الخميس 16 مايو 2024

خواطر عن فيلم أيام السادات وذكرى انتصارات أكتوبر


فراس الور

مقالات13-7-2023 | 19:01

فراس الور

سيأتي يوم علينا سنندم به أن هؤلاء العمالقة فارقوا عالمنا باكرا...بأنهم غادرونا قبل أن ينهوا عملهم السياسي بالكامل.. رحلوا عنا قبل أن نسمع ما يريدون قوله للمجتمع بالكامل من خلال عملهم السياسي، فقد وُلِدَتْ جمهورية مصر مع  ميلاد حياتهم السياسية وسطع نيرها كجمهورية ديمقراطية بالأفق الرحبة على يديهم المعطاءة وروى عرقهم الذي انسكب من جبين هاماتهم الشامخة تراب مصر الطاهر، فأرضعوها و هي بالمهد بعد لبن الحياة بأيديهم كالآباء العطوفين على أولادهم إلى أن كبرت هذه البلاد و ازدهرت كجمهورية و أصبحت تتمتع بهيبة و منزلة متقدمة بين مثيلاتها من البلدان في العالم العربي.

انبثقت هذه الجمهورية من حُلُمْ...من رؤيا و بصيرة الضباط الأحرار، مجموعة من الجند الوطنين الكارهين لما يفعله الحكم الملكي بمصر الموالي لبريطانيا، فكان الانتداب البريطاني في حينها يمارس الإمبريالية بصورة مطلقة على مصر و ثرواتها غير مبالي بأن الشعب المصري يعاني الأَمَرًيْن تحت نَيِرْ هذا الحكم القاسي، فانتفض هؤلاء الضباط في وجه الطغيان في 23 يوليو سنة 52 حيث نجحوا بشجاعة كبيرة بالاستيلاء على هيئة أركان الجيش المصرية والقبض على عدد من ضباط القيادة الملكية، و قد أعلن مجلس قيادة الضباط الأحرار قيامه بذلك الوقت بحركة لصالح الوطن بكلمة كتبها (مع حفظ الألقاب) جمال حماد وقرائها الرئيس الراحل أنور السادات.

كان مجلس قيادة الثورة يتألف من الضباط الأحرار التالية أسمائهم : محمد نجيب، جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسن إبراهيم، حسين الشافعي، جمال سالم، زكريا محيي الدين، صلاح سالم، عبد الحكيم عامر، عبد اللطيف البغدادي، خالد محيي الدين، كمال الدين حسين، يوسف صديق، عبد المنعم أمين، وعبد المنعم عبد الرؤوف، وكان يرأس هذه المجموعة الراحل الرئيس جمال عبدالناصر، فكان الضباط الأحرار عددهم يناهز الثلاثمائة بحسب قوائم صلاح نصر مدير المخابرات المصرية السابق، وقد كان عددهم اقل بحسب قائمة الراحل أنور السادات حيث كانوا يتقاضون راتب تقاعدي من الدولة حينها، ولكن المتفق عليه أنهم كانوا عددا لا بأس به من أصحاب الضمائر الوطنية النَيِرَةِ الذين كان لم الشجاعة و الكفاءة بالعمل لتحرير جيش عربي من انتداب أجنبي لم يحمل لمصر أي احترام وتقدير في حينها، وبعد ثورة 23 يوليو إنهار هذا الحكم الجائر رويدا رويدا إلى أن طالب هذا المجلس الملك فاروق بالتخلي عن حكم مصر، مما دفع الملك فاروق بالذهاب إلى إيطاليا و تسليم البلاد إلى ولي العهد الأمير فؤاد الثاني، ولكن إنهار الحكم الملكي كليا في مصر في 18 يونيو سنة 53 بإعلان مجلس قيادة الثورة البلاد جمهورية مصر العربية و إلغاء النظام الملكي بمصر، تم إلغاء هذا المجلس في يونيو 56 بعد صدور الدستور المصري و إنهاء الفترة الانتقالية لمصر حيث تولى الراحل جمال عبدالناصر رئاسة الجمهورية.

 

للذي يشاهد فلم أيام السادات سيتعرف على بعض مما قاسوه عناصر الضباط الأحرار و الرئيس الراحل أنور السادات لتمسكهم بآرائهم الوطنية، و إذا مررنا بصورة عامة على الأحداث الرئيسية التي شكلت حياة هذا العملاق سنجد بعض من النقاط التي يجب التوقف عندها، مما لا شك به انه بالوقت الذي ربما كان سيقول بعض من أصحاب النفوذ ما شئننا و شأن ما سيدور على الساحة السياسية بمصر اختار هذا العملاق بوطنيته الذهبية أن يتحمل المسؤولية أمام الله و الشعب المصري...أن يعمل...أن يتحرك و يحاول بدلا من الوقوف وقفة المتفرج مكتوف الأيدي و بلاده يبتلع خيراتها مارد إمبريالي كان يُؤَسِسْ حُكْمَهُ لِعَدَدْ من بلاد العالم على استنزاف مواردها.

