● دعوة الرئيس السيسى إلى الحوار الوطنى جاءت من يقين راسخ بأن الأمة المصرية تمتلك من القدرات والإمكانيات التي تتيح البدائل المتعددة لإيجاد مسارات التقدم فى كل المجالات
● تشكل مجلس أمناء للحوار الوطنى بعد تشاور كل القوى السياسية والنقابية والأطراف المشاركة ليضم المجلس تسعة عشر عضواً من مختلف التيارات والتوجهات
● الهدف واضح.. يتفق مع سياسات الجمهورية الجديدة، ومواصلة بناء الدولة المصرية، بطموحات تتفق مع أبناء الشعب المصرى يحقق غداً أفضل
تكمن أهمية الحوار الوطنى فى وقت الأزمات التى تتعرض لها الدول، وتترك آثاراً سلبية على كل المستويات، ومن ثم يجب على كل أطياف المجتمع أن يصطفوا في صعيد واحد لمواجهة هذه التحديات وإيجاد حلول ورؤى في كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ..
وقد تنبهت الدولة إلى أهمية الحوار الوطنى فدعت كل أطياف الشعب الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تحت فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى وقد استثنت كل من يضمر شراً لهذه الأمة وهرعت الجموع.. الكل يشارك ويقترح ويضع حلولاً...
وعبر تاريخنا المجيد كانت هناك محطات من الحوار الوطنى وقت الأزمات والمحن استطعنا أن نتخطاها بسهولة ويسر.. رأينا هذا عندما أراد التتار غزو مصر وتدميرها بعدما دمروا النصف الشرقى من العالم وجعلوه أثراً بعد عين، ودخلوا بغداد عاصمة الخلافة ودمروا معالم الحضارة بها، فاجتمع أهل الحل والعقد واختاروا قائداً على مستوى المسئولية هو الملك المظفر قطز، وحققنا الانتصار الحاسم في معركة عين جالوت عام 656هـ واستطاع الجيش المصري أن يكسر شوكة التتار إلى الأبد، وموقف آخر يثبت عبقرية المصريين وقت الأزمات ففي الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وكان الضعف قد ران على مصر منذ زمن، وأثرّ على كل المجالات: سياسيا واجتماعيا وحضارياً، ومع ذلك لم يستسلم المصريون لهذا الخطر الداهم رغم الإغراءات والوعود البراقة التى وعدها قائد الحملة نابليون بونابرت، ولم تخل كلماته على الشعب الفطن الذكى الذي اختار من أول يوم الخيار الصعب بعد اجتماعات وتشاور من زعماء الشعب، ورغم الخسائر التى تكبدها الشعب إلا أنه انتصر في النهاية، ورحلت الحملة الفرنسية على مصر تجر أذيال الخيبة وبعد ظهورها حدثت فوضى وفراغ سياسى فى مصر، فاجتمع قادة الشعب وزعمائه واختاروا محمد علي باشا بشروطهم وفرضوا إرادتهم على السلطان العثمانى فى استانبول، واستطاعت مصر بعد ذلك أن تعبر جسر الرخاء من العصور الوسطى إلى العصر الحديث.
وموقف آخر يتجسد في أصالة هذا الشعب المصرى العريق، أثناء الثورة العرابية ولما ظهرت في الأفق تكالب الدول الاستعمارية بقيادة إنجلترا وفرنسا على السيطرة على مصر واحتلالها، وانحاز حاكم البلاد الخديو توفيق علناً إلى الدول المستعمرة وحكم السلطان عبد الحميد على قائد الثورة العرابية أحمد عرابي بالعصيان والمروق، فاجتمع زعماء الشعب وعملوا على التصدي للعدوان ونجحوا في أول الأمر وانتصر الشعب على إنجلترا فى معركة كفر الدوار وتقهقر العدو إلى البحر والتف من الشرق وانتصر في النهاية بفعل الخيانة ولم يفقد الشعب المصرى الأمل فهو ذكى جداً في اجتياز المحن والهزائم والآلام.. شعب عريق وله أرث عظيم، لم تقهره هذه المحن، فما هى إلا سنوات قلائل حتى التف من جديد حول زعمائه الجدد أمثال: مصطفى كامل، ومحمد فريد، وعبد العزيز جاويش، وحققوا بعض المكاسب الوطنية التى جعلت المحتل يحسب لمصر وزعمائها وشعبها ألف حساب.
