الخميس 13 يونيو 2024

جمال أسعد يكتب : «إلهام» عبد الناصر.. «وأوهام» عمرو ,,

28-9-2017 | 19:01

تمر غداً الذكرى السابعة والأربعون لوفاة الزعيم جمال عبدالناصر وعبدالناصر أولاً وأخيراً بشر يخطئ ويصيب له سلبياته وله إيجابياته له محبوه وله كارهوه. فلا أحد يؤله بشراً ولا أحد يقدس إنساناً. كما أن التاريخ مهما تم التلاعب به وفيه فهو إن عاجلاً أو آجلاً سيظهر الحق ولا يخفى الحقيقة كما أنه لا يوجد نظام أو أن هناك حاكما قد جاء ورحل ولا يتم نقده ولا يحدث تقييمه. ولكن النقد والتقييم هنا له مواصفاته وله أسلوبه العلمى والموضوعى وله أدواته التقييمية التى تلتزم الحياد الموضوعى لدراسة وتحليل النتائج كما هو وهذا هو الأهم أن التقييم والنقد لأى حاكم أو نظام لا ولن يكون حسب معطيات الواقع الآن. فلا يعقل أن يتم تقييم ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ونقد عبدالناصر وقراراته وسياساته بسلبياتها وإيجابياتها بمعايير٢٠١٧. ولكن أدوات التقييم هنا هى ذات الزمان الذى تمت فيه الأحداث وتلك الظروف والمعطيات والواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى مع عدم إغفال الواقع والظروف الإقليمية والعالمية أثناء وقوع الحدث، فماذا كان واقع المجتمع والشعب المصرى وما هى حالة الأحزاب السياسية فى ذلك الوقت وما هى علاقة الملك الحاكم بالشعب؟ وماذا كان واقع المصريين المسيطر عليهم ثلاثى الفقر والجهل والمرض؟ وما هى أوضاع مصر فى ضوء احتلال بريطانى جاثم على صدرها منذ عام ١٨٨٢؟ وكيف كانت أمنيات الكثيرين هى القضاء على ظاهرة الحفاء؟ وكيف كان النظام العالمى حين ذاك؟ وكيف كانت النظم الحاكمة فى المنطقة العربية؟ وما هو وضع دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فى ضوء كل صنوف الاستعمار بأشكاله المتعددة؟ هنا وبهذه المقاييس وبتلك الأدوات يجب أن يتم تقييم عبدالناصر ونظامه.أما وما يحدث وهذا طبيعى فكل واحد وكل جماعة تشترك فى المصلحة الواحدة لابد أن تتفق فى الرأى والرؤية والهدف الذى يحقق هذه المصلحة. ويوازى ذلك رفض هذه الجماعات لكل شخص أو حاكم أو نظام يكون فى غير تلك المصلحة وهذا يعنى أن كل شخص أو جماعة أضيرت ولم تستفد من نظام عبدالناصر لابد من الاختلاف معه والتعامل معه باعتباره شيطانا رجيما. وكل من استفاد من عبدالناصر ونظامه يعتبر عبدالناصر زعيماً ملهماً باقياً خالداً بأعماله وأفكاره ورؤاه التى يمكن أن يكون بعضها صالحاً لهذا الزمان ولمواجهة هذه التحديات نعم فهذه النظرة تحكمها العواطف وتبعد عنها الموضوعية. ولكن من المعروف أن القياسات الشعبية والانحيازات الجماهيرية لها رؤيتها الخاصة وتقييمها الذاتى. وهذا يعنى أن لكل نظام مؤيديه كما أن له معارضيه. هنا الفيصل هل المؤيد أغلبية أم أقلية؟ وهل المعارض أقلية أم أغلبية؟ هنا لا أحد يزايد أو يناور فالحقيقة ظاهرة كظهور الشمس فى رابعة النهار والحقيقة هنا أن الأغلبية الغالبة من الشعب المصرى قد استفادت من نظام عبدالناصر، وأن الأقلية التى كانت تحكم وتستحكم فى البشر هى التى أضيرت فلهم ما يريدون.