الخميس 26 سبتمبر 2024

المرأة والحوار الوطني.. وجود فاعل واهتمام واسع


د. رانيا أبوالخير

مقالات10-7-2023 | 10:44

د. رانيا أبوالخير

أولى الرئيس السيسى اهتماما واسعا بالمرأة المصرية وقضاياها، وهو الاهتمام الذى انعكس بدوره على ما شهده الحوار الوطنى من تعزيز لهذا الاهتمام والتوسع فيه
استردت المرأة المصرية فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى جميع حقوقها القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل وتقلدت أرفع المناصب القيادية بالدولة
حظيت المرأة باهتمام كبير في مجال الحوار الوطنى، فأولى القائمون على المحور الاجتماعى أولوية للقضايا الأكثر تأثيرا في حياة المرأة وشئونها

في دعوة رئاسية في حفل إفطار الأسرة المصرية فى ابريل العام الماضى 2022، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى إطلاق حوار وطنى يشمل جميع القوى السياسية والفئات المجتمعية، ليكون بمثابة منصة يلتقى حولها السياسيون والخبراء والباحثون والمتخصصون من كافة المجالات وفى جميع الاهتمامات، وتم تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بوضع مرتكزات إدارة هذا الحوار، وتم تشكيل مجلس أمناء للحوار الوطني. وبناء على ذلك، تم تحديد ثلاثة محاور رئيسة لإدارة الحوار، وهى: الاقتصادى والسياسى والاجتماعى، على أن تتشكل داخل كل محور من هذه المحاور عدد من اللجان الفرعية المعنية بقضايا هذا المحور، فعلى سبيل المثال تم تشكيل خمس لجان منبثقة من المحور الاجتماعى تشمل؛ التعليم، والصحة، والسكان، والأسرة والتماسك المجتمعى، والثقافة والهوية الوطنية.

ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل المتعلقة ببدء عمل الحوار الوطنى وانطلاق جلساته، ومن دون أيضا الدخول في تفاصيل موضوعاته وقضاياه، يسلط هذا التقرير الضوء على بعد مهم من الأبعاد التى مثلت ركيزة أساسية في مجال اهتمام القائمين على هذا الحوار، يتمثل هذا البعد في المرأة المصرية وقضاياها واهتماماتها، إذ أنه كما هو معلوم أن الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ وصوله إلى السلطة في يونيو 2023 قد أولى اهتماما واسعا بالمرأة المصرية وقضاياها، وهو الاهتمام الذى انعكس بدوره على ما شهده الحوار الوطنى من تعزيز لهذا الاهتمام والتوسع فيه، ليستكمل الرؤية التي يحملها الرئيس عبد الفتاح السيسى للمرأة المصرية والنهوض بها وبأوضاعها وبمكانتها في المجتمع وتمكينها في مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها.

وعليه يستعرض التقرير هذا الاهتمام بالمرأة المصرية من خلال محورين على النحو الاتى:

الأول- المرأة المصرية ... تسع سنوات من الإنجازات الرائدة:

ليست مبالغة القول إن المرأة المصرية قد استردت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى جميع حقوقها القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل وتقلدت أرفع المناصب القيادية بالدولة، فقد أُعلن عام 2017 عام المرأة المصرية، لتبدأ مسيرتها النهضوية بتولى المناصب القيادية وتحصل على المساواة، فحظيت بنسبة 25% من التمثيل البرلمانى، ووصلت للوزارات، فأصبح هناك 8 وزيرات فى الوزارة المصرية وهو أمر لم يحدث من قبل، كما تولت منصب المحافظ في بعض المحافظات، وهو ما يعتبر أول كسر للحاجز الاجتماعى والثقافى، وبالفعل أثبتت جدارتها فى هذا المنصب المهم، فضلا عن ذلك تم تعيين المرأة للمرة الأولى فى النيابة العامة ومجلس الدولة تفعيلا للاستحقاق الدستورى بالمساواة وعدم التمييز تفعيلا كاملا وتأكيدا على جدارة المرأة في تولى المناصب المختلفة وتعظيما لما تحققه من نجاحات فى كل المجالات التى تعمل بها. إلى جانب كل ما سبق، صدرت العديد من التشريعات والقوانين لحماية حقوق المرأة، من ضمنها قانون المواريث والذي يقضى بعقاب الممتنعين عن سداد ميراث المرأة أو حاجبى أى أدلة تثبت حقها فى الميراث، وأيضًا تغليظ عقوبة المتحرش لتصل إلى خمس سنوات.

