الحوار الوطنى من أهم أنواع الحوارات التى يتعايش معها العالم اليوم، فهو عملية تتم بين عدة أطراف لمناقشة قضية وطنية تعمل على بناء الوطن وتأصيل الانتماء
التباين والاختلاف في الحوار الوطني يعد ظاهرة صحية حيث أن المقصود به كمرتكز من مرتكزات الحوار السياسي وجود فروقات في الآراء ووجهات النظر بين أطراف الحوار
تتناول القوى السياسية المختلفة في جلسات الحوار الوطنى حوالي مائة وثلاثة وعشرون قضية مختلفة، فالتنوع في الأطراف والقضايا هو أحد أهم الخصائص التي تميز الحوار الوطني الحالي
تعرف كلمة الحوار على أنه مجموعة من الكلمات المتبادلة بين عدة كائنات عاقلة بهدف وحيد هو البحث عن الحقيقة حيث أن تبادل الكلمات يعد نوعا من الحوار الذى يهدف إلى تبادل المعلومات ووجهات النظر المختلفة بين شخصين أو أكثر من أجل زيادة الوعي وإرساء مفهوم معين حول موضوع ما، ويتميز بعدم التركيز على الوصول إلى قرار معين أو وجهة نظر واحدة صحيحة، بل بالأحرى يهدف إلى تثقيف وتدريب المعنيين على قبول آراء الآخرين دون انتقاد أو اللجوء إلى الإقناع.
ظهرت كلمة (حوار) في القرآن الكريم فى ثلاث آيات، اثنتان منها في سورة الكهف في معرض الحديث عن قصة صاحب الجنتين وحواره مع صاحبه الذي لا يملك مالًا كثيرًا، فقال تعالى عنهما في الموضع الأول: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}[الكهف: 34]، وقال تعالى عنهما في نفس السورة: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف: 37].
أما الآية الثالثة التي وردت فيها كلمة (حوار) فهي من سورة المجادلة، في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[المجادلة: 1].
فالغرض من الحوار هو ببساطة تبادل الثقافات ووجهات النظر فمن المهم تذكير الشخص الآخر بنفسه أنه ليس من المهم إقناع الشخص الآخر بوجهة نظره، وتركيز انتباهه على جمع الأفكار البناءة لبناء أفكار أقوى وأكثر وضوحًا.
ومن أهم أنواع الحوار الجدل السياسي، وهو بالتأكيد حوار بين عدة أسباب، ليس فقط للصم، حيث لا يسعى الطرفان إلى الحقيقة، أو "الانتصار" على الآخر؟ أما بالنسبة إلى "الحوار بين الثقافات" و"الحوار بين الأديان"، فيمكن الشك أيضًا في أنهما يتمان بتوجيه من العقل وبهدف البحث عن الحقيقة من أجل الإيثار. فتؤكد لنا هذه الأمثلة على "عدم الحوار" شرطًا واحدًا على الأقل، إن وجد، للحوار "الحقيقي": من أجل الحوار الحقيقي، يجب على المرء أن يبحث فقط عن الحقيقة.
فالحوار ظاهرة صحية يستطيع الفرد أن يخرج ما بداخله من أفكار ومشاعر التي تعبر عن الأحاسيس التي يشعر بها في حياته ولذلك يعتبر الحوار حياة ففى تبادل الحوار بين الأشخاص يتعرف كلا منا على ما يحويه فكر الآخر من أفكار ومشاعر ويستطيع أن يتفهم الآخر ويتعايش معهم ربما البعض لا يتقبل أفكار واعتقادات الآخرين ولكن التعايش في مجتمع واحد يجبر الآخرين على تقبل الجميع بأفكارهم واعتقاداتهم المختلفة.
ولعل الحوار الوطنى من أهم أنواع الحوارات التى يتعايش معها العالم اليوم في مختلف المجتمعات السياسية فيعتبر الحوار الوطنى هو عملية تتم بين عدة أطراف لمناقشة قضية وطنية تعمل على بناء الوطن وتأصيل الانتماء وقد تكون موضوعات الحوار الوطنى محل تباين واختلاف فتبادل الآراء بشأنها يعتبر وصولاً إلى حالة من التوافق بين الاتجاهات المختلفة حولها.
