الإثنين 10 يونيو 2024

محمد الخولى: عبد الناصر كان «ابن موت»

28-9-2017 | 19:30

حوار: سلوى عبد الرحمن

٤٧ عامًا مرت على رحيل الرئيس جمال عبد الناصر.. الحالة التى كان يمثلها عبدالناصر ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالمين (العربى والدولى) كانت سببا فى أن تطفو تساؤلات عدة على مشهد “الرحيل”، التكهنات كانت حاضرة، فهناك من أشار إلى أن “ناصر.. مات بالتفاح اللبنانى المسموم”، وهناك من ألقى بالتهمة على الطبيب المسئول عن “تدليك رجل الرئيس”، وآخرون تحدثوا حول أن “السحر الأسود” الذى مارسه حاخامات يهود سبب رئيسى فى “نهاية جمال”.. غير أن التاريخ، منذ لحظة الوفاة، وحتى وقتنا الحالى، لم يقل “كلمة فصل” فى تلك المسألة.

الكاتب الكبير «محمد الخولى» والذى كان فى المكتب الإعلامى الخاص بناصر تحدث عن “أيام النكسة”، ولحظة وصول نبأ وفاة جمال عبد الناصر إليه، والأسباب التى حرمته من المشاركة فى جنازة الرئيس..

بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر خرجت أصوات لتؤكد أنه تعرض للاغتيال ومؤامرة أدت لموته.. ما حقيقة هذا الأمر ؟

أشارت أصابع الاتهام إلى أكثر من شخص، فالبعض قال إنه مات مسموما إثر تناوله تفاحا لبنانيا مسموما قدمه له الوفد اللبنانى، وكان هذا التفاح نادر الوجود فى مصر وهذا هراء، وسأذكر رواية تنفى هذه الشائعة تماما لقد عملت فى الرئاسة، وكان يأتى للرئيس جمال عبد الناصر سعيد فريحة وهو ممن يعشقونه بهوس، وكان عميد الصحفيين اللبنانيين من «دار الصياد» التى كانت تصدر جريدة الأنوار والشبكة، ودائما فى زياراته لـ»عبد الناصر» كان يحمل معه كرتونة تفاح لبنانى، وبعد تكرار زيارات «فريحة» طلب منه الرئيس فى واحدة منها أن يكف عن جلب التفاح معه، وعندما استفسر منه «فريحة» عن السبب، قال له: « ولادى مش متعودين على التفاح اللبناني، وإحنا منعنا استيراد التفاح لتقليل الواردات والشعب المصرى لا يستطيع أكله»، فضحك فريحة وقال له:فخامة الرئيس أنت لك الآخرة ونحن لنا الدنيا.

وهناك من اتهم الدكتور على العطفى، أخصائى العلاج الطبيعى الذى كان يدلك قدم الرئيس بزيت قيل بعد ذلك إنه يحتوى على مواد سامة طويلة المدى، فيما أشار آخرون إلى تناول عبدالناصر كوب عصير برتقال قدمه له صهره أشرف مروان وكان يحتوى على سم ينهى حياة من يتناوله بعد عدة ساعات ويجعل سبب الوفاة أشبه بالأزمة القلبية دون أن يترك أثرا، وهو ما طرح بعد مقتل أشرف مروان فى لندن بعد أن أعلن نيته كتابة مذكراته واختفاء هذه المذكرات.

ومن ضمن ما تم تداوله أن حاخامات يهودا مارسوا سحرا وقتلوه عن بعد وخرجوا يتباهون بذلك بعد موته وكثير من الشائعات والفرضيات، لكن جميع هذه الفرضيات والتكهنات، وكل الآراء جاءت فى النهاية لترجح وفاة الرئيس بشكل طبيعى، ويجب ألا ننسى أن عبد الناصر كان مريضا.

ما الأمراض التى كان يعانى منها عبد الناصر؟

«عبد الناصر» كما يقولون بالبلدى «ابن موت» يكفى الجهد الذى قام به بعد النكسة فهو كان يعانى من مرض السكر وتصلب الشرايين، وكان هناك تخوف من التصلب بأن يصل إلى درجة «النوبة القلبية المفاجئة» ولذلك كان دائم السفر لتلقى العلاج فى مصحات طبية روسية.