 

فَلَمْ يُوَفِرْ جهدا من جهد و هو بالجيش المصري ليخلق بصيص الأمل لبلاده، فتاريخ الراحل حافل بالأحداث الشَيِقَةْ من وقت دخوله إلى الكلية العسكرية إلى محاولته العمل من داخل الجيش لإنهاء الحكم البريطاني إلى سجنه المُتَكَرِرْ بسبب مواقفه المعادية للسياسة البريطانية في مصر، فقد كان كارهاً لهذا الحكم الذي لم يُعَبِرْ يوما عن إرادة الشعب المصري مما دفعه لحدود اللامعقول.

 

للذي يشاهد هذا الفيلم ويقرأ سيرة حياته سيرى أن السادات منذ فترة 1938 إلى 1958 كان من أكثر الشخصيات المُؤَثِرَةِ في الساحة السياسية المصرية، أي في خلال فترة عشرين عام و من خلال عمله بالجيش المصري استطاع تنفيذ ثورتين ضد الانتداب البريطاني سُجِنَ على أثر الأولى منها ثلاث مرات في أعوام 1941 و 1942 و أيضا في زنزانة 54 في عام 1948، و نجح بالتورط في هذه الأثناء مع خَلِيَة مقاومة حيث استطاع حماية زميل له اغتال أمين عثمان باشا...مما أشعرني أنه يَمْتَلِكْ من قَبْل أن يعتلي سُدَةَ الحكم مقومات قائد دولة ذو خصائص قَيِمَة كَقُوَةْ الشخصية و روح المحارب المغوار و العزيمة لبلوغ أهدافه بشراسة غير مسبوقة، والذي يُدْهِشْ بهذا الموضوع أنه فعل كل تلك الأمور و هو ضابط برتبة عسكرية متواضعة فَبِفَضْل هذه الخصائص الفولاذية أَقْلَقَ سلام الانتداب البريطاني لِيُثْبِتْ أن هذا الحكم كان يذوب كالشمع أمام وطنيته ووطنية الضباط الأحرار الذين تَشْتَعِلْ قلبوهم حباً لبلادهم، حَطًمَ قبضة الانتداب البريطاني الذي حكم العالم بِأَقًلْ من عقدين من إصراره على استقلال بلاده، فما أن حانت ساعة الصفر لثورة 23 يوليو حتى أحكموا الضباط الأحرار قبضتهم الوطنية على جيش أمتهم الباسل.. وتحقق حلم جميل تَحَمًلَ من أجله الأَمَرًيْن والغربة عن أسرته وضحى بالغالي و النفيس لأجله.

 

أنور السادات كرئيس لم يتغير كثيرا بالرغم من أن بصيرته السياسية صقلتها المسؤولية السياسية التي تحملها مع الراحل جمال عبدالناصر في حقبة الرئاسة، فعندما رَحَلَ جمال لتختتم مصر عهدا من الاستقرار والإنجازات السياسية بفضله اعتلى سُدًةَ الحكم و ابتداء عهداً اختلفت سياسته قليلا عن سابقه، فالسادات كان يرى أن مصر باستطاعتها أن تكون دولة ديمقراطية مُنْفَتِحَةَ الأفق ذات سيادة مستقلة و صاحبة قرار مستقل بالشأن الداخلي، و هذا أمر ثاني يجب التوقف عنده، فالسؤال الذي كان يطرح نفسه حينها هو كيف يتم تنفيذ هذه الرؤى بوجود عقبتين كان لا بد من تَخَطيهِمَا؟ ربما كردة فعل على الانتداب البريطاني لمصر بالسابق و بوجود الحرب البارة التي ابتدأت بِقُوَةٍ بعد الحرب العالمية الثانية كان لا بد من حليف استراتيجي لتقوية البعد العسكري المصري، و افضل رادع للغرب وتَدَخُلَهُمْ بمنطقة الشرق الأوسط كان حِلْف استراتيجي مع الاتحاد السوفيتي و الذي قَوْلَبَ بالنتيجة الاقتصاد المصري إلى نظام شبه اشتراكي وكان بالتالي مُرْتَكَزاً أمنيا ليستخدمه الراحل جمال بقرار تأميم قناة السويس، فلم يكن لِيَتًخِذَ هذا القرار لولا كان يأمل دعما سياسيا وعسكرياً من الاتحاد السوفيتي، و بالرغم من هذا الدعم حصلت حرب 1956 بسبب عدم مَقْدِرَةْ السوفييت تَلْبِيَة كافة المتطلبات العسكرية لمصر، ولكن لا أحد يستطيع النكران أنه لَوْلا وجود هذا الحلف مع مصر لما كان الاتحاد السوفيتي ليتدخل لِيَرْدَعَ بريطانيا و فرنسا وإسرائيل عن أذية استقلالية مصر نتيجة هذا الصراع الشَرِسْ على القناة، فكانت خسارة حرب تأميم السويس استراتيجية و محصورة بتلك المنطقة فقط، أما سياسيا فكان انتصارا ساحقا لمصر كجمهورية لها استقلاليتها.