ويظهر زعيم آخر على الساحة الوطنية هو الزعيم سعد زغلول الذي طالب بالاستقلال والذهاب إلى مؤتمر الصلح فى باريس بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فلم تم اعتقاله هو وصحبه انفجر بركان الثورة في كل مكان، وضح شباب وشيوخ ونساء مصر بأرواحهم في سبيل المطالبة بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، ونجحت الثورة وشارك فيها جميع عناصر الأمة ووكل الشعب سعد زغلول للحديث عن القضية الوطنية ونجحت الثورة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية إلا أنه لكل شىء إذا ما تم نقصان، فقد حدث فساد بعد مضى ثلاثة عقود من اندلاع ثورة 1919، فتجددت الثورة مرة أخرى بواسطة شباب مصر من العسكريين وقادوا تغييرا فى ثورة 23 يوليو 1952 قوبل بتأييد عارم من جموع الشعب، ونجحت مصر على كل المستويات، ولكنها لم تهنأ فقد تآمرت ضدها القوى الاستعمارية الجديدة وحاصرتها بالعدوان تلو العدوان، ومع ذلك لم يفت فى عضد هذا الشعب العظيم بفعل الحوار الوطنى والالتفاف حول زعمائه فاجتزنا العقبات فى كل محنة: فى العدوان الثلاثى، وفى فشل الوحدة بين مصر وسوريا، وفى عدوان 1967، وكان النصر المؤزر فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة 1973 والحديث عن صور من الحوار الوطنى فى مصر عبر التاريخ لا يكفيه هذه السطور القليلة.
وقد تعرضت مصر والوطن العربى لتحديات عظيمة فى العقد الأخير، بعض الدول لم تصمد أمام الإعصار الهائل من المؤامرات التى أريد بها نشر الفوضى الخلاقة في كافة أرجاء الوطن العربى وتفكيك دولة إلى دويلات وجماعات وميليشيات تتصارع وتتقاتل حتى الفناء، وكان هذا تكاليفه أقل وأنجح من العدوان العسكرى الذى كان يكلف الدول الاستعمارية الكثير من العتاد والأرواح والأموال الطائلة وكانت يفشل في كل عدوان، في هذا العقد المر من عمر الدول العربية دمرت دول وجيوش وتفرق شعوبها في أرجاء الأرض، كما حدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان. إلا مصر التي أبت ألا تقع في هذا الفخ الذى حاصرها كثيراً فعمل القائمون على مصر من جيشها الوطنى الذى يحمي الذمار والمواطن والحدود، فقطع أذيال المؤامرات واستقرت الأوضاع بعد سنوات عجاف كادت أن تؤدي بنا إلى الهاوية، الحقيقة أنه كانت هناك فاتورة لهذا الصمود.
