تعكس قيادة السيارات في دول العالم شرقا او غربا ثقافة شعوبها ومفاهيمهم التاريخية او تعكس مدى اهتمامهم بالآخرين وحمايتهم وأمانهم أو أنانيتهم المفرطة.
وما بين قيادة السيارة في بريطانيا شمال الطريق ويمينها في معظم بلدان العالم تختلف سيكولوجية القيادة
بل ان قيادة المرأة للسيارة تختلف في ظروفها عن قيادة الرجل ، ووفقا لدراسة و إحصائية دولية في الولايات المتحدة أجريت مؤخرا، فان نسبة 70 بالمئة من نساء العالم تهوى قيادة السيارة داخل المدينة، بينما الرجل يحب القيادة على الطرق السريع
وانا احلل ذلك أنه بسبب الشعور بالامان ، وقد أكد علماء النفس بأن المرأة تكون اكثر حرصا وخوفا من الدخول في مغامرات السرعة الكبيرة بالقيادة خلاف الرجل الذي يفضل السرعة بالقيادة ، كما ان المرأة تشعر بأمان أكثر وهي تراعي قيادة السيارة ضمن سرعات أمان يحددها خبراء المرور في مختلف أنحاء العالم حفاظا على سلامتها وأمنها ، بينما الرجل يشعر بالملل والضيق من قيادة السيارة في المدن ويضيق من التقيد بالسرعات ومراعاة القوانين المرورية لذلك يهوى القيادة على الطرق السريعة.
وتتباين ثقافات الشعوب في القيادة وسلوكياتها من بلد لآخر ويرجع بعض البريطانين قيادة السيارة شمال الطريق الى نظرية منذ العصر الروماني حيث يستخدم المحاربون اليد اليمنى بينما يمتطون ظهور الجياد من اليسار، كما ان الجيوش الرومانية كانت تسير إلى يسار عربات الحرب، وهو التقليد الذي توارثه البريطانيون حتى اليوم.
بالرغم من شدة صعوبة اختبارات قيادة السيارة والحصول على رخصة في بريطانيا تحقيقا لقيادة سلمية تحمي الاوراح وتحقق السلام، وفي كثير من البلدان تستطيع ان تحكم على شعوبها من قيادتها و رغم ان بعض البلدان لديها قوانين مرورية صارمة الا ان ثقافة القيادة نفسها قد ترتبط بنوازع النفس البشرية من الانانية والمصلحة الشخصية على مصالح الاخرين، فمثلا تجدهم لا يستخدمون الإشارات الضوئية و لا يلتزمون بها، والسير بالعكس في الشوارع الفرعية كذلك الوقوف أمام المحال التجارية حيث تقف السيارات عرضاً على بعد حوالي عشرة أمتار من الرصيف، فكل واحد يخاف أن تقف خلفه سيارة تمنعه من الخروج عندما ينتهي من التسوق.
المنظور الثقافي للالتزام بقواعد المرور ومستجدات انظمة أمنها مثل أحزمة الامان وغيرها، نجد النسبة تتفاوت من بلد لآخر، الى حد دفع اربعة سائقين امريكيين بعدم دستورية مثل هذا القانون استنادا الى استجابة محكمة النقض بولاية الينوي عام 1969برفض قانون الزام سائقي الدرجات النارية بارتداء الخوذات ورأت انه تقييد للحرية الشخصية ، ومع ذلك رفضت المحكمة اعتراض السائقين على احزمة الامان ورفضت المحكمة احتجاجات الامريكين الذين استجابوا لتطبيق هذا القانون بعد شهرين فقط من اطلاقه رغم رفضهم له
بينما تم فرض غرامة 75 دولار على من لا يلتزم باحزمة الامان في صربيا ، ورغم رفض السائقين لها الا انهم كانوا يتحايلون على القانون فيضعون الاحزمة على اكتافهم فقط ولا يربطونها وكذلك الحال مع السائقين في مصر يفعلون نفس الشيء تهربا من الغرامة وظنا منهم انهم تحرروا من القيود رغم انها قيود نافعه لهم.