وهذا على مستوى الداخل المصرى فى إطار القرارات ونظام عبدالناصر السياسى وقراراته الاقتصادية ومتغيراته الاجتماعية التى حدثت والتى غيرت الخريطة الاجتماعية المصرية والتى أحدثت هذا الحراك الاجتماعى والطبقى الذى لم يحدث فى تاريخ مصر بهذه الصورة أما على المستوى العربى والإفريقى والآسيوى والعالم تأتى مبادئ عبدالناصر ورؤيته السياسية فى الاستقلال والتحرر الوطنى ومواجهة كل ألوان الاستعمار كانت ولا زالت هى الإلهام للشعوب والنظم الساعية إلى الاستقلال وحرية القرار وهذا ما جعل وما يجعل عبدالناصر باقياً وخالداً مهما كانت تلك الحملات الموجهة وغير الموضوعية والتى تحمل فى طياتها تصفية حسابات تاريخية لم يستطع أصحابها الشفاء منها حتى الآن بالرغم مرور تلك العقود على وفاة الزعيم وهذا ما يؤكد تواجده بالفكر والرؤية التاريخية الباقية. بل هذا ما جعل عبدالناصر حتى الآن يذكر ويتم الصراع حوله والخلاف عليه بل وترفع صوره ليس فى مصر ولا عند حدوث هبتى يناير ويونيو فحسب ولكن فى كل الأماكن العربية والعالمية التى تستدعى عبدالناصر الفكر وتسترشد عبدالناصر المبادئ. ومن الصدف غير العجيبة والطبيعية فى هذا الإطار وجدنا ونحن نحتفل بذكرى وفاة الزعيم يخرج علينا السيد عمرو موسى أمين الجامعة العربية الأسبق ووزير الخارجية الأسبق والذى أحبه شعبان عبدالرحيم أكثر من إسرائيل فى كتابه الجديد الذى احتفى به محبوه باعتباره نصراً كبيراً وإضافة سياسية وتاريخية لا نظير لها والذى أتحفنا فيه بمعلومات وأسرار خطيرة ورهيبة تقلب الموازين وتسقط كل التقييمات المناصرة لعبدالناصر حيث إنه لم يكتف بإعادة ما تكرر مئات بل آلاف المرات مثل دكتاتورية عبدالناصر وأن مظاهرات التنحى كانت مسرحية بل قال لا فض فوه ومات حاسدوه أن عبدالناصر كان يستورد طعاماً خاصاً من الخارج وتحديداً من سويسرا لاهتمامه بنظام غذائى يؤدى إلى خفض وزنه وكان يرسل من وقت إلى آخر من يأتى له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالرجيم من سويسرا وكان رجلاً ضخم الجثة يأتى لاستلام الطعام وكان موسى هو المسئول عن تسليمه له. كما وصف موسى عبدالناصر بالدكتاتور الذى قاد مصر للهزيمة مضيفاً أن التنحى مسرحية وأن عبدالناصر اختصر مصر فى شخصه فكل ما هو جيد له هو جيد لمصر واعتبر أن سياساته سبب لاندلاع ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. فحكاية استيراد عبدالناصر لطعام من سويسرا بهدف المحافظة على الرجيم. ذلك الطعام الذى كان يسلمه موسى لشخص ضخم الجثة هنا ياسيد موسى.لماذا هذه المعلومة الآن بعد تلك السنوات الطوال ؟ هل عدم الإفصاح عنها كان هو نوع من البراجماتية النفعية والانتهازية الذاتية وعدم القدرة على المواجهة ؟ طبعاً كل هذا لو كان ما قلت صحيحا. فما هو اسم الشخص ضخم الجثة هذا؟ لم تعرف اسمه هل كان شبحاً أو سراً حربياً؟ وما نوع الطعام وما اسمه ؟ ألم تحاول معرفة هذا السر الحربى وحتى تكون صادقاً فى كلامك بعد هذا الزمن؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل هذا السر قد اختفى على أعداء عبدالناصر فى الداخل والخارج، حيث إن هذا الكلام كان مهما جداً بالنسبة لهم خاصة أنك وفدى النشأة والطبع حيث إن هذا السر كان كفيلاً بكشف زيف عبدالناصر الذى ادعى وكان من حوله يدعون أنه متواضع وكان يأكل هو وأسرته ما كان يأكله أصحاب الطبقة المتوسطة فى ذلك الوقت حيث قيل إنه كان يأكل أكلة عدس مرة فى الأسبوع وكان لا يأكل غير الجبنة القديمة أليس هذا السر كان يختفى على هؤلاء حيث كان كفيلاً بفقد مصداقية ما يقال عن تواضع عبدالناصر مع العلم أن عبدالناصر كان قد أصيب بالسكر وكان نظام أكله يعرفه القاصى والدانى لمرضى السكر. قال موسى عبدالناصر دكتاتور فماذا يعنى بالدكتاتور؟ وماذا كان شكل الحكم والحكام فى المنطقة وفى أغلب العالم حين ذاك؟ وما هو نوع الحكم المصرى منذ مينا موحد القطرين حتى الآن ومع ذلك فإذا كانت الدكتاتورية التى هى ضد الديمقراطية. فالدكتاتورية التى كانت فى ذلك الوقت هى الدكتاتورية التى تسعى للنهوض بالوطن والشعب وبتحقيق العدالة الاجتماعية فى ظل النظام الواحد الذى كان سمة الوقت وليست الديمقراطية الشكلية التى لا تعنى حرية المواطن فى الاختيار بعيداً عن الضغوط السياسية والاقتصادية والطائفية والدينية التى جاءت بمرسى الذى تسانده أمريكا ويطالبون بعودته.الحزب الواحد ومنظمة الشباب التى كنا نمارس فيها أقصى وأقسى أنواع المعارضة والاعتراض، الدكتاتورية التى كان عبدالناصر ذاته يوجه فى ظلها الانتقاد للأوضاع جميعها فى خطبه الجماهيرية. أما مسرحية التنحى يا سيد موسى. فهذه سقطة تتكرر بلا نظرة موضوعية بل تحكمها حالة غياب وعى حقيقى خاصة عن من حضر أحداث التنحى. فكيف هذه المسرحية؟ ومن الذى أخرج تلك الملايين الهادرة ليس فى مصر وأقاليمها ومحافظاتها ومراكزها فقط ولكن فى كل بلاد العالم العربى. فهل كان للاتحاد الاشتراكى كل هذه السطوة وهذه السيطرة على الداخل والخارج؟ أنا شخصياً ومن كان معى من الشباب فى تلك الأثناء وبعد سماع خطاب التنحى قد نزلنا إلى الشوارع ولم نعد إلى منازلنا إلا بعد عودة عبدالناصر. خروج الجماهير التى رفضت التنحى هو الشعب المصرى الذى آمن بعبدالناصر والذى شعر وحصل على المكاسب التى لم يكن يحلم بها. هم المصريون الذين ينتمون لمصر ويخافون عليها أكثر من خوفهم على مصالحهم الذاتية. فمصلحة مصر والحفاظ عليها هو الحفاظ على مصالحهم الخاصة. الخروج لم يكن لعبدالناصر كشخص ولكن كان لحظة تاريخية لإعلان الشعب النضال والصمود فى مواجهة العدوان الصهيونى المسنود من القوى العالمية التى لا تريد عبدالناصر الزعيم والفكر والرؤية. تلك ادعاءات لا تسندها الحقائق بل يكذبها ما حدث.نعم يا سيد موسى لم يختصر عبدالناصر مصر فى شخصه وكل ما هو جيد له هو جيد لمصر. ولكن مصر وشعبها وجماهيرها هى التى جعلت عبدالناصر لا يختصر مصر فى شخصه بل جعلته هو المعبر عن مصر وشعبها وطموحاته وآماله عبدالناصر الذى أحب مصر ولم يختصرها فى شخصه بل هو الذى دفع حياته لمصر ولشعبها ولأمته العربية فقد مات عبدالناصر فى ضوء أزمة عربية لم يحتمل قلبه المتعب أن يتحمل آثارها. أما أن سياساته كانت سبباً فى اندلاع أحداث يناير ٢٠١١.فهذا كلام لا يليق ليس بعمرو الشخصى ولكن بعمرو الموقع كوزير لخارجية مصر وأمين جامعة الحكام العرب وليس لشعوبها. فهل لا تعلم يا سيد عمرو أن نظام عبدالناصر قد اختفى بعد وفاته وتحديدا عام ١٩٧٤ بعد التوجه الاقتصادى الجديد وبعد تسلم المفتاح لأمريكا وبعد اتفاقية كامب ديفيد. فأين نظام عبدالناصر الذى ظل يحكم حتى يناير ٢٠١١؟ يناير ٢٠١١ هى التى أعادت وجود عبدالناصر ليس الشخص فالشخص عند ربه ولكن إعادة عبدالناصر المبدأ والفكرة والرؤية من خلال رفع صوره وترديد أغانيه الباقية حتى الآن والتى تردد فى كل المناسبات الوطنية والشعبية فلا نعلم يا سيد موسى كيف كان عبدالناصر وسياساته سبباً فى يناير ٢٠١١.

نعم سياسات عبدالناصر كانت الملهمة للشعب الذى رفض مبارك الذى كانت تتناقض سياساته وتوجهاته مع عبدالناصر. وعلى العموم فالرأى متاح والمعارضة مشروعة والاختلاف جائز والحوار بالرأى والرأى الآخر واجب. فلا قداسة لشخص ولا عصمة لنظام. ولكن الأهم من دفاتر الماضى هو الحاضر وكيف نواجهه خاصة وجود هذه التحديات الخطيرة التى تواجه الوطن. فماذا فعلنا وماذا سنفعل لمواجهة هذه التحديات؟ هذه هى القضية. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.