ما النصائح الطبية التى كانت توجه لـ»عبد الناصر» بعد تدهور حالته الصحية؟

نصحه الأطباء، وتحديدا طبيبه الروسى، أن يكتفى بأربع ساعات عمل كحد أقصى فى اليوم، والابتعاد عن الضغوط، لكن الرئيس لم يعط نصائحهم الاهتمام المطلوب، لدرجة أنه فى مؤتمر القمة الأخير لم يكن ينام وأُجهد جدا فى أيامه الأخيرة.

كما أن الرئيس أصيب بالسكر مبكرًا، لكن تصلب الشرايين والإجهاد والضغط كان نتيجة إجهاد وبذل مجهود خرافى خاصة فى الثلاث سنوات الأخيرة.

هل كان هناك من يريد قتل عبد الناصر.. القوى الاستعمارية وإسرائيل على سبيل المثال؟

بالفعل.. وكانت هناك محاولات عديدة لذلك

الاتهامات بالتورط فى قتل عبد الناصر طالت أيضا الموساد والسوفيت حيث كان يتلقى العلاج كما سبق وأشرت داخل مصحات سوفيتية.. هل هناك ما يؤكد ذلك؟

بالنسبة للموساد ليس هناك شئ بعيد أن يكون فعل ذلك، لكن الأمر لا يزال فى خانة «التكهنات»، أما السوفيت «الروس» فهو كان يذهب للعلاج فى مصحة «تسخالطوبو» السوفيتية، لكن الكل يعلم أن «عبد الناصر» كان أمل الروس وملاذهم فكيف يقتلونه؟!.. ولهذا أرى أن هذا التصور غير منطقى.

صراحة.. هل كان هناك من ينتظر رحيل عبد الناصر ؟

مات عبد الناصر ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، ومن أغسطس وحتى سبتمبر عام ٧٠ ، كان هناك من يلعب لعبة كبيرة ضدنا وهو صدام حسين، الذى كان يريد وراثة زعامة الوطن العربي، مثلما يحدث الآن من قطر التى لديها أموال طائلة وليس شيئا آخر، لكن العراق كان يختلف فلديه تاريخ، ولكن لايملك الزعامة التى كانت عند مصر.

وأذكر أننا كنا كتنظيم الطليعة العربية داخل العراق، وكان يترأسه الدكتور خيرى الدين حسين ودخل سجن النهاية، وكنا نتراسل معه من داخل السجن وكان أول عربى يحصل على الدكتوراه فى علم الإحصاء من جامعة كامبريدج، وكان مجند مجموعة من المصريين ضد البعث فكان سيقام فى شهر سبتمبر ١٩٧٠ مؤتمر الطلبة العرب فى لندن وكانت لدينا معلومات أن البعث سيستغله لهدم زعامة عبد الناصر مستخدما اتفاقية أو مبادرة روجرز، لإثبات أن «عبد الناصر» باع القضية، وأراد أن يتفق على هدنة مع إسرائيل.

ونحن كطليعة عربية اتفقنا على تنظيم اجتماعات لمواجهة هذه المؤامرة فى لندن ولكن ليس العراق كدولة بل البعث كتنظيم سياسي، وبما أننى كنت مسئولا عن الناحية الفكرية اقترحت عمل دراسة لكشف حزب البعث وتاريخه الحقير ، وبالفعل أعددنا دراسة عن حزب البعث وأرسلتها لعبد الناصر وبعدها بيومين استدعانى رئيسى فتحى الديب وأخبرنى أن الرئيس وافق على الدراسة، وطبعناها على ورق «دشت» وهذا كان اقتراحى حتى لايشك فينا أحد، فالمفترض أننا حزب، ولا يمكن أن نطبع فى المطبعة الأميرية، ونشرناها فى العالم العربى كله، وأصبحنا على أتم الاستعداد لمواجهة البعث فى لندن، فكونا وفدا وأجرينا جولة سريعة فى جميع البلاد التى يوجد رجال لنا فيها، حتى وصلنا لندن، وخلال هذه الفترة أنفق صدام حسين ١٠ ملايين جنيه استرلينى لكى يأتى بأشخاص من العالم العربى يقولون صدام حسين، لكن انتهى المؤتمر ببرقية تؤكد قيادة جمال عبد الناصر وزعامته والكل قال «نحن جنودك يا عبد الناصر افعل ماتريد ونحن معك»، لكن للأسف لم يقرأها لأن البرقية وصلت القاهرة يوم وفاته.