فهناك شعوب تحترم القوانين وقواعدها تحقيقا للمصلحة العامة او الخاصة وهناك دول فيها مستويات الالتزام بالقوانين منخفضة.
بلادنا العربية تعاني بشكل أساسي من زيادة حوادث السيارت والموت على الطرق السريعة نتيجة جنون السرعة وعدم الالتزام بالسرعات المقررة على الطرق السريع ، فالاردن يشهد حوداث سير مروعة يوميا،ومعظم حوادث السير تحدث نتيجة التحدث في الموبايل اثناء القيادة.
ووفقا لاحصائيات عام 2021 فقد وقع 160 ألف حادثة سير نتج عنها 1800 إصابة بليغة.
بظني ازمات المرور ب العراق والاردن ومصر و بعض دول الخليج تعكس عدم الانضباط المروري ، والاهمال في مراجعة السيارات وحالاتها قبل الشروع في قيادتها ، في حين حياة الانسان أهم من المركبة ومن الجوال ، فعلينا غرس ثقافة حماية ارواح الابرياء عبر قيادة سليمة قد تتطلب من السائق اكتساب مهارات الصبر للتعود على القوانين المرورية اللازمة وتغليظ عقوبة المخالفات لشروط السلامة المرورية حماية للانفس البشرية اغلى ما خلق الخلاق على الكوكب الارضي.
وفي ظني ان القيادة هي فن و ذوق و اخلاق وان القيادة ما هي الا مرآة عاكسة لشخصية الانسان و هي ايضا مترجم لتربيته في بيته في طفولته وايضا تعكس كيف استطاع هذا الشخص تطوير نفسه والعمل على تعديل سلوكه واخلاقياته فالانسان يتربى في بيته على اخلاقيات و قيم و ربما ينسى الاهل بعضها تجاهلا او سهوا و ربما لا يملكون التمام والكمال من القيم ليزرعونها كاملة في ابنائهم لكن الطفل نفسه كلما يكبر يضيف لنفسه مهارات وسلوكيات جيدة ويتعلم كيف يطور من نفسه وذاته وكل هذا يظهر في تعاملاته اليومية و منها قيادته للسيارة او اي نوع مركبة فأنا كثيرا ما اصفن في الشارع مستخدمة دراستي لعلم النفس وفراستي التي ورثتها من القبيلة واركز في تحليل اخلاقيات وشخصيات البشر فكم افرح عندما اجد من يراعي غيره و يعطي المجال للمركبات الاخرى بالمرور و كم اتفائل حين اجد من يترك لغيره مساحة كافية للاصطفاف بجانبه دون ان يأخذ المساحة كاملة و كم اشعر بالفخر كلما وجدت انسانا يقود عربته بصبر و ينتظر السيارات لتعبر او اذا كانت السيارة التي تسير امامه بطيئة ربما تقودها فتاة مازالت تتعلم او رجل كبير في السن او شخص يشعر بالخوف او المرض.
لماذا لا نشعر بالاخرين ؟ لماذا لا نفكر بغيرنا
فالانانية و قلة الذوق منفره للأفراد و تعطي انطباعا سيئا عن البلد بأكمله ان اصبحت ظاهرة
كم تعيسا ذاك الشخص الذي يقود سيارته غير مباليًا بمن حوله.
