتابته في نقد مفاهيم الفكر الديني المعاصر، وقد ذهب الدكتور نصر إلى ضرورة ترسيخ مبدأ ومفهوم "الهرمنيوطيقا" والذي يُقابل في الثقافة الإسلامية مفهوم "التأويل"، فحسب ما يعتقد: فالقرآن له مُرسل وله مستقبل وله مستمعين، كشأن أي نص، وبالتالي فهو خاضع للنقد والدراسة، متأثرًا بنزعته الماركسية والتي تعتمد منهج "المادية الديالكتيكية" التي لا تؤمن بما هو خارج عالَم الحواس، وتُخْضِع الأمور كلها للواء المنطق.

كان مبتغى الدكتور نصر حامد أبو زيد، ليس نقد الدين، بل نقد العقلية الدينية، فالعقلية الدينية عقلية نص وليست عقلية واقع، فهي أسيرة النص والنص ثابت والواقع مُتغير، فإذا صار العقل العربي أثير السرديات التاريخية والتأويلات الفقهية لن يتقدم، وسيبقى ساكنـًا والعالم من خلفه يتحرك، والهدف من كل ذلك إعمال العقل في النص، بدلًا من تركهما في معزل عن بعضهما البعض، ومن هنا جاءت الفكرة التي كان يدعو لها نصر حامد أبوزيد.

وفي عام 1992، تقدم الدكتور نصر حامد أبو زيد لنيل درجة الأستاذية عن بحثه "نقد الخطاب الديني"، وكانت اللجنة المشكلة من الأساتذة المشرفين، يرأسها العالم الراحل الدكتور عبدالصبور شاهين، أستاذ اللغويات العربية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة آنذاك، وقد رفض الدكتور شاهين منحه الأستاذية، مشيرًا إلى أن ما قدمه الباحث لا يرقى بأستاذ متخصص في العلوم العربية، وقد اتهم الدكتور نصر بعد هذه الواقعة المشهورة في تاريخه كله: بالكفر؟!.

والعجيب أن المصير الذي لحق بالدكتور نصر حامد أبو زيد، لحق أيضـًا بالدكتور عبدالصبور شاهين؛ عندما أصدر في أواخر التسعينيات كتابه المشهور "أبي آدم"، والذي يقرُّ فيه أن آدم -عليه السلام- ليس واحدًا ولكنه أوادم متعددة، مقتربـًا من نظرية التطور عند العالم الإنجليزي "تشارلز داروين".

وبسبب الاتهامات التي لحقت الدكتور نصر، أصدر بعض الأصوليين في حقه دعوة لتطليقه من زوجته؛ لأن الرجل لم يعد مسلما في نظرهم، ولأن المرأة المسلمة لا يحق لها أن تظل على ذمة رجل غير مؤمن؟!، ولكن زوجته الدكتورة ابتهال يونس الأستاذة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقفت بجانب زوجها في محنته، وسافرا معـًا إلى هولندا عام 1995، وعمل نصر هناك أستاذًا بجامعة ليدن، وأصدرت المحكمة قرارًا بإيقاف تنفيذ الحكم عام 1996، وكانت زياراته لمصر بعدها قليلة إلا أنها لم تنقطع حتى آخر فترة في حياته.

ومن الأخطاء التي أدركها أبوزيد ووقع فيها، قوله: إن الإمام الشافعي كان عميلًا أمويـًا، كما جاء في كتابه الذي وضعه عن الإمام الشافعي؛ حيث إن الإمام الشافعي ولد عام 150 هجريـًا وتُوفي عام 204 هجريـًا، أي أنه ولد بعد سقوط الدولة الأموية بـ18 عامـًا؟!، فقد قُتل "مروان بن محمد" أخر الخلفاء الأمويين في معركة الزاب الأعلى عام 132 هجريـًا.

ومن أبرز مؤلفات نصر حامد أبوزيد:

  • الاتجاه العقلي في التفسير.. دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة.
  • فلسفة التأويل.. دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي.
  • مفهوم النص دراسة في علوم القرآن
  • اشكاليات القراءة واليات التأويل.
  • نقد الخطاب الديني
  • المرأة في خطاب الأزمة.
  • البوشيدو: ترجمة وتقديم نصر أبوزيد.
  • الخلافة وسلطة الأمة نقلة عن التركية عزيز سني بك.
  • النص السلطة الحقيقة.
  • دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة.
  • الخطاب والتأويل.
  • التفكير في زمن التكفير.
  • القول المفيد في قضية أبوزيد.
  • هكذا تكلم ابن عربي.
  • الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية.

 

حصد الدكتور نصر الكثير من الجوائز والتكريمات، أبرزها:

 

  • جائزة عبد العزيز الأهواني للعلوم الإنسانية من جامعة القاهرة 1982.
  • أستاذ زائر بجامعة أوساكا للغات الأجنبية باليابان 19851989.
  • وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية تونس 1993.
  • أستاذ زائر بجامعة ليدن بهولندا بدءا من أكتوبر 1995.
  • جائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان، 1996.
  • كرسي كليفرينخا Cleveringa للدراسات الإنسانية - كرسي في القانون والمسئولية وحرية الرأي والعقيدة- بجامعة ليدن بدءا من سبتمبر2000.
  • ميدالية «حرية العبادة»، مؤسسة إليانور وتيودور روزفلت 2002.
  • كرسي ابن رشد لدراسة الإسلام والإنسانيات، جامعة الدراسات الإنسانية في أوترخت، هولندا 2002.

 

كما ولد في يوليو، فقد رحل في نفس الشهر، إذ توفي الدكتور نصر حامد أبو زيد، صباح يوم الإثنين الموافق الخامس من شهر يوليو عن عمر ناهز 65 عامـًا، بعد صراع طويل مع مرض فيروسي مجهول عجز الأطباء عن توصيفه، وأعرب كبار الكتاب وقتها، من أمثال: بهاء طاهر، ويوسف القعيد، وجمال الغيطاني، عن حزنهم وتأثرهم برحيل واحد مِن أهم مُفكري مصر وأبرزهم حضورَا.

الاكثر قراءة