الثانى- المرأة المصرية والحوار الوطنى ... اهتمام متزايد:

حظيت المرأة باهتمام كبير في مجال الحوار الوطنى، ذلك الاهتمام الذى يمكن ان نرصده من خلال ثلاثة مؤشرات مهمة، على النحو الآتى:

تركيبة مجلس أمناء الحوار، إذ يذكر أنه من بين أعضاء المجلس البالغ عددهم 20 عضوا يوجد 5 سيدات بنسبة 25% من تركيبته، تجمع بين برلمانية وصحفية وأكاديمية وممثلة للمجتمع المدنى ورئيسة المجلس القومى للمرأة، وهو ما يعكس رؤية القيادة السياسية فى ضمان التمثيل الكاف للمرأة بين أعضاء مجلس الأمناء، بل مما يزيد الأمر تأكيدا دور المرأة فى الحوار الوطنى، أن تتولى إدارته الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب والتى تتولى إدارتها التنفيذية السيدة رشا راغب وهى من الشخصيات النسائية الرائدة فى مجال بناء القدرات وتنمية المهارات للشباب كافة وعلى الأخص الفتيات.
محورية دور المرأة فى مختلف اللجان التي شكلها المحور الاجتماعى، إذ أن المدقق فى اختصاصات هذه اللجان الخمس (التعليم، والصحة، والسكان، والأسرة والتماسك المجتمعى، والثقافة والهوية الوطنية)، يدرك أنه لا يمكن أن تنجح الاستراتيجيات والسياسات المقترحة دون دور فاعل للمرأة فى العملية التعليمية وكذلك فى الحماية الصحية وفى ضبط الزيادة السكانية وفى الحفاظ على الاسرة التي هي لبنة المجتمع وتماسكه بل في الهوية الوطنية وترسيخ الثقافة المصرية بمنظومتها القيمية، حيث يتعالى الدور الذى تقوم به المرأة في نقل منظومة القيم إلى الأطفال والشباب كما قال الشاعر أحمد شوقى الأم مدرسة إن اعددتها أعددت شعب طيب الأعراق. هكذا يتأكد للقائمين على المحور الاجتماعى محورية دور المرأة فى كل ملف من هذه الملفات. بل ما يلفت الانتباه أن ملفات المحورين السياسى والاقتصادى أيضا تُبرز دور المرأة فيما يمكن أن يناقشه القائمون على هذين المحورين، بما يؤكد للجميع أن المرأة هي الحاضر فى جميع ملفات الدولة والمجتمع معا، الأمر الذى يستوجب إعادة النظر فى قضاياها واهتماماتها وترسيخ محورية دورها.
مناقشة القضايا الأكثر ارتباطا بشئون المرأة، إذ بلا شك يولى القائمون على المحور الاجتماعى أولوية للقضايا الأكثر تأثيرا فى حياة المرأة وشئونها، منها على سبيل المثال ما يأتى:

