السبت 4 مايو 2024

أسف حبيبتي

مقالات18-7-2023 | 13:33

لم تعد كلمة الأسف مدرجة ضمن قاموس حياتنا.. فالجميع صح على طول الخط والجميع يتقنون كل شيء وخبراء في أي شيء.

لم يعد هناك قيمة لأي مختص، فكيف يكون ذلك وأنا الذي قرأت أفضل منك  لاسيما في مجالك؟ّ!

فوضى من نوع خاص، لا أظنها حكرًا على مجتمعنا الضيق في مصر، بل في شتى بقاع العالم. لم تعد هناك نخب ورموز يصعب الوصول إليها.. أزالت التكنولوجيا تلك الحدود، فلم يعد الجمهور النخبوي هو المهلل أو الناقد  للأشخاص بل أصبح الوضع سمك لبن تمر هندي, لذا وجب  وضع نقطة نظام، وتمهل لاستيعاب ما يحدث وتمرير كل ما يحدث، وانتقاء ما يفيد لا من يرفع الضغط ومؤشر السكر في الدم.!!

تابعت مثلي مثل الكثيرين صورة الفنان القدير إيمان البحر درويش وهو على فراش المرض.. انزعجت كثيرًا .. كيف استسلم للمرض والإحباط على هذا النحو؟!

 ماذا حدث حتى غلبه المرض على هذا النحو ..؟!

 ألقيت باللوم على ابنته كثيرًا- شعرت أنها لم تسيء إليه فقط، بل أساءت لي ولتاريخ هذا الفنان وجده العظيم .. لست أدري لماذا شعرت أن تصرفها وجه لي وآلمني على وجه الخصوص؟!

 هل لأنه أول حب في حياتي .. أول فارسا للأحلام، هل لأن صورته كمهندس شاب طيب ومثالي في فيلم "تزوير في أوراق رسمية".. هي الراسخة في عقلي الباطن ؟!

هل لأن أول صورة حصلت عليها خاصة به لم تكن صورة في جريدة أو مجلة وإنما صورة شخصية عليها توقيع منه .. أهداها لي قريبي لأنه تباهى  باقتنائها .. عندما أخبرته أني أحبه وأحفظ أغانيه عن ظهر قلب، فأصر أن آخذها؟!

تذكرت رؤيتي  لمنشور الفيس بوك عن إحدى حفلات مهرجان القلعة،  لم أرى من الإعلان سوى أسمه ..!!

 قررت في جزء من الثانية، الذهاب، بحثت عيني سريعًا عن التفاصيل - لأفاجئ بأن الحفل مساء نفس اليوم.!!

طرت  على جناح الريح للقلعة وانتظرت في أخر الصفوف حتى أتمكن من المتابعة الجيدة - ليقيني أنه فور البدء بالغناء سيقف الجميع بانسجام متناسين أن خلفهم محبيه .. لم ولن يتمكنوا رؤيته..!!

وقفت على المقعد وبدأ حفلته بأغنية "أنا طير في السما وظل يغني ويغني ويمتعنا بأجمل الأغاني-  أغاني شكلت وجداننا لأنها شاركتنا أجمل وأنقى أيام حياتنا.. شاركته الغناء بحماس والتصفيق بقوة حد أن انكسر خاتمي من قوة التصفيق..مرت ساعات الحفل سريعًا ولم يكن يرغب في أن يغادر خشبة المسرح أو أن ينتهي الحفل ، حتى  بدأ المنظمون بتخفيف الإضاءة بالتدريج- ليخبرنا بأسف، أنه لابد أن يختتم الحفل معبرا عن رغبته في الغناء حتى شروق الشمس لشعوره بالسعادة من تفاعل الجمهور معه.. شعر بحب الناس له فالحب هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن اخفاؤه.

 اختتم حفلته التي أعادتني لأيام طفولتي البريئة  بأغنية  "أنا طير في السما"..

لم اعتبره مطربًا  غريبًا عني- لم اعتبره مجرد فنان وإنما اعتبره شريك الروح لوجوده ووجود أغانيه الحماسية والوطنية أكبر الأثر في تكويني .

 مازالت اذكر  أول شريط  "كوكتيل أغاني " الذي أحضره أبي عندما كنت في المرحلة الإعدادية ،  مراهقة  على أعتاب الحياة لا تملك إلا أحلامها وصورة تخيليه مثالية لفارس الأحلام .. جسدها هو !!

أعيد أغنية "نفسي"-  أتمعن في كلماتها .. وأغنية" قول يا قلم قول"..

وغيرها من روائعه التي أحفظها عن ظهر قلب.

لم يكن يعلم أنه عبر ما في نفسي وحفز قلمي ولازال يفعل حتى يومنا هذا..!

 انتقدت تصرف ابنته رغم أن جملتها المرفقة بالصورة تنم عن اليأس والقهر والشعور بالخذلان.!!

لكني أرى  أننا أمانه في عنق أولادنا خاصة في هرمنا - لنا حرمة  خاصة لا يمكن أن تنتهك مهما كانت الضغوط والصعوبات.!!

 لا يوجد أي عاقل يحب أن يرى عزيزه  بهذا الضعف بهذا الشكل..

عندما مررت بموقف مشابه بعد لحظات من وفاة أمي وتسلم الجثمان.. حاول العديد أن يرى أمي أرادوا توديعها حد قولهم ..

اصطحب أخي إحداهن  وهو يقول أنها تريد رؤية أمي..

أغلقت الباب وتصديت بقوة له قائلة .. عذرًا ..

 أوصت أمي  بعدم دخول أي شخص عليها مهما كانت مكانته.!!

لم توصي أمي بشيء وإنما أردت أن تكون صورتها في عيونهم هي صورتها وهي في عنفوانها، أردت أن تخلد في ذاكرتهم بالصورة التي اعتادوا رؤيتها عليها.. لا تلك التي ترك الموت والمرض بصمته عليها.

  قررت الاحتفاظ  بصورتها الأخيرة التي تركت أثراً كبيرة بروحي، لأحتفظ بحسرتها في قلبي لا قلوب الآخرين!

لذا أنا ضد ما فعلته تمامًا- أياً كان الدافع .. ربما لو كنت مكانها لنشرت صورته وهو في أبهى صوره وصورته على فراش المرض ووجهه مضبب احتراًما لخصوصيتة ومكانته.

بكل الأحوال يظل إيمان البحر درويش عنوان لأيامنا الحلوة ورمز لأجمل فترات حياتنا وشريك ذكريات أبناء جيلي.

 أوقن أنه لو كان بيده- قطعًا كان سيقول  لأبنته ولنا ولمصرنا الحبيبة  آسف حبيبتي.!!

كنت أود أن أغادر هذا العالم وأنا راض عن كل شيء وأي شيء..

حفظ الله الفنان القدير إيمان البحر درويش وأعانه على تخطي محنته،ومنحه القوة لتخطي وعكته الصحية .

Dr.Randa
Dr.Radwa