حاولت مرارًا وتكرارًا تفسير الشخصية المصرية المعاصرة في عشقها لكل مسببات الخطر أو التعامل معه عن قرب، فما إن حدث الأذى أو وقع الشر –لا قدر الله- بدأ الصياح والولولة وتسابق هذا وذاك في إسقاط الأسباب على أي طرف آخر قد يكون غير معني أو مسؤول بقدر، ما عدا الاعتراف بالخطأ الشخصي فهو خارج نطاق النقاش أو التطرق له بأي حال.
فها هم السادة المشاة، الذين لا يأبهون لإشارات مرورية ولا لأماكن آمنة لعبور المارة، فتراهم يعبرون الشوارع الواسعة من عند كوبري أو نفق عبور المشاة تحديدا، في تصرف يخلو من كل معايير المنطق والعقل وفي تحدٍ صارخٍ لكل قوانين الأمان لكل الأطراف، وهم من يعبرون الشوارع من أعرض قُطر لها لا من أضيق المسافات تفادياً للخطر، بل ويعبرون في منازل الكباري ومطالعها مع كامل اتخاذ السائق لسرعته جبراً لا اغترارا، وعند مخارج الشوارع ومداخلها، وعند تحول إشارات مرور السيارات للأخضر، وكأنه عن قصد وتعمد لاختبار القدرات المتفردة أو الاستمتاع بفكرة الخطر المستمر، تماماً كما عاشقي المغامرات واللعبات الخطيرة في الحياة العملية والافتراضية.
هم نفس الشعب الذي كان يقف فضولاً خلف خبير إبطال المفرقعات والقنابل إبان فترات الخراب والدمار التي خلّفت حكم الإخوان، وهم أنفسهم ذات الشعب الذي كان يقوم بالبناء المخالف وغير المطابق للمواصفات، باتفاق ومباركة كل الأطراف سواء بانٍ أو بائع أو مشترٍ، فما إن حدثت الكارثة، وقع الخطأ على الدولة التي تحايلوا عليها بتصاريح تم منحها بأوراق مزيفة أو لأي سبب آخر.
منذ يومين، علمت من زوج السيدة التي نبتاع منها الخضر والفاكهة أنها بصحبه ابنتها الصغيرة بالمستشفى بعد أن صدمتها سيارة وأتت على كامل ساقها، مما تسبب في إصابات خطيرة كادت أن تفقد الصغيرة المسكينة حياتها، هما نفس الأم والأب اللذان قمت بتحذيرهما مرارا عن مدى خطورة تواجدهم بموضع يعتبر تقاطعا لستة شوارع، وأطفالهم دوما من حولهم دون رابط أو منتبه لخطواتهم، لا أزايد على خوفهم على أبنائهم بالمرة، ولكن مستقر كلامي عن الاستهتار بالحياة والاستهانة بالتبعات التي قد تكلفنا قضاء ما تبقى لنا من أعمار في كبد و هَم نحن ومن حولنا.
يا أمة عاشقي المغامرة والخطر، الحذر الحذر مما منحها الله لنا من نعم متعددة، فليس المنتحر الذي أفقد نفسه حياته طواعية هو فقط الذي عصى الله في تفريطه الوديعة التي استودعها الخالق لدينا، فكل مُخاطر ومُغامر وغير مكترث وغير عامل للعقل هو عاصٍ ومذنب في حق الإله وفي حق ذاته ومجتمعه، وكلهم مجتمعين سَنُسأل عنهم "عمرك فيما أفنيته"، ومعظم الإجابات في أغلب الظن ستكون "أفنيناها في الفهلوة والحداقة وروح المغامرة والخطر".
الحق أقول، أننا نحيا ببركة الحق عز وجل، رحمة ورأفة ولطفاً منه، لا ذكاءً ولا دهاءً ولا احترافية منا أو من غيرنا، لكنه بكل صدق هو عين التخاذل والتواكل لا التوكل الحق والصدق.
الحياة وديعة، والعمر وديعة، والصحة وديعة، والأبناء وديعة، وكل نعم الله علينا وديعة وجب علينا الحفاظ عليها بمنطق العقلاء الرشداء البالغين، ما بلغ بنا حد التركيز والتعامل مع كافة المعطيات من حولنا، أيطمئنا الله صراحة "الذى أطعهم من جوع وآمنهم من خوف" ونركض نحن ركض البرية خلف كل ذي خطر وشر!!