وفى الحوار الوطنى تحدث محادثة بين أطراف متعددة، مما يعني أنها لا يمكن أن تحدث بين طرف واحد. هذه الحقيقة تدفعنا إلى التحدث قليلاً عن مستوى المحاورين، سواء أكانوا فردًا فرديًا، أو فردًا- مؤسسيًا، أو مؤسسيًا- نظيرًا. بغض النظر عن مستوى أطراف الحوار، فإن التركيز الأساسي هنا هو أنه يجب أن يكون هناك أطراف متعددة ذات وجهات نظر وآراء مختلفة. ولإعادة صياغة الحوار الوطني الأخير، نجد أن الحوار يضم أطرافًا متعددة تمثل مكونات المجتمع، بما في ذلك الأفراد والأحزاب والمؤسسات، سواء كانت مؤسسات المجتمع المدني أو الجمعيات السياسية أو حتى مؤسسات الدولة الرسمية.
فالتباين والاختلاف في الحوار الوطني يعد ظاهرة صحية حيث أن المقصود به كمرتكز من مرتكزات الحوار السياسي وجود فروقات في الآراء ووجهات النظر بين أطراف الحوار تجاه القضايا السياسية محل النقاش. وعليه فإنه ليس منطقياً أن يكون الحوار بين عدة أطراف ليست بينها اختلافات تجاه القضايا موضع النقاش، فالتباين والاختلاف ضرورة من ضرورات الحوار.
ويرجع تاريخ الحوار الوطني في مصر إلى ستينيات القرن الماضي حيث دعى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر القوى الوطنية إلى عقد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية وذلك في مايو 1962، وذلك من خلال خطابة الذى ألقاه في جامعة القاهرة ووجه الدعوة الى جميع قوى الشعب المصري حيث عرض الرئيس جمال عبدالناصر على المؤتمر تصور القيادة السياسية لـ ميثاق العمل الوطني يكون دليلا عمليا لمرحلة جديدة من العمل السياسي الوطنى، وقف الرئيس جمال عبدالناصر أمام أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية ليلقى عليهم وثيقة «الميثاق الوطنى».
ويذكر الكاتب أحمد حمروش في كتابه "23 يوليو، مجتمع جمال عبدالناصر"، مؤكدا أن المشاركين في الحوار الوطنى هم من يتم انتخابهم، وتجرى هذه الانتخابات على مراحل حسب مجموعات مختلفة، تبدأ في 5 فبراير 1963 وتنتهي في نفس الشهر. وفي الرابع والعشرين كانت النتيجة اجتماعا على النحو التالي: "من 1500 شخصا، 379 ممثلا للفلاحين، 310 عاملا، 150 من رأسمالية الدولة، 293 من نقابات العمال، 135 موظفا، 23 امرأة، 105 أساتذة جامعيين، 105 طلابا من المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة التحضيرية. واختتم الحوار عام 1964 بتأسيس وتشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي، والانتخاب العام لمجلس الأمة، وصياغة دستور دائم.
وفى 18 أبريل 1974 كان الشعب المصرى على موعد بالحوار الوطنى الثانى حيث قدم الرئيس محمد أنور السادات للشعب المصرى ما أسماه "ورقة أكتوبر" التي حددت استراتيجية العمل الوطني حتى سنة 2000 لبناء مصر الحديثة وقد كانت مبررات الورقة نابعة من الوضع الجديد الذي تحقّق بفضل الانتصار المجيد في السادس من أكتوبر 1973، حيث دعى لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة، لافتا إلى أن تحقيق الرخاء يحتاج إلى عمل كثير وطويل وشاق.
وفي 17 مايو 1974 طرحت ورقة أكتوبر للاستفتاء، ووافق الشعب على ورقة أكتوبر بنسبة 99.95٪ من الأصوات.
وفى الثمانينيات من القرن الماضى كان الشعب المصرى على موعد بالحوار الوطنى الثالث في عهد الرئيس محمد حسنى مبارك حيث اختلفت الدعوات للحوار في عهده عن الدعوتين السابقتين، حيث تميزت بالتكرار وبحصر أهدافها فى قضايا بعينها، مثل الدعوة للحوار حول الأهداف الاقتصادية للبلاد فى عام 1982، وفى عام 1986 دعا الرئيس محمد حسنى مبارك إلى حوار وطنى حول مشكلة الدعم، وفى عام 1988 تم عقد حوارا آخر حول قضايا الإصلاح السياسى وقانون الطوارئ، وفى عام 2005 تمت الدعوة لحوار جديد بمناسبة الانتخابات الرئاسية فى ذلك الوقت، ومعايير انتخاب رئيس الجمهورية فى انتخابات مباشرة وليس بنظام الاستفتاء.