كيف استقبلت نبأ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر؟

بعد نجاح مؤتمر الشباب فى لندن، وكانت النتيجة لصالح عبد الناصر باكتساح، أردنا أن نكافيء أنفسنا أنا ومحمد عروق مدير صوت العرب والمسئول عن التنظيم السياسى مع شعراوى جمعة وقتها، فذهبنا الى امستردام لنقضى بضعة أيام هناك، لكن بعد وصولنا إلى الفندق بدقائق جاء لنا خبر وفاة عبد الناصر، أذكر أننا ليلتها لم نترك حارة فى امستردام إلا ومشينا فيها، ولم نكن نعرف أين نذهب، فكل ما كنا نفعله هو البكاء بحرقة حتى مطلع الفجر، ثم ذهبنا إلى المطار وطلبنا طائرة، ومن هيئتنا منحونا طائرة أقلتنا إلى القاهرة.

اشرح لنا مشهد وفاة عبد الناصر وكيف كانت الأجواء الإنسانية؟

لم أستطع حضور الجنازة، فقد مكثت فى البيت وحيدا لأننى لم أستوعب فكرة أن الزعيم مات، وجنازته كانت مهيبة وحضرتها أمم من البشر من العرب والأجانب

وأهم ما قيل وقتها أنه كانت هناك مناورات عسكرية للأسطول السادس فى البحر المتوسط ، وعندما وصل إليهم خبر وفاة جمال عبد الناصر، الرئيس الأمريكى «نيكسون» أمر بإنهاء المناورات، وقال « من كنا نوجه إليه الرسالة لم يعد موجودًا، ولم يعد هناك مبرر لاستعراض قوة أمريكا».

وقد حضر الجنازة كل الزعماء كالأسد والنميرى والقذافي، وكل من كان يصل مصر من هؤلاء مجرد وصوله يقع منهارا، حتى إن مدرسة علم النفس الكندية قالت هذه هى ظاهرة الحزن الجماعى عند الشعوب وفى البلاد العربية وخاصة الكويت كانت كل يوم ينظمون جنازة كاملة لعبد الناصر وحدث ذلك فى صعيد مصر أيضا.

حدثنا عن الزيارة الأخيرة التى أجراها «عبد الناصر» للاتحاد السوفيتى؟

أخر مرة زار فيها الاتحاد السوفيتى كانت زيارة سرية والسوفيت كانوا دائما يتحدثون عنه بفخامة وتعظيم فى هذه الزيارة كان يريد صواريخ سام ثلاثة ويبدو أن هذا النوع من الصواريخ لا تحصل عليها سوى الكتلة الشيوعية، ولأن مصر ليست شيوعية فكانت هناك صعوبة على الحصول عليها فقال:(زعيم ايه انتم تتحدثون مع زعيم مهزوم أنا الآن ساتحدث مع الأمريكان طالما لم تعطونا هذه الصواريخ )فالتوتر الشديد والإحساس الشديد بالمسئولية إلى جانب الحالة الصحية جعلته يتحدث بهذه اللهجة ما جعل بريجينيف رئيس الاتحاد السوفيتى يوقف الجلسة ويعطى له موعد الساعة السادسة مساء، وهذه الرواية على عهدة هيكل فجاء الموعد وكانت القاعة تعج بجميع مرشالات الاتحاد السوفيتى لأن هذا القرار لابد أن يؤخذ بحضور جميع مرشالات الجيش واتخذوا القرار بإعطاء مصر «سام ثلاثة «بعد هذه الزيارة السرية.

هل نستطيع أن نقول إن عبد الناصر صانع ٧٣ والسادات اتخذ القرار؟

لا أستطيع أن أقول ذلك، لكن الفضل للسادات الذى اختلف معه كثيرا والذى كان لديه شجاعة إمضاء قرار الحرب، لكن عبد الناصر أعاد بناء القوات المسلحة وتأهيلها تاهيلا تاما للحرب فكان الجندى يمكث بالجيش من ست لسبع سنوات، وهذا الاستبقاء جعل الفكر والمعرفة يرتفع لديه وأصبحت احترافية القوات المسلحة والتى كان الفضل الأكبر فى هذا للفريق محمد فوزى والفريق محمد رياض وكان الضباط من كثرة التدريب على العبور لديهم ملل وحمية للعبور فكانوا على أهبة الاستعداد، إذن يمكن القول أن «السادات» تسلم جيشا مستعدا ومسلحا ولديه خطط الحرب، والدليل على ذلك الفريق فوزى قبل إيداعه فى السجن كان قد وضع خطة جرانيت واحد واثنين وثلاثة.

 

 

 

 

    الاكثر قراءة