 

شَعَرْتُ لفترة أن هذه الخسارة و خسارة سنة 1967 تَرَكَتْ مرارة حقيقية بقلب السادات، فكما أَسْلَفْت أن هذه الشخصية لا يُسْتَهَانْ بوطنيتها وقُوَةْ شخصيتها وعزيمتها الفولاذية على تحقيق أهدافها، فبالرغم من أن حُكْم الراحل أنور رأى تَغْيِرْ نوعي بالفكر السياسي الذي طرحه لاحقا لهذه الحروب إلا أن ما أَرْغَمَتْهُ الظروف على فِعْلِهِ لا ينفي حِسًهُ الوطني الراقي، فَشَهِدَتْ أَوًلْ سنين حُكْمِهِ سلسلة من الضغوطات التي كان لا بد من حَسْمِهَا نهائيا.

 

فلم تكن تتمحور حول سيناء و إتمام قرار تأميمها فحسب بل مما لا شك به أن كرامة مصر كدولة و قدرتها على فرض هذا القرار على تراب القناة الوطنية كان أيضا على المَحَكْ، فخسارة هذه التراب الوطنية تعني صفعة قوية لكرامة أقوى دولة عربية على الإطلاق، وكأنني شعرت بما يتعلق بهذه القضية أن بريطانيا بالنسبة للسادات وسعيها لدعم إسرائيل لِضَمْ السويس إليها كان امتداد لانتداب أجنبي على هذه الأرض الوطنية، جزء من كابوس ماضي كان يقاتل في تلك الحقبة ليعود لحياة الدولة المصرية. وهذه المعادلة كان يرفضها قلبا وقالبا السادات، مما دفعه بفعل اللامعقول مرة ثانية... علم السادات كيف يُرَوِضْ قضية الحرب الباردة لصالحه، بحقيقة الأمر كان الاتحاد السوفيتي ينوي مُقَايَضَةْ مصر عن طريق صفقات الأسلحة لتكون خاضعة لهيمنته السياسية، أي أنه أراد أن تكون مصر امتداد لِحَرْبِهِ البادرة مع أمريكا، فلم يكن يريد إعطاء مصر الأسلحة إلا عند إعطائها للضمانات اللازمة بأنها لن تَشُنً حربها إلا بموافقته، ولا يستطيع المرء تفسير موقف السوفييت مع مصر إلا من خلال هذا السياق فقناة السويس ممر استراتيجي حَسًاسْ للعالم باسره فإذا نجح الاتحاد السوفيتي بِدَيْمومَةْ مصر كحليف له ستكون هذه القناة تحت نفوذ دولة صديقة له و سينجح بِدَيْمومَةْ نفوذه عن طريق هذا البلد في منطقة الشرق الأوسط، فصراع الحرب الباردة حينها بَيْنَهُ و بَيْنَ أمريكا كان صراع وجودي على مدرستين كبيرتين، فَيُؤْمِنْ الاتحاد السوفيتي بالإلحاد كَمَذْهَبْ اجتماعي وبالاشتراكية كَمَبْدَءْ اقتصادي له وكان يُشَجِعْ معظم حلفائه على هذه المذاهب وكان يمول حروبا ضد الدولة الأمريكية و حلفائها لتقليص نفوذ أمريكا وحلفائها بالعالم بأسره، والدولة الأمريكية تُؤْمِنْ بالديمقراطية وبالرأس مالية و تشجع حلفائها على هذه المدارس بصورة مُطْلَقَة، فكان التحام هذه الدول عظيما والصراع بينهما كبير ويُعَدْ وجودي و كانا بِسَعِيْ دؤوب لضم حلفاء لهم باستمرار و لو عن طريق القُوَةِ، و إلا بماذا نفسر التحامهم بأفغانستان و بفيتنام خصوصا حيث خَسِرَتْ أمريكا خسارة عسكرية موجعة أمام حليف للسوفييت في تلك الدولة؟

