كتب خليل زيدان:
في الثامن عشر من فبراير 1978 طالت يد الغدر والإرهاب الأسود فارس الحربية والسياسة وفارس الأدب والثقافة يوسف السباعي ، ولايدري أحد ماذا جنى وماذا كسبوا من اغتياله!!
ذهب الأديب يوسف السباعي إلى قبرص على رأس وفد مصري للمشاركة في مؤتمر التضامن الأفروأسيوي السادس الذي تقيمه بشكل دوري منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والأسيوية بصفته أميناً عاماً للمنظمة ، وقد تأسست المنظمة في ديسمبر عام 1957 في مصر وأقيم مؤتمرها الأول في القاهرة واختير السباعي أميناً عاماً وكان مقر الأمانة أيضاً في القاهرة .. وأقيم المؤتمر الثاني في غينيا عام 1960 والثالث في تنزانيا 1963 والرابع في غانا 1965 والخامس في القاهرة عام 1972 .. ولاندري دوافع إقامة المؤتمر السادس المشئوم عام 1978 في قبرص وهي بلد لا تتوافر فيه امكانات حماية مؤتمر كهذا .
هبط السباعي من الطابق الخامس لحضور المؤتمر في فندق هيلتون الذي يفتقد الحراسة والتأمين لأعضاء المؤتمر واستوقف السباعي كشكاً صغيراً لبيع الصحف ، وقف دقائق يلقي عليها نظرة ولا يعلم أن يد الغدر تترصده لا شئ إلا لأنه فقط رافق الرئيس السادات في رحلته إلى القدس ، وتنطلق ثلاث رصاصات من إرهابيين تصيب السباعي في رأسه لترديه قتيلاً ، وأعلنت منظمة أبو نضال الفلسطينية مسئوليتها عن الحادث وهي حركة منشقة عن منظمة فتح أسماها مؤسسها صبري البنا بإسم حركة فتح المجلس الثوري مما دفع ياسر عرفات لطرده والحكم عليه بالإعدام .. وقام الجناة باحتجاز أعضاء المؤتمر كرهائن وبالتفاوض مع الرئيس القبرصي لبى لهما طلبهما وهو توفير طائرة لمغادرة قبرص مقابل الإفراج عن جزء من الرهائن واصطحبا 11 عضواً معهما فيهم أربعة مصريين .. وتم نقل السباعي إلى المستشفى في نيقوسيا لكنه كان قد فارق الحياة .
واستقل الجناة الطائرة بالرهائن ولم تسمح لهم عدة دول بالهبوط لديها وهي ليبيا وسوريا وعدن وبسبب نفاد الوقود هبطت الطائرة في جيبوتي التي رفضت وجودهم وأمدتهم بالوقود وطلبت منهم المغادرة ، وبالفعل عادت الطائرة إلى قبرص مرة ثانية .. وكان رد الرئيس السادات في اليوم التالي مباشرة حيث أوفد إلى قبرص طائرة حربية تحمل معدات عسكرية وبها فرقة صاعقة لتحرير الرهائن والقبض على الجناة ، وهبطت الطائرة الحربية المصرية في مطار قبرص بالقرب من طائرة الجناة بعد أن أرسلت إشارة إلى السفير المصري بأن بالطائرة وزير مصري جاء للتفاوض مع الجناة .. انزعج وقتها الرئيس القبرصي الذي وقف في برج المراقبة بالمطار من هذا التصرف الذي لم يسبقه تنسيق خصوصاً وقد علم أن بالطائرة فرقة من الصاعقة المصرية بكامل أسلحتها ، وطمأنه السفير المصري بأن الفرقة ستكون تحت تصرفه لإيجاد حل للأزمة ، لكن تعليمات الرئيس السادات كانت الرد بالعنف على مقتل السباعي ، وبالفعل فتحت أبواب الطائرة الحربية المصرية في المساء لينطلق منها أفراد الصاعقة تجاه طائرة الجناة ، وأطلقوا النار في كل الإتجاهات ، وبتصرف عجيب أعطى الرئيس القبرصي تعليماته لقوات حرسه بالرد على القوات المصرية ودارت معركة بين الطرفان راح ضحيتها 15 جندي مصري وأصيب 80 من الطرفين .. وبعد أن هدأت المعركة خرج الجناة من طائرتهما مستسلمين ومفرجين عن الرهائن .. وما حدث بعد ذلك أكثر غرابة ، وهو رفض قبرص تسليم الجناة لمصر لمحاكمتهما ، وتمت المحاكمة بقبرص ، ولم يصدر ضدهما حكماً بالإعدام بل سجناً مدى الحياة ، ولتزداد علامات الاستفهام تم تهريب الجناة من قبرص بحجة تلقيها تهديدات من منظمات ارهابية !! تواطأ الارهابيون والجبناء لكن من قتل يقتل ولو بعد حين ، ففي عام 2002 وجدت جثة أبو اياد الذي أعلن مسئوليته عن مقتل السباعي بغرفة في فندق بالعراق وقد قتل بعدة رصاصات في رأسه .
رحل السباعي ذلك الفارس النبيل بكل ما تحمله الكلمة من معانِ تاركاً تاريخاً مشرفاً وثروة من الأعمال الأدبية التي أضافت إليه لقب فارس آخر وهو فارس الرومانسية ، وشغل السباعي عدة وظائف منها ضابط وصحفي وروائي ليصل بعد ذلك بطيب أخلاقه وروعة أعماله لأعلى المناصب منها مدير المتحف الحربي وسكرتير المجلس الأعلى للفنون والآداب وأمين عام منظمة الشعوب الافريقية والأسيوية ورئيس تحرير آخر ساعة ورئيس مجلس أدارة دار الهلال ثم رئيس مجلس ادارة الأهرام ونقيباً للصحفيين ووزيراً للثقافة .
سيظل إسم يوسف السباعي خالداً بما تركه من أعمال أدبية بلغت 48 رواية ، تم تجسيد معظمها في السينما منها فيلم "رد قلبي" الذي حضره الرئيس جمال عبد الناصر أثناء التصوير وأيضاً عند أول عرض له وفيلم "إني راحلة وبين الطلال وفيلم أرض النفاق ومبكى العشاق ونادية وأم رتيبة وجفت الدموع وأخلاق لللبيع وحتى آخر العمر والسقا مات ومولد يا دنيا وامرأة بلا قيد ونحن لا نزرع الشوك والعمر لحظة وشارع الحب وآثار في الرمال والناصر صلاح الدين".