فلفت نظري في بيروت سائقي الموتورسايكلات الدراجات النارية بأنواعها و شعرت بالحزن الشديد فلبنان بلد الجمال و الاناقة فكيف لهؤلاء ان يشوهوا جمال الطبيعة الخلابة و يعكروا مزاج المقيم وابن البلد والسائح، فكانت تجربتي بالقيادة مربكة بسبب هؤلاء الدراجات التي لا تراك (هم فعلا لا ينظرون اليك بالمعنى الفعلي و الضمني) و علمت ان القانون معهم مهما فعلوا فالحق على قائد السيارة ليس هم، فعلمت قيمة القيادة في الاردن. الا انه تبقى القيادة في بريطانيا هي الاسهل و الاجمل و اردد دوما ان الاعمى في بريطانيا اذا قاد مركبته سيصل سالما الى بيته
وخطر ببالي فكرة هل من الممكن ان تكون الدول المتأثرة في بريطانيا من حيث انها كانت تحت الاحتلال البريطاني سابقا اكثر التزاما في القانون و اكثر نظاما من الدول التي كانت خاضعه للاحتلال الفرنسي ؟ اتوقع ذلك
ليس فقط فكرة الاحتلال البريطاني و الفرنسي و انما ايضا الافكار القبلية التي ترسخ فكرة احترام الناس و التعامل بالاصول لها تأثير
و ايضا الاعتبارات الدينية المسلمة و المسيحية و الديانات السماوية عامة التي تحرم التعدي على حقوق الاخرين و ازعاجهم بل تحث على مساعدة الناس و تفضيلهم عن النفس و فكرة العطاء فينعكس كل هذا على القيادة
فالقبلية و التعاليم الدينية تعكس على سلوك المجتمع
و لكن حل محلها في دول العالم الاول القوانين و العقوبات التي اصبحت مع الوقت عادة و جزء لا يتجزأ من حياة الفرد و الشعوب
اتسائل هنا اين القسوة في التعامل مع المخالفين في قوانين السير والمرور حتى تنضبط الامور في مسارها الصحيح ؟
كتابة الرسائل على الواتس اب و متابعة الفيسبوك و وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها و الرد على الهاتف و اجراء المكالمات من اكثر مسببات الحوادث المرورية فمتى يفهم الناس هذا ؟
و مع انتشار المخدرات و الكحول نجد ان بعض الحوادث كانت بسبب التعاطي اثناء القيادة او تحت تأثير الكحول
و الأَمَرّ و الاضل سبيلا الخناقات و المشاكسات و العناد بين الشبان اثناء القيادة و التحديات التي تؤدي احيانا الى الموت او حدوث اعاقة جسدية و اصابات خطيرة،
و بعض الحوادث تحصل بسبب التعب و مواصلة القيادة دون راحة وهذا خطر كبير على السائق ومن معه او السيارات الاخرى
ناهيك عن الشاحنات التي تقود باستهتار كبير رغم حجمها الضخم فهي لا تهتم لانها ستدوس على جيرانها من السيارات وكأنها تدوس على نملة و تكمل طريقها بأمان
او الحافلات التي تحمل اكثر مما يجب من اثقال و اوزان و بضائع و تنقلب على العربات المجاورة بسبب الحمل الثقيل و عدم التوازن
و لن انسى ابدا الطعام و الشراب و الحفلات التي تعقد في السيارات اثناء القيادة و المضحك المبكي ذاك السائق الذي احرق مركبته بسبب صنعه للشاي داخل مركبته على وابور الكاز كما يقال له في اللهجة المحلية المصرية
اما قيادة الاطفال للسيارات بصراحة مفجعه فعندما ترى في العراق اطفال بعمر ١٠ او ١٢ سنة و اهلهم فرحين و فخورين ( ابني ديسوق علمته السياقة) "يا فرحة قلبي" طفل صغير كيف لا تخاف عليه وهو مازال لا يدرك الحياة و مخاطرها فالقيادة هي مصغر لمخاطر الحياة و ما يمكن مواجهته في حياتك فهل هو جاهز نفسيا و جسديا و فكريا للتصدي لما يمكن ان يواجهه ؟
و نعود و نقول ان القيادة فن و الفن اصبح هابط و القيادة ذوق والذوق اصبح في تدني والقيادة اخلاق والاخلاق في انهيار
فلنصلح الذوق و الفن و الاخلاق لتصلح القيادة وليس فقط القيادة واللبيب من الاشارة يفهم.
سارة طالب السهيل