 

لذلك كان السادات أمام اختيار صعب جدا، فكان بحاجة لأسلحة لِشَنْ حربه الكبيرة على إسرائيل، و كان الكيان السوفيتي يسعى لضم صراعه مع إسرائيل إلى أجندة صراعاته مع الغرب حيث كان يعلم أن أمريكا و حلفاء الناتو أكبر داعمين لإسرائيل...مما جعل السادات يحاور الاتحاد السوفيتي مرارا  و تكرارا لشراء الأسلحة منه وحسب الاتفاقيات المُبْرَمَةِ بينهما، و قام بعملية ضغط على السوفييت حينما استغنى عن آلاف العلماء الروس الذين كانوا يعملون في مصر مع الجيش المصري...مما دفع أخيرا السوفييت بإعطاء مصر الأسلحة اللازمة لإتمام المعاهدات بينهم، و بِمَضْمونِهَا كانت محاولة سوفيتية لإقناع مصر بضرورة المحافظة على علاقاتها معها كما في سابق العهد مع جمال عبدالناصر.

 

ونجح الراحل السادات بِجَعْل هذا اللامعقول معقولاً و واقعاً حيث شن حربه ضد إسرائيل بعام 1973 بأسلحة سوفيتية تعادل بتقنية صناعتها و فاعليتها بالحرب ما تمتلكه إسرائيل، وكانت للجبهة السورية تأثيرها بِتَحْجيمْ قدرة الجيش الإسرائيلي على ردع هذا الهجوم الكبير و التقليل من خطورته، فبذلك نجح السادات على الصعيد السياسي بجعل العملاق السوفيتي يرضخ لإرادته ببيع أسلحة ذات تقنية عالية له و بضرب إسرائيل بالصميم، فَحَطًمَ خط برليف الشهير الذي كَلًفَ إسرائيل 300 مليون دولار حينها و صفع هذا المارد الصهيوني عسكريا و سياسيا وأعاد سيادة مصر على قناة السويس بالكامل بضفيتها.

 

فَرَحٌ انطربت له نفوس العرب جميعاً، و بحقيقة الأمر شعرت أمريكا بهذه المعادلة و تأكدت منها من خلال انتصار الجيش المصري على إسرائيل فَصَدَرَ قرار من مجلس الأمن بِوَقْف العمليات الحربية نهائيا لتنتهي هذه الحرب الضروس التي فعليا فشلت اسرائيل بتغير مسارها لصالحها، لا شك أن الأحداث الشيقة لم تنتهي من حياة هذا العملاق السياسي الذي تمتع ببصيرة عسكرية و سياسية كبيرة جدا، فمما لا شك به أنه بعد أن عاصر أربعة حروب كُبْرَى ذَهَبَ ضحيتها عددا كبيرا من أبناء الأمة العربية الذين كانوا في الجيوش العربية يناضلوا في سبيل أمتنا وصل اللي قناعة قَوِيَة شَكًلَتْ قراراته السياسية بعد حرب 1973، و هذه الحروب هي الحرب العالمية الثانية و حرب 1956 وحرب 1967 و آخرها انتصاره بحرب 1973، فرأى ما تجلبه هذه الحروب من ضغوطات سياسية على بلاده و البلاد العربية و أيضا ضغوطات اقتصادية كبيرة ترهق الإمكانيات المادية لبلاده، فتَعَلًمَ أن المَكَاسِبَ التي تأتي عن طريقها ثمنها دماء بشرية نفيسة وغالية، فليس هنالك فَوْز عسكري من دون ثَمَنْ و تكلفة، واقتنع أن الكيان الإسرائيلي المدعوم بِحُلَفَائِهِ بالغرب أصبح واقعا يجب التعامل معه فَلَمْ تنجح بِإِزالَتِهِ عن الخارطة العَرَبِيَة أَرْبَعَة حروب سابقة، فعندما كان يشير إلى أن مكوثه بزنزانة 54 بالسجن عَلًمَهُ الصبر و أوصله إلى قناعة أن المشكلة أحيانا تَكْمُنْ بطريقة التفكير التي غالبا إذا تعلمنا كيف نتغلب عليها سنذلل مصاعب كثيرة أمامنا كان يشير إلى السبب وراء التَغْيِرْ في السياسة الخارجية لمصر بالشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد اقتنع أن مشوار هذه الحروب يجب ان ينتهي ليتنسى لمصر أن تتمتع بعهد من السلام لكي تستقر أوضاعها بعد هذه الضغوطات الكبيرة التي زَلْزَلَتْ كيانها لفترة طويلة منذ نشأتها كجمهورية إلى آخر عقد السبعينات، فقرر البدء بعصر من الديمقراطية والانفتاح لمصر حيث ابتدأ سلسلة من التغيرات والمواجهات مع خصومه السياسيين المعارضين لهذه السياسة التي كانت من شأنها ان تجلب الديمقراطية الى البلاد، و مَرًةْ ثانية نرى في الفلم روح كفاحه الشرسة تَقِفْ في وجه من عارض تطبيق هذه السياسة لينجح بتحجيمهم كليا و إنهاء عملهم السياسي ليبقى هو سيد الموقف كرئيس شرعي للبلاد من دون معارضة تُذْكَرْ، فلذلك أَمْكَنَهُ هذا الإنجاز من صنع اللامعقول مرة أخرى...