وبعد أن استقرت الأوضاع دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الحوار الوطنى فى إفطار الأسرة عام 2022، وقد تشكل مجلس أمناء للحوار الوطنى بعد تشاور كل القوى السياسية والنقابية والأطراف المشاركة ليضم المجلس تسعة عشر عضواً من مختلف التيارات والتوجهات، وواصل الجميع الليل بالنهار، فالهدف كان واضحا يتفق مع سياسات الجمهورية الجديدة، ومواصلة بناء الدولة المصرية .. بطموحات تتفق مع أبناء الشعب المصرى يحقق غداً أفضل، وعلى مدار عشرة شهور من العمل حرص مجلس أمناء الحوار الوطنى على مناقشة كل القضايا وتدفقت الاقتراحات والرؤى، الكل يدلو بدلوه، من الشباب والشيوخ والمرأة، يتسربلون برداء الوطنية والحماس، عملوا على ثلاثة محاور: المحور السياسى، والمحور المجتمعى، والمحور الاقتصادى، دون وجود سقف للطموحات وبلا خطوط حمراء، وقال الرئيس السيسى في كلمته فى الجلسة الأولى بأن دعوته إلى الحوار الوطنى التى أطلقها في إفطار الأسرة المصرية جاءت من يقين راسخ بأن الأمة المصرية تمتلك من القدرات والإمكانيات التى تتيح البدائل المتعددة لإيجاد مسارات التقدم فى كل المجالات سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً وأن تعاظم التحديات التي تواجه الدولة المصرية على كل الأصعدة قد عززت من إرادتى على ضرورة الحوار والذى أتطلع إلى أن يكون شاملاً وفاعلاً وحيوياً يحتوي جميع الآراء، ويجمع كل وجهات النظر، ويحقق نتائج ملموسة تجاه القضايا على كل المستويات". كما دعا الرئيس السيسى -الذى كان يتابع عن كثب وباهتمام الإجراءات التحضيرية للحوار الوطنى على مدار الساعة- كل المشاركين فى الحوار الوطنى إلى بذل الجهود لإنجاح الحوار الوطنى واقتحام المشكلات والقضايا وتحليلها وإيجاد الحلول والبدائل لها..
وتحدث الحضور بكل شفافية وأريحية .. الكل طرح أسئلة صعبة وكان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى يدون كل هذه التساؤلات، أما ما يخص الجانب الثقافى فأنا أدلو بدلوى واقترح المقترحات التالية:
1- الاهتمام بالتعليم ورعاية الموهوبين والمخترعين وتوفير المناح الآمن لهم كي يبدعوا ويعطوا دون وجود معوقات ومثبطات، من روتين عقيم يبدد الطاقات وينشر ثقافة اليأس والاستسلام ..
2- ثقافة تقوم على المواطنة وتعظيم دور مصر والابتعاد عما يفرق المصريين بإثارة ثقافة الكره والتمييز وإلغاء الآخر. والاستفادة من التاريخ في فترات القوة عندما اتحد الكل وتلاحم فى الانتصار على المحن والأزمات.
3- الاستفادة التامة من كل متاح من الأجهزة والهيئات الثقافة في وزارات الثقافة والآثار والتربية والتعليم ومكتبة الإسكندرية ومجمع اللغة العربية فى نشر الوعى بين شرائح الشعب المصرى والاستفادة من ذوى الخبرات واستبعاد العناصر السلبية التى يمثل وجودها عائقاً فى سير العملية الثقافية.
4- إنشاء نشاط ثقافى فى كل مؤسسات الدولة: من المدارس والشركات والمصانع وغيرها، يقوم على نشر الوعى بين العاملين، والتوجيه المعنوى، وعمل محاضرات وندوات وورش تعليمية ومسابقات فى كل أنماط الكتابة، وتقديم جوائز عينية لكل فائز واتمنى أن ترعى مؤسسات الدولة الثقافية هذه الأنشطة التي ستؤدى حتما إلى زيادة الإنتاج وترسخ الشعور بالانتماء لدى الجميع.
5- تفعيل دور الصحافة الثقافية وإعادة أمجادها مرة أخرى وتكثيف الجرعة الثقافية بالصحف والمجلات أسوة بالصفحات الرياضية، هذه الصفحات له دور توعوى ونهضوى وفكرى.
6- القضاء على المركزية بأن تتوفر فروع للمكتبات الكبرى ودار الكتب فى المحافظات حرصا على توفير الوقت والجهد للباحثين والمثقفين.