وكان الشعب المصرى على الموعد مع الحوار الرابع حيث دعى الرئيس عبدالفتاح السيسي للحوار الوطنى تحت شعار أولويات العمل الوطني في عام 2022 ليكون خطوة مهمة في سلسلة الخطوات المهمة في إطار إنشاء نموذج مصرى للانفتاح والإصلاح السياسي في مصر الحديثة وعلى الرغم من دعوات الحوار الوطني في المنطقة، إلا أن النموذج والحالة المصرية يختلفان عن الحالة الراهنة في المنطقة. خلال النصف الثاني من العام، أنجز مجلس الحوار الوطني بنجاح عددًا من الخطوات تمهيدًا لبدء الحوار الفعلي في عام 2023، بدءًا من التغلب على محاولات تسييس الحوار والدعوة إلى شموليته، من خلال تضمين القضايا السياسية أيضًا. كقضايا اقتصادية واجتماعية، وانتهى بالتغلب على المشكلة. ما أواجهه هو إضفاء الطابع المؤسسي على عملية الحوار الوطني نفسها، سواء من خلال ترسيخ فلسفة الحوار، أو تحديد المراجع الإدارية للحوار، أو من خلال مجموعة من الوثائق التي تنظم عمل المجلس ولجانه الفرعية.
في الواقع، يُظهر التطور اللاحق للحياة السياسية والاقتصادية في مصر من عام 2014 إلى الوقت الحاضر أن هناك "أنماطًا" مختلفة للمشاركة في التنمية الاقتصادية والسياسية لمصر. تتضح خصائص هذا النموذج بمرور الوقت وتتقدم وفقًا لأولويات وفلسفات محددة. في سياق أحداث يناير 2011، كان التركيز الأولي على "بناء الدولة" مع تحديات كبيرة لمؤسساتها، تليها فترة نظام الإخوان المسلمين وحلفائه، الذين سعوا إلى فرض مشاريعهم السياسية الخاصة على الدولة والمجتمع، وتبع ذلك موجة إرهاب واسعة بعد استحداث النظام عام 2013. في الوقت نفسه، بالإضافة إلى أولويات استقرار البلاد ومكافحة الإرهاب، هناك أولوية أخرى، وهي تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تعتمد على توفير شرطين أساسيين هما: تنمية المؤسسات وتحديث البنية التحتية وأيضا الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تم تنفيذها في نوفمبر 2016.
يمكن القول إن الفهم الأكثر دقة للحوار الوطني يتطلب وضعه في سياق ومنهج أوسع يتعلق بتطوير "النموذج المصري". في الفترة الانتقالية التي بدأت في عام 2014، مع النظر إلى الدروس المهمة المستفادة من الفترة من يناير 2011 إلى يوليو 2013، التى عملت على خلق عدم التوازن في الترتيبات حيث انتشرت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار التي هددت الهوية الوطنية والاجتماعية، والوطنية. حيث كانت عملية الانتقال في القضايا الفرعية غير المهمة والبعد عن القضايا الأساسية المهمة لبناء الوطن، فكان يعتقد بأن تلك الطريقة والمنهجية تعبر عن اتجاه حقيقي نحو بناء ديمقراطية حقيقية ومستدامة.
ولكن كانت كل البعد عن الديمقراطية بل أحدثت ظاهرة من تشتت جهود الدولة وعدم وجود علاقة تكاملية مع قضايا التنمية باعتبارها أكثر القضايا إلحاحًا، بالإضافة إلى النتيجة النهائية للحوار حول المحاور الأساسية والرئيسية التي ستكون بمثابة الأساس للمرحلة المقبلة من تحديد الأولويات الوطنية، ويلعب الحوار دورًا لا يقل أهمية في بناء توافق بين القوى السياسية المندمجة فيه، وهو ما أقره مجلس إدارة الحوار الوطنى، والذي مثل فرصة مهمة للتبادل المباشر بين ممثلي مختلف التيارات السياسية والفكرية حيث كان التوافق والإجماع بينهم على القواعد الأساسية لتوجيه عملهم في الفترة التي تسبق الحوار، بدءاً بالاتفاق على القواعد المعيارية وانتهاءً بالاتفاق على جدول الأعمال.
ويشتمل الحوار الوطني على ثلاثة محاور رئيسة تندرج تحتها تسعة عشر لجنة فرعية تتناول حوالي مائة وثلاثة وعشرون قضية مختلفة، مما يجعل هذا الحدث سابقة لم تحدث في التاريخ المصري. فقد كانت جميع محاولات الحوار الوطني من قبل تركز على قضية بعينها، وغالبًا ما كان هناك طرف بعينه مسيطرًا على عملية الحوار، ولذلك يعد التنوع في الأطراف والقضايا هو أحد أهم الخصائص التي تميز الحوار الوطني الحالي.