قرر أن يُقْلِبَ مواقِفَهُ السياسية رأسا على عقب لكي تعيش مصر...لكي يعيش اهلها بسلام و آمان بعد إنجاز حرب 73...و قرر ان يُصَافِحْ العدو الصهيوني آخيرا...و ان يُبْرِمْ مَعَهُ معاهدة سلام من شأنها ان تنهي فترة الحروب من حياة مصر نهائياً، و في خِضَمٍ هذه التغيرات السياسية الشُجَاعَة و تمشياً مع روح الديمقراطية التي كان يُطَبِقُهَا بمصر أعفى عن مجموعة من المشتشددين حينما شعر ان الشارع قد يَطْلُبَهُمْ للعمل السياسي الحزبي في الجمهورية، و للذي يتأمل تزامن هذه الأحداث مع بعض سيرى أن القدر كان يلعب لعبته معه...فقد أعفا عن قاتليه دون ان يعلم ما هي عواقب صنيع يديه التي لم تحمل لمصر الى كل نِيَةٍ طيبة و كل خطوة بناءه...فبالرغم من أنه سافر الى اسرائيل و قال بكل جرأة بِخِطَابَاتِهِ السياسية مواجهاً إياهم بأنهم مُغْتَصِبونْ للأراضي الفلسطينية  و بأنهم اقاموا دَوْلَتَهُمْ على اراضي لم يكونوا يمتلكوها بصورة شرعية اساساً و بأنهم مطالبون بإقامة سلام عادل و شَامِلْ من ابسط أُسُسِهِ الإنسحاب الى اراضي 1967...و طالبهم بِتَهْيِئَةْ مناخ للسلام بالمنطقة...إلا أن هذا لم يَكْسَبْ رِضَى الجماعات المتشددة إطلاقا...

في السادس من أكتوبر من عام 1981 انفجر هذا التوتر بين السادات و الجماعات المتشددة و تم إغتياله اثناء عرض عسكري يحتفل بنصر حرب أكتوبر لتنتهي مَلْحَمَةْ الكفاح هذه التي صنعها الراحل السادات بِحُبِهِ لِوَطَنِهِ و إخلاصه لقضايا بلاده التي ولد عهدها السياسي الحديث كجمهورية على يديه، و تربت بكنفه و كنف الراحل جمال عبدالناصر، فَنَضَجَتْ مصر من طفولة بريئة الى شبابٍ شعر بِعُنْفوانِهِ السياسي و العسكري كل الدُوَلْ العربية و بالأَخَصْ العدو الإسرائيلي...و لكن لم يسمح القدر للراحل السادات له ان يَشيبَ و هو بين أحضان بلاده الذي أحبها، فإنْتَهَتْ حياته قبل ان يُكْمِلْ رسالة عمران بلاده...سنندم يوم من الايام ان القدر و الضغوطات آخذا كل من السادات و عبدالناصر من بيننا قبل ان يكملوا ما ارادوا ان يدونوه بصفحات التاريخ العربية... فكان هو و الراحل جمال عبدالناصر من خيرَةِ من صانوا كرامتها كدولة لها سيادة و نفوذ، فرحل السادات قبل ان يُكْمِلْ خواطره السياسية...و للذي لم يفهم بعد...مصر لن تعيش من دون الضباط الأحرار...فلو تَخَيًلْتُ لِوَهْلَةٍ أنني أعيش أيام السادات و أتاح لي القدر ان أقابله لسألته سؤال واحدا لا ثاني له...ماذا ستفعل مصر و أنتم غائبون عنها؟