قانون الأحوال الشخصية الجديد، حيث ينشغل المجتمع المصرى إلى حد كبير بقانون الأحوال الشخصية، وهو القانون الذي ينظم العلاقات بين أفراد الأسرة، وهو المنوط به تحقيق التوازن العادل بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، ومن خلاله تتحدد الحقوق والواجبات المرتبطة بالأسرة، وتشمل الخطبة والزواج وحقوق الطفل في الميلاد والنسب والسكن والحضانة والنفقة والرؤية والتعليم والعلاج، الأمر الذى يستوجب إصدار قانون عادل يحمل في طياته احترام كامل للمرأة المصرية.
محاربة العنف ضد المرأة والتحرش، إذ أنه طبقا للتقديرات والمسوح التي تصدرها الجهات المعنية لا تزال ثمة معاناة للمرأة المصرية سواء بسبب ما يُمارس ضدها من عنف داخل الأسرة وخارجها، أو تعرضها لأى شكل من أشكال التحرش، فعلى سبيل المثال أشار بيان صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019، إلى أن نسبة النساء اللاتى تعرضن لأي شكل من أشكال التحرش فى المواصلات العامة بلغت حوالي 6,6%, بينما بلغت نسبة النساء اللاتى تعرضن للتحرش فى الشارع ما يقرب من 9,6%، وأن 1,5% من النساء تعرضن لعنف بدنى وجنسى على يد أحد أفراد العائلة والبيئة المحيطة منذ بلوغهن 18 عامًا. الأمر الذى يستوجب إصدار قانون موحد لمكافحة العنف ضد المرأة.
زيادة معدلات الطلاق وتأثيراته على المرأة، إذ كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامـة والإحصاء في نشرته السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، عن ارتفاع معدلات الطلاق لعام 2021 مقارنة بالأعوام الماضية، حيث بلغت حالات الطلاق 254,8 ألف حالة مقارنة بـ 222 ألف حالة في عام 2020 بمعدل زيادة يصل إلى 14,7%. والحقيقة أنه رغم الجهود المبذولة من مؤسسات الدولة في بحث الظاهرة وتقديم البرامج التوعوية المختلفة، التي من شأنها حماية الأسرة المصرية من خطر التفكك والحفاظ على قوامها، إلا أن هناك حاجة لطرح القضية للنقاش المجتمعي لبيان أسبابها وكيفية معالجتها، لما تسببه من خلل في المجتمع المصرى. ويذكر أن الرئيس عبد الفتاح السيسى كان قد أشار فى أكثر من خطاب إلى خطورة مثل هذه القضية وتداعياتها على المرأة والأسرة والمجتمع، مطالبا من الجميع بوضع الاقتراحات وتقديم التوصيات لحماية الأسرة المصرية، بل يدلل على أهمية هذه القضية أن دعوة الحوار الوطنى الذى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى كانت على هامش مشاركته في حفل إفطار الاسرة المصرية.
زواج القاصرات، إذ تمثل هذه القضية التي رغم الجهود المبذولة للحد منها، واحدة من القضايا الأكثر تأثيرا على المرأة ومستقبلها وحياتها، وخاصة في المناطق الشعبية وبعض محافظات الصعيد، بل وبعض المناطق الريفية، فقد أصدر على سبيل المثال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2019 إحصائية حول زواج القاصرات في مصر، أكد من خلالها أن هناك أكثر من 117,2 ألف طفل في عمر من 10 – 17 عامًا، متزوجون ويحملون صفة "زوج أو زوجة". ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل إلى أن من بين هؤلاء الأطفال المتزوجين، أرامل ومطلقين. والحقيقة أن هذه القضية تحمل تداعيات عدة سواء على مستوى تسرب الفتيات من التعليم، أو على مستوى تفاقم أزمة الزيادة السكانية، إضافة إلى زيادة مؤشرات الطلاق وزيادة معدلات زواج التصادق ومؤشرات قضايا إثبات النسب، ناهيك عن الأضرار الجسدية والنفسية التي تحدث للفتاة. وعليه، أضحت ثمة ضرورة ملحة لإصدار قانون الحد من زواج القاصرات من أولويات الحوار الوطنى.
عمالة الفتيات ضمن مخاطر عمالة الأطفال، إذ تشير عديد المسوحات والإحصاءات عن تعرض الأطفال للعمل في ظروف خطرة، إلى جانب تعرض بعضهم للقيام بأعمال منزلية لمدة تزيد عن الحد المناسب، خاصة ممارسة الفتيات أعمال الخدمة فى المنازل حيث يعملن لساعات عمل طويلة مقابل أجور زهيدة، بجانب إمكانية تعرضهن بشكل أكبر للاستغلال البدني والجنسي والنفسي، وهو ما يستوجب ضرورة إصدار قانون ينظم مثل هذه الأعمال ويشدد العقوبات على مرتكبيها.

خلاصة القول أن ملف المرأة المصرية في الحوار الوطنى، يُعد من الملفات الأكثر إلحاحا من ناحية، والأكثر تشابكا مع الملفات الأخرى من ناحية أخرى، بما يؤكد على أن بناء الجمهورية الجديدة يتطلب تعزيز دور المرأة ومكانتها وتمكينها بشكل واسع